منكرات أفراح الزواج

سعد بن عبد الله الحميد

الزواجُ مناسبةٌ كريمةٌ لتدعيمِ الصلات، وتقويةِ الروابطِ، وتدعيمِ المحبة

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -

هُناكَ عقباتٌ كثيرةٌ تحولُ دُونَ الزواج، وتُساعِدُ على النفورِ منه، ومنها غلاءُ المُهورِ، ويلحقُ بهِ الإسرافُ والمبالغةُ في تكاليفِ الزواج، بحيث يُعتبرُ مهرًا آخر أو أكثر، فالزواجُ مناسبةٌ كريمةٌ لتدعيمِ الصلات، وتقويةِ الروابطِ، وتدعيمِ المحبة؛ ولهذا تُسنُّ الوليمةُ فيه بما تيسرَ من الطعام.

 

غير أنَّ المُلاحظَ الآن أنَّ أهلَ الزوجِ والزوجةِ يدعُو كلٌّ منهم جمعًا كبيرًا، يحضرُ منهم من حضر، ويتخلفُ من تخلف، وأكثرُ من يحضرُ لا يحضرُ إلاَّ مجاملةً، أو قيامًا بالواجبِ الذي أوجبَ اللهُ عليهِ من الحضورِ إذا دُعي؛ لِما روى مسلمٌ في صحيحهِ: أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا دُعِي أحدكم فليُجبْ، وإن كان صائمًا فليدْعُ، وإن كان مفطرًا فليطعم»، وفي الصحيحين عنهُ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ومن لم يُجب، فقد عصى الله ورسوله».

 

والدعوةُ لهذا العددِ الكثيرِ تَفرضُ على القائمِ على الوليمةِ صُنعَ طعامٍ يكفِيهم وزيادة، فإذا ما انفضَّ الجمعُ، تراكمَ من نِعَمِ اللهِ شيءٌ كثير، مصيرُهُ الرمي في البراري، أو في أماكنِ جَمعِ الفضلات، وهذا جميعُهُ من الإسرافِ الذي نهى عنهُ اللهُ ورسولهُ، وفاعِلُه مُعرِّضٌ نفسَهُ لعدمِ محبةِ اللهِ لهُ؛ كما قال - تعالى -: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141].

 

فهل ترضى - يا عبدَ اللهِ - أن تفعلَ شيئًا لا يُحبُّكَ اللهُ من أجله؟! هل ترضى أن تخرجَ بعملكَ هذا عن طريقِ عِبادِ الرحمنِ، الذين إذا أنفقُوا لم يُسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا؟!

 

إنَّ هذا الإسرافَ خروجٌ عن آدابِ القرآنِ؛ حيثُ يقولُ اللهُ - تعالى -: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29].

 

وكما أنَّ هذا الإسرافَ محظورٌ شرعًا، فهو ممقوتٌ بها عادة، فإنَّ الناسَ يَلُومُونَ من يسرفُ هذا الإسراف، ويَنظُرُون إليه نظرةَ ازدراء؛ لأنَّ هذا لا يفعلُهُ إلاَّ ناقصٌ، يُحَاوِلُ تكملةَ نقصهِ بمثلِ هذه الأعمال، وكما أنَّ هذا الإسرافَ محظورٌ شرعًا، وممقوتٌ عادةً، فهو سفهٌ عقلاً؛ لما فيهِ من إتلافِ المالِ، وإضاعةِ الوقتِ، وشُغلِ البالِ، وإتعابِ الأبدان، وفوقَ هذا كُلِّه فهو كفرٌ لنعمةِ الله، وخروجٌ عن سنةِ رسولِ الله- صلى الله عليه وسلم- فإنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - سَنَّ الوليمةَ في الزواجِ؛ ففي الصحيحينِ حينما رأى على عبدالرحمن بن عوفٍ أثرَ صُفرة، فقال: «ما هذا» ؟، فقال تزوجتُ امرأةً على وزنِ نواةٍ من ذهب، فقال: «باركَ اللهُ لكَ، أولِمْ ولو بشاة».

