يخافون من طالبان!
الانسحاب الأمريكي برغم أنه كاملاً، لكنه لا يعني أن واشنطن لن تستخدم قدراتها على توجيه ضربات عن بعد إلى أهداف داخل أفغانستان إذا دعت الحاجة
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
"هدف واشنطن في الوقت الحالي هو إلقاء كل شيء على عاتق الروس"
هذا ما رأته وكالة "سبوتنيك" الروسية في تحليل لها عن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. ورأت الوكالة أن هناك غرضا خفيا للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، حيث يتعمد إيجاد كابوس في تلك المنطقة، لتبدأ مرحلة جديدة خفية من الهجوم الجيوسياسي الأميركي في المنطقة والعالم، وعلى أي حال كما تقول سبوتنيك الروسية فإن روسيا الآن مجبرة أن تبعد انتباهها عن أوروبا وأوكرانيا، وتركز على بؤرة التوتر الجديدة في آسيا.
ولم تكن الوكالة الروسية الشهيرة الوحيدة في تحليلها هذا، فنشرة جيوبولتيك نيوز الكرواتية تؤكد على هذه الحقيقة حيث ذكرت: أن الوجود الأميركي في أفغانستان كان يحدث استقرارا في المنطقة، وكان هذا الأمر مفيدا لروسيا والصين، فالحرب التي كانت تخوضها أمريكا في أفغانستان لم تكن حربهم، والآن انتقل التركيز على الفوضى وعدم الاستقرار إلى آسيا الوسطى، وحدود روسيا والصين.
ولكن ما هي الفوضى المتوقعة والاضطراب المستمر في الجوار الأفغاني والذي تعمدته الولايات المتحدة بانسحابها من أفغانستان في نظر البعض؟
أولا/ باكستان:
ظلت الولايات المتحدة تتهم لفترة طويلة باكستان أنها تقف وراء تمدد طالبان، حتى أن الرؤساء الأمريكان من بوش الابن مرورا بأوباما وانتهاء بترامب اتهموها مباشرة في تصريحات علنية، ومارست الإدارات الأمريكية المتعاقبة ضغوطا شديدة على الجيش الباكستاني، الأمر الذي جعله يخوض حربا ضد الجماعات الإسلامية المسلحة البشتونية والتي كانت سندا لطالبان الأفغانية وظهيرا لها، وباتخاذ أمريكا قرار الانسحاب هدأت هذه الضغوط على باكستان التي سارعت إلى عقد هدنة مع الجماعات المسلحة في منطقة القبائل، والتي أرهقتها الحرب التي شنها الجيش الباكستاني ومعه الطائرات المسيرة الأمريكية.
ولكن مع إتمام الانسحاب الأمريكي وعودة طالبان لحكم كابل، تم فتح السجون الأفغانية وتحرير قيادات الجماعات المسلحة الباكستانية، والتي عادت إلى باكستان لتشن حرب انتقام أو تحرير لباكستان ودمجها مع أفغانستان في امارة إسلامية كما هي أهدافها المعلنة، هنا بدأ تحدي جديد للحكومة والجيش الباكستاني.
سارع رئيس المخابرات الباكستاني إلى كابل لاحتواء الموقف، وخاصة أن هناك على ما يبدو فصيلا في طالبان يريد التحالف مع هذه الجماعات لتحقيق أهدافها، وربما تصفية حسابات مع المخابرات الباكستانية التي يعتقد هذا الفصيل أنها تتعاون وتسلح فصيلا آخر داخل طالبان وهي شبكة حقاني.
ثانيا/ روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى
تاريخ روسيا مع أفغانستان معروف، فقد قاد الاتحاد السوفيتي وفي القلب منه روسيا حملته المشهورة لاحتلال أفغانستان، واسقاط النظام السياسي هناك واحلال محله نظام شيوعي موال للروس، وباءت تلك الحملة بالفشل الذريع بسبب صمود أهل أفغانستان لهذا الغزو وفي نفس الوقت مساندة أمريكا بالسلاح والدعم الإعلامي لأنها كانت تريد اسقاط الاتحاد السوفيتي تلك القوة المنافسة لها على الزعامة العالمية.
