الأقصى ينادي
ما تزال أمَّتُكم الإسلامية هدفًا للأمم الكافرة، والشعوبِ الباغية، يسعَوْن إلى إبادتها، ويحصدون خيراتِها، وينتهكون مقدساتِها، استعمَلوا كلَّ أساليب الإبادة؛ فمرةً بالإبادة الشاملة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
عبادَ الله:
ما تزال أمَّتُكم الإسلامية هدفًا للأمم الكافرة، والشعوبِ الباغية، يسعَوْن إلى إبادتها، ويحصدون خيراتِها، وينتهكون مقدساتِها، استعمَلوا كلَّ أساليب الإبادة؛ فمرةً بالإبادة الشاملة، ومرة بالحرب الفكرية، ومرة بإثارة الضغائن والأحقاد بين أبناء البلد الواحد، ولم تزل كلُّ ألوان الحرب المعاصرة تُستخدَم ضد المسلمين؛ {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30].
أيها المسلمون:
لقد رُزئتِ الأمة باليهود المعتدين في الأرض المباركة فلسطين، سَلَبَ أولئك الخونةُ من ذلك الشعب المسلمِ أرضَه، وشرَّدوه من مساكنه، واعتدَوْا على مساجده ومقدساته؛ بل وساموه سوءَ العذاب.
لقد تجاوَزَ الاستكبارُ اليهودي حدودَه، وبلغ طغيانُه المدى؛ سفكوا دماء الأطفال الرضَّع، والشيوخِ الركع، والنساء العزل، ولم يكتفِ العدوُّ بذلك، فتجاوز طغيانُه ووصل إلى حرمات المسلمين ومقدساتهم.
لقد سالتْ - عبادَ الله - دماءُ الأقصى تئنُّ قائلة: وا إسلاماه! وا إسلاماه! تطلب الغوثَ والنصرة مما تلاقيه على أيدي اليهود المعتدين
فَالنُّورُ طَالَ غِيَابُـــــــــهُ *** وَاللَّيْلُ مَسْدُولُ الجَنَـــاحْ
وَالقُدْسُ فِي أَسْرِ اليَهُو *** دِ وَهُمْ عَلَــــــى دَنٍّ وَرَاحْ
وَالمَسْجِدُ الأَقْصَى غَدَا *** فِي الأَسْرِ مَغْلُولَ السَّرَاحْ
لِنِدَائِهِ فِي كُلِّ قَــــــــلْ *** بٍ مُؤْمِنٍ وَخْزُ الرِّمَـــــاحْ
أَيْنَ الَّذِينَ يَقُودُهُـــــمْ *** لِلبَذْلِ ذَبْحٌ وَاجْتِيَـــــــــاحْ
عباد الله:
هل نسي المسلمونَ ما للأقصى من مكانةٍ في الإسلام؟! أنَسُوا أن الأقصى هو قِبلة المسلمين الأولى؟! صلَّى إليها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ما يزيد على اثني عشر شهرًا، أنسوا أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجدٍ وُضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده؟! كما في الصحيحين عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله، أيُّ مسجدٍ وُضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام» قلتُ: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى» قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة».
أنسوا أن المسجد الأقصى تُضاعَفُ فيه الصلاةُ، ويعظم الثواب؟! قال - صلى الله عليه وسلم -: «الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة».
إنْ نسي المسلمون تلك المكانةَ الرفيعة لتلك البقعةِ المباركة، فإن المولى - سبحانه - قد تكفَّل بحفظها وإعادتها إلى حياض المسلمين، وسيبقى المسجدُ الأقصى منارةً من منارات الإسلام الشامخة، طال الزمان أو قصر.
أيها المسلمون:
إن أحلام اليهود ومخططاتهم لهدم المسجد الأقصى، وإزالته، وتحويله إلى هيكل - ظهرتْ منذ احتلالهم للقدس عام 1967م، وحينها أصبحتِ القدس الشرقية من ضحايا الهزيمة التي حلَّتْ بالعرب آنذاك، ولقد صرح مؤسس الكيان الصهيوني: أنه لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون انتزاع موقع الهيكل من العرب.