 

وفي الحديثِ الذي أخرجهُ الإمامُ أحمدُ وغيره، عن بريدة بن الحصيب، قال: لمَّا خطبَ عليٌّ فاطمةَ - رضي الله عنهما - قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّهُ لا بدَّ للعرسِ من وليمة»، فقال سعد: عليَّ كبشٌ، وقال فلان: عليَّ كذا وكذا من الذرة.

 

وفي رواية: جمعَ لهُ رهطٌ من الأنصارِ أصواعًا من ذرة، والوليمةُ تكونُ بالقدرِ المُستطاع، ويسنُّ إعانة المتزوجِ عليها؛ كما فعلَ الصحابةُ مع عليِّ بن أبي طالب، وفي الصحيحينِ في قصةِ زواجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بصفيَّة، يقولُ أنسُ بن مالكٍ - رضي الله عنهُ -: حتى إذا كانَ بالطريقِ جَهزتْها لهُ أم سليم، فأهدَتها لهُ من الليلِ، فأصبحَ النبيُّ- صلى الله عليه وسلم - عروسًا، فقال: «من كانَ عندهُ فضلُ زادٍ، فليأتِنا به»، فجعلَ الرجلُ يجيءُ بفضلِ التمرِ، وفضلِ السويق، حتى جعلوا من ذلكَ سَوادًا حَيْسًا (والحيس هو الطعامُ المُتخذُ من التمرِ والأقط والسمن)، فجعلوا يأكلون من ذلك الحيسِ، ويشربُونَ من حياضٍ إلى جنبهم من ماءِ السماء.

 

قال أنس: فكانت تلكَ وليمة رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم.

 

وإذا دُعي أحدٌ إلى وليمةٍ، فإنَّ عليهِ إجابةَ الدعوةِ، إلاَّ أن يكونَ معذُورًا، أو يكونَ في الوليمةِ معصيةٌ لا يستطيعُ تغييرها؛ فقد أخرجَ البيهقي عن ابن مسعودٍ: أنَّ رجلاً صَنعَ لهُ طعامًا، فدعاهُ، فقال: أفي البيتِ صورة؟ قال: نعم، فأبى أن يدخلَ حتى كَسرَ الصورة، ثُمَّ دخلَ.

 

وأخرجَ الطبراني وغيره، عن سالمِ بن عبدالله بن عمر بن الخطاب قال: أعرستُ في عهدِ أبي، فآذنَ أبي الناس، وكانَ أبو أيوب فيمن آذنَّاه، وقد ستروا بيتي ببجادٍ أخضر، فأقبلَ أبو أيوب فدخل، فرآني قائمًا، واطَّلع فرأى البيتَ مستترًا ببجادٍ أخضر، فقالَ: يا عبدَ الله، أتسترون الجدر؟! فقالَ: من كنت أخشى عليه أن تغلبهُ النساء، فلم أخشَ عليكَ أن يغلبنك، ثُمَّ قال: لا أطعمُ لكم طعامًا، ولا أدخلُ لكم بيتًا، ثم خرج.

 

ويسنُّ في الوليمةِ أن يُدعى إليها الفقراءُ ليطعموا منها؛ ففي الصحيحين عنهُ - صلى الله عليه وسلم - قال: «شرُّ الطعامِ طعامُ الوليمةِ؛ يُدعى إليها الأغنياءُ، ويمنعها الفقراء».

 

وعلى الداعي أن يحرصَ على دعوةِ الصالحينَ من الناسِ دُون سِواهم؛ لقولهِ - صلى الله عليه وسلم - في الحديثِ الحسنِ الذي رواهُ الإمامُ أحمد وغيره: «لا تُصاحب إلاَّ مؤمنًا، ولا يأكل طعامَكَ إلاَّ تقيٌّ».

 

ويسنُّ الدعاء للزوجِ بقوله: باركَ اللهُ لكَ، وباركَ عليكَ، وجمعَ بينكما في خير، وأن يدعو لصاحبِ الوليمةِ بقولهِ: اللهمَّ بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم، أو: اللهمَّ أطعم من أطعمني، واسقِ من سقاني، أو: أكلَ طعامَكُم الأبرارُ، وصلَّت عليكمُ الملائكة، وأفطرَ عندَكُم الصائمون، فجميعُ هذه أدعيةٌ صحيحة وردت عنهُ - صلى الله عليه وسلم.

 

فإنَّ الزواجَ نعمةٌ من نِعَمِ الله، وإذا أحسنَ الإنسانُ به النيةَ، فإنَّهُ يكونُ عبادةً يُؤجَرُ عليها؛ كما جاءَ في الحديثِ الذي رواهُ مسلم أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وفي بُضع أحدكم صدقة»، قالوا: يا رسولَ الله، أيأتي أحدُنا شهوتَهُ ويكونُ لهُ فيها أجر؟! قال: «أرأيتم لو وضعَها في حرام، أكانَ عليهِ وزر؟ فكذلكَ إذا وضعَها في الحلالِ، كانَ لهُ أجر».

 

غيرَ أنَّ نعمةَ الزواجِ هذه قد أُحيطت - وللأسفِ - بمفاسدَ عظيمةٍ، وأساءَ الناسُ إليها إساءةً بالغة، فأُدخلت فيها المُنكراتُ والأخلاقُ، والعاداتُ المستوردة من الغربِ وأشباههم، فمن ذلكَ أنَّ المرأةَ يُسنُّ لها أن تتزينَ لزوجِها بالزينةِ المباحةِ، وبالأخصِ ليلة الزفاف.

 

غيرَ أنَّ الناسَ بالغوا في هذهِ الزينةِ، إلى أن ارتكبوا ما حرَّمَ اللهُ عليهم، فالمرأةُ ليلةَ زِفافِها يزجُّ بها إلى محلِّ التزيينِ، الذي يُسمى عندهم (الكوافير)، حيثُ يجري تزيينها بما فيهِ عُدوانٌ على فطرتِها ممَّا حرمهُ اللهُ عليها.

 

وهذهِ الأماكنُ يجبُ على المرأةِ المسلمةِ البعدُ عنها؛ لأمورٍ عديدة، من أهمِّها: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَهدَّدَ من وضعتْ ثيابَها في غيرِ بيتِ زوجها؛ ففي الحديثِ الصحيحِ الذي رواهُ الإمامُ أحمد وغيره عن عائشةَ - رضي الله عنها – قالت: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيما امرأةٍ وضعت ثيابها في غيرِ بيتِ زوجها، فقد هتكتْ سترَ ما بينها وبينَ الله - عز وجل».

 

وأخرجَهُ أيضًا عن أمِّ سلمة - رضي الله عنها – قالت: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيما امرأةٍ نزعتْ ثيابها في غيرِ بيتها، خرقَ اللهُ - عز وجل - عنها ستره».

 

وأماكنُ الزينةِ هذهِ إن كانَ يعملُ فيها رجالٌ، فالمصيبةُ أعظمُ، والخطرُ فيها أشد، ومع ذلكَ فهي أماكنُ يكثُرُ فيها الفساد، ولا أظنُّهُ يَخفى على أحدٍ ما يُحكى عنها، وليسَ بمستبعدٍ أن يوضعَ فيها جهازٌ لتصويرِ المرأةِ وهي عارية أو شبه عارية، وهي لا تشعرُ؛ بل قد فعلوا ما هُو أشدُّ من ذلك، وحتى لو كانَ المُباشِرُ للعروسِ امرأةً، فإنَّهُ لا يجُوزُ لها أن تطَّلعَ منها على العورةِ المغلظة؛ لقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لا تباشر المرأةُ المرأةَ».

 

كما أنَّ في الذهابِ إلى هذهِ الأماكنِ زيادةً في تكاليفِ الزواجِ ونفقاته، وإهدارًا للمالِ الذي استخلفَ اللهُ - عز وجل - عليهِ ابنَ آدم، وسيُسألُ عنهُ يومَ القيامة، كلُّ هذا مع ما في هذهِ الزينةِ من أشياءَ مُحرمةٍ، سيأتي الكلامُ عنها - بإذنِ الله تعالى.