وجاء الاحتلال الأمريكي لأفغانستان التي استفادت منه روسيا وتضررت في نفس الوقت:
استفادت منه في انشغال أمريكا في خوضها حربا على طالبان الداعمة وقتها للجماعات الإسلامية المناوئة لروسيا وحليفاتها وحزامها الأمني في المنطقة، أما الضرر الذي لحق بروسيا من الاحتلال الأمريكي فهو ازدياد النفوذ الأمريكي في دول الحزام الأمني المحيط بروسيا وخاصة أوزباكستان، التي انسحبت من منظمة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا في مقابل تعزيز أوزباكستان روابطها الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة، كما نجحت أمريكا في إقامة قاعدة عسكرية في أوزبكستان بين عامي 2001 و2005، ثم انسحبت منها استجابة لطلب طشقند ونقلت قواتها إلى قاعدة ماناس في دولة قيرغيزستان المجاورة والتي أُغلقت أيضا هذه القاعدة رسمياً في 2014، ولكن في المقابل، أغلقت أوزباكستان القاعدة العسكرية الروسية في هذا البلد.
كما تتخوف روسيا بشكل عميق من دعم طالبان بعد سيطرتها على أفغانستان لتنظيمات إسلامية مسلحة، تريد اسقاط حكومات جمهوريات آسيا الوسطى وهم الحزام الأمني الذي يغلف جنوب روسيا، ويحميها من خطر التمدد الإسلامي أو من الجماعات التي تقاتل في القوقاز وخاصة الشيشان وداغستان، والتي سبقت وأن خاضت معهم روسيا حربا مريرة في أواخر التسعينات ومطلع الألفية.
كما يلعب العامل الاقتصادي دورا مهما في النظرة الروسية لأفغانستان، حيث ساعد استقرار الوضع الأمني النسبي للبلد طيلة الاحتلال الأمريكي في ضمان إمدادات النفط والغاز من المنطقة والسيطرة عليها بشكل كامل، علما أن روسيا تسيطر بشكل كامل تقريباً على إمدادات الغاز الطبيعي الضخمة من دولة تركمانستان وتقوم بشرائه بأسعار تفضيلية وإعادة بيعه إلى أوروبا بأسعار السوق.
وبالرغم من أن روسيا قد استقبلت ممثلي حركة طالبان قبل سيطرتها على أفغانستان، وأخذت منهم تعهدات بأن تضمن الحركة عدم السماح بأي نشاط عسكري للحركات الاسلامية المسلحة في محيطها الإقليمي انطلاقاً من أفغانستان، لكن لا يزال القلق من أمرين:
عدم الوثوق في طالبان من أنها في حالة استقرارها في أفغانستان، أن تدعم مستقبليا الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى وفي الداخل الروسي.
أما الأمر الثاني الذي يقلق الروس فيتعلق في حالة خروج الوضع الأمني عن سيطرة طالبان، أن تعم الفوضى والتي من خلالها يمكن أن تستغل الجماعات المسلحة هذه الفوضى، لتعيد انتشارها في المحيط الأمني لروسيا وتزعزع وتقوض استقرار أنظمة المنطقة.
فالانسحاب الأمريكي برغم أنه كاملاً، لكنه لا يعني أن واشنطن لن تستخدم قدراتها على توجيه ضربات عن بعد إلى أهداف داخل أفغانستان إذا دعت الحاجة، وهذا ما أكدته تصريحات القادة العسكريين الأمريكيين، مما يعني لروسيا أن أمريكا لم تنسحب نهائياً من آسيا الوسطى، وستعمل على تعزيز حضورها في المنطقة عبر نقل جزء من معداتها وقواتها إليها، خاصة أن هناك معلومات تتداول في وسائل العالم الغربية، عن تقديم أمريكا طلباً رسمياً إلى أوزبكستان وقيرغيزستان في هذا الشأن.
ثالثا/ الصين
تشترك أفغانستان في حدود مع منطقة شينجيانغ الصينية تمتدّ على 76 كلم في نهاية ممر واخان الضيق، وتضم تلك المقاطعة حوالي 12 مليون من الأويغور المسلمين.
ونتيجة الاضطهاد الصيني للمسلمين فقد كانت أفغانستان بطبيعة الجوار من بين الدول التي استقبلت هؤلاء المضطهدين، ويقول عبد العزيز ناصر المتحدث باسم صندوق الأويغور المقيم في تركيا، إن ما لا يقل عن 100 أسرة من الأويغور تقبع في أفغانستان.
وعلى نفس الطريقة الروسية فإن الانسحاب الأمريكي بالنسبة للصين يتضمن إيجابيات وسلبيات:
فإيجابيات الانسحاب تتمثل في زوال خطر القوة العالمية الأولى عسكريا من حدود الصين.
أما سلبياته فتتمثل في أجندة طالبان الفكرية على المدى البعيد، فالحكومة الصينية تخشى من أن تنتقل عدوى النموذج الطالباني إلى تركستان الشرقية حيث يتواجد الأيغور المسلمين.
ولذلك انتقدت الصين أسلوب الولايات المتحدة في الانسحاب ووصفته بالتصرف غير المسئول والانسحاب المتسرع.
فالتواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان لمدة عشرين عاما فقد حقق للصين استقرارا نسبيا، الأمر الذي سمح للصين باستغلال تلك الحالة ومد مبادرتها الاقتصادية الى هذا البلد.
ومن بين المخاوف الصينية هو امتداد حالة انهيار الوضع الأمني إلى باكستان، وقد تحقق هذا بالفعل، في صورة ثلاث عمليات عسكرية ضد صينيين في باكستان خلال الأشهر الأربعة الماضية شملت تفجير سيارة مفخخة في فندق كان من المقرر أن يقيم فيه السفير الصيني، وانفجار حافلة أسفر عن مقتل تسعة صينيين في الشهر الماضي، والذي وصفته باكستان بالتفجير الانتحاري، إلى جانب حادث إطلاق النار على سيارة أصيب خلاله مهندسَين صينيين اثنين، وقد أعلنت حركة طالبان باكستان المتطرفة مسؤوليتها عن حادث تفجير الفندق.
وفور الجلاء الأمريكي عن أفغانستان حاولت الصين احتواء التداعيات السلبية لهذه الخطوة، فكانت الصين من بين الدول القليلة التي أعلنت أنها لن تغلق سفارتها في كابل، بل صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحفي عقب هذا الانسحاب أن بكين تحترم حق الشعب الأفغاني في تقرير مصيره ومستقبله، وأضافت أن عناصر طالبان عبّروا مرات عدة عن أملهم في تطوير علاقات طيبة مع الصين.
وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة نيويورك بوست الأمريكية إن الصين سعت إلى الحصول على ضمانات من طالبان على أن الأويغور لن يحصلوا على ملاذ في أفغانستان، وذلك مقابل وعود صينية باستثمارات كبيرة في أفغانستان.
وقد تجاوبت طالبان مع التقارب الصيني فصرح المتحدث باسم الحركة سهيل شاهين بوصف الصين بـالجارة العظيمة، ودعاها إلى أن يكون لها دور بنّاء وإيجابي في إعادة إعمار أفغانستان وكذلك في التنمية الاقتصادية، وكرر تعهده أيضا بعدم السماح للحركات الجهادية بتهديد الأراضي الصينية من أفغانستان.
__________________________________________________
الكاتب: حسن الرشيدي