يوم الجمعة .. قضايا وأحكام 2
خالد سعد النجار
الأفضل بعد زوال الشمس خروجا من خلاف العلماء؛ لأن أكثر العلماء يقولون لا بد أن تكون صلاة الجمعة بعد الزوال، وهذا هو قول الأكثرين.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
بسم الله الرحمن الرحيم
** التبكير في الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة من الآداب المهمة التي ينبغي العناية بها في هذا اليوم .
// روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلَائِكَةُ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ)»
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» [البخاري ومسلم]
فهذه الساعات تبدأ من طلوع الشمس إلى مجيء الإمام، وتقسم على حسب الوقت بين طلوع الشمس إلى الأذان الثاني خمسة أجزاء، ويكون كل جزء منها هو المقصود بالـ "الساعة" التي في الحديث .
ولكن سنة التبكير إنما هي في حق المأمومين، أما الإمام: فقد كانت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الذهاب إلى الجمعة أن يأتيها بعد اجتماع الناس لها، وعندما يحين وقتها، فيخرج من بيته ويصعد المنبر، ولا يصلي تحية المسجد، ولم يكن من سنته التبكير لها .
قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد":" وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمهل يوم الجمعة حتى يجتمعَ الناسُ، فإذا اجتمعوا، خرج إليهم، فإذا دخل المسجد سلَّم عليهم، فإذا صَعِد المنبر استقبل الناسَ بوجهه وسلَّم عليهم، ثم يجلِس، ويأخذ بلالٌ في الأذان، فإذا فرغ منه، قام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
قال النووي رحمه الله في "المجموع": يستحب للخطيب أن لا يحضر للجمعة إلا بعد دخول الوقت، بحيث يشرع فيها أول وصوله المنبر; لأن هذا هو المنقول عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وإذا وصل المنبر صعده، ولا يصلي تحية المسجد, وتسقط هنا التحية: بسبب الاشتغال بالخطبة، كما تسقط في حق الحاج إذا دخل المسجد الحرام، بسبب الطواف .. "
وقت الجمعة
** اختلف أهل العلم في أول وقت صلاة الجمعة على قولين :
القول الأول: زوال الشمس، كوقت صلاة الظهر، ولا تجوز الجمعة قبله .
وهذا قول جماهير أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية، وعزاه النووي لجمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
بل قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "ولا اختلاف عند أحد لقيته أن لا تصلى الجمعة حتى تزول الشمس"
واستدلوا بحديثين صريحين صحيحين :
1/ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- «أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُصَلِّى الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ» . [رواه البخاري وبوَّب عليه رحمه الله بقوله: "باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس، وكذلك يروى عن عمر وعلي والنعمان بن بشير وعمرو بن حريث رضي الله عنهم"]
2/ عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: «كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ» [مسلم]
القول الثاني: تجوز قبل الزوال، يعني أن بداية وقتها يسبق بداية وقت الظهر.
وهذا قول الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه .
واستدل من ذهب إلى ذلك بهذه الأحاديث :
1/ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: «"كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا" قَالَ حَسَنٌ: فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ: فِي أَيِّ سَاعَةٍ تِلْكَ؟ قَالَ: زَوَالَ الشَّمْسِ» . رواه مسلم
لكنه ليس نصا على أن الصلاة كانت قبل الزوال، ولذلك فقد بوَّب عليها الإمام النووي في صحيح مسلم بقوله: (باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس) وقال: فيه إخبار أن الصلاة والرواح إلى جمالهم كانا حين الزوال لا أن الصلاة قبله.
2/ وعن سهل -رضي الله عنه- قال: « مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ» . [رواه مسلم]
لكن معناه أنهم كانوا يؤخرون القيلولة والغداء في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة; لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها, فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها.
ومما يؤيد هذا ما رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح عن عمر بن أبي سهل بن مالك عن أبيه قال: "كنت أرى طِنْفِسَه [بساط له خمل] لعقيل بن أبي طالب تطرح يوم الجمعة إلى جدار المسجد الغربي, فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم نخرج بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى".
3/ وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: « كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْجُمُعَةَ فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ» [البخاري ومسلم]
لكنه حجة في كونها بعد الزوال; لأنه ليس معناه أنه ليس للحيطان شيء من الفيء, وإنما معناه ليس لها فيء كثير بحيث يستظل به المار .
وأوضح منه الرواية الأخرى: "نتتبع الفيء" فهذا فيه تصريح بوجود الفيء, لكنه قليل, ومعلوم أن حيطانهم قصيرة وبلادهم متوسطة من الشمس, ولا يظهر هناك الفيء بحيث يستظل به إلا بعد الزوال بزمان طويل .
ومن جهة النظر لما كانت الجمعة تمنع من الظهر دون غيرها من الصلوات دل على أن وقتها وقت الظهر، وقد أجمعوا على أن من صلاها في وقت الظهر فقد صلاها في وقتها.
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله":
الأفضل بعد زوال الشمس خروجا من خلاف العلماء؛ لأن أكثر العلماء يقولون لا بد أن تكون صلاة الجمعة بعد الزوال، وهذا هو قول الأكثرين.
وذهب قوم من أهل العلم إلى جوازها قبل الزوال في الساعة السادسة، وفيه أحاديث وآثار تدل على ذلك صحيحة، فإذا صلَّى قبل الزوال بقليل فصلاته صحيحة، ولكن ينبغي ألا تفعل إلا بعد الزوال، عملا بالأحاديث كلها، وخروجا من خلاف العلماء، وتيسيرا على الناس حتى يحضروا جميعا، وحتى تكون الصلاة في وقت واحد. هذا هو الأولى والأحوط"
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار