الوعظ والوعاظ !
أحمد قوشتي عبد الرحيم
ويبقى المقصود هو أن إعادة الوعظ لمكانته اللائقة ، وتصدي الأكفاء له ، مسئولية الأمة كلها ، والله المستعان .
- التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -
من الأمور العظيمة التي بخس حقها ، وأسيء تقديرها ، وأسندت لغير أهلها : مسألة الوعظ والموعظة .
فالوعظ والموعظة ، بمعنى التذكير ، والتخويف ، والحث على الخير والتحذير من الشر ، وتليين القلوب ، وتقريبها من ربها ، والترغيب والترهيب : كل ذلك أمر جليل ، وشعيرة أساسية من شعائر هذا الدين .
ويكفي في بيان أهمية الوعظ وفضله أن الله سبحانه قد وعظ عباده فقال تعالى " {يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} " وقال سبحانه " {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} " وقال تعالى " {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } " ووصف الله كتابه بأنه موعظة فقال سبحانه " {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } "
كذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بوعظ العباد ، فقال سبحانه " { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا } " وكان صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم .
لكن للأسف الشديد فقد تدهورت قيمة الوعظ في نفوس كثير من الناس ، حتى صار وصف الكلام أو الأسلوب بالوعظي أشبه بالعيب والتجريح ، ونقيصة يجب الاحتراز منها ، وصار الخطاب الوعظي مقابلا للخطاب العلمي البرهاني - وللفلاسفة القدامى نصيب من وزر إشاعة هذا المفهوم -
كما أن الوعظ – في أحيان كثيرة - صار قرينا للخرافة ، والكلام المكرور المدغدغ للعواطف ، والمعتمد على القصص والحكايات الخرافية ، والأحاديث الضعيفة والموضوعة ، وتدنت قيمة الوعاظ ومكانتهم ، وأضحى حرفة من لا حرفة له ، وصار من الثابت وجود تمايز واضح بين العلماء والفقهاء من جهة ، والوعاظ من جهة أخرى ، وندر من يجمع بين الأمرين .
وبالطبع فإن المسئول عن ذلك أطراف عدة ، ولكل نصيب غير منقوص من الوزر ، كما أن الظاهرة قديمة منذ أن ظهر القصاص والمذكرون في فترة تاريخية مبكرة ، ويبقى المقصود هو أن إعادة الوعظ لمكانته اللائقة ، وتصدي الأكفاء له ، مسئولية الأمة كلها ، والله المستعان .