لقد جرَتْ محاولاتٌ سابقة لحرق الأقصى وإزالته في عام 1967م، وعام 1984م، ومنذ حريق الأقصى وعملياتُ الاقتحام من الجماعات اليهودية المتطرفة لم تتوقف بحُجة الصلاة في ساحته، ثم شرعتْ سلطاتُ الاحتلال في أعمال حفريات تحت ساحات المسجد وأساساته؛ بدعوى البحث عن آثار يهودية مقدسة، وهم يهدفون من خلال شقِّ تلك الأنفاقِ، وتفريغ التربة من تحت أساسات المسجد الأقصى، إلى تعريضه للانهيار عند أيِّ عارضٍ طبيعي أو صناعي من الاهتزازات العنيفة، وقد اعترف أحدُ خبراء الآثار عند اليهود في تصريحات صحفية عام 1990م قائلاً: سنقوم بإعادة بناء الهيكل الثالث على أرض المسجد الأقصى، الذي تستطيع إسرائيل تصديعَه باستخدام الوسائل الحديثة.
عباد الله:
لقد تأكَّد من مصادر مطَّلعة - كما يقول حارس الأقصى الشيخ رائد صلاح - أن هناك حفرياتٍ جديدةً تحت الحفريات الأولى، وأن المؤسسة اليهودية باتتْ تقيم لها منشآت تحت المسجد الأقصى المبارك، ومن ذلك إقامتُهم كنيسًا تحت المسجد الأقصى مكونًا من طابقين يؤدُّون فيه طقوسَهم الدينية، ويخططون كذلك لإقامة مدينة يهودية مصغرة تحت الأقصى المبارك.
أيها المسلمون:
إن هذه الحفريات تشكل خطرًا داهمًا على بنيان المسجد الأقصى، وقد كشف تقريرٌ رسمي لليونسكو استخدامَ المؤسسة اليهودية للحوامض الكيماوية خلال الحفريات، مما يعني أن هذه الحوامض التي استُخدمتْ على مدار سنوات باتتْ تتغلغل في أساسات المسجد الأقصى، وعلينا أن ننتبه قبل أن تحلَّ الكارثة.
عباد الله:
في الأيام الماضية شرع إخوانُ القردة والخنازير في هدم طريق باب المغاربة الملاصق للمسجد الأقصى، إضافة إلى غرفتين من غرف المسجد الأقصى، وقبل أن نبيِّن مخاطر هذه الخطوة وأهدافها، دَعُونا نلقي لمحةً يسيرة عن هذا الباب وتاريخه: باب المغاربة أو باب حارة المغاربة، هو واحد من (11) بابًا أقامها العثمانيون في عهد السلطان سليمان القانوني، وهو أحد سبعة أبواب فقط ما زالتْ مفتوحة إلى الآن، سُمي هذا الباب بهذا الاسم؛ لأن القادمين من المغرب يعبُرون منه لزيارة المسجد الأقصى، ولأنه المدخل الذي كان يأوي من خلاله القاطنون بحارة المغاربة إلى ساحة المسجد الأقصى منذ مئات السنين، والكثير منهم يعودون بأصولهم إلى المجاهدين المغاربة الذين ساهموا في تحرير القدس الشريف من قبضة الصليبين المعتدين في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله رحمة واسعة.
لقد ظلَّتْ هذه الحارة تمثِّل رباطًا منيعًا لحماية المسجد الأقصى عمومًا، وحائط البراق خصوصًا؛ ولذا ولَّدتْ هذه الحارةُ بصمودها الرائع أحقادًا دفينة في نفوس الصهاينة، جعلت أول خطوة يقدمون عليها بعد احتلالهم للقدس عام 67م، أنْ هجَّروا أكثر من ألف شخص من حارة المغاربة، وهدموا منازلهم؛ وذلك لخلق مساحة ممتدة أمام حائط البراق، وأُطلق على المكان منذ ذلك الحين اسم حارة اليهود.
عباد الله:
قبل سنتين من الآن انهار جزء من طريق باب المغاربة؛ بسبب تواصل الحفريات الإسرائيلية في المنطقة، وادَّعى اليهود حينها أن الهدم جاء نتيجة تساقط الثلوج والأمطار الغزيرة، ومنعتْ مؤسسةُ الآثار لدى اليهود دائرةَ الأوقاف الإسلامية من ترميم الطريق، وبنتْ جسرًا خشبيًّا مؤقتًا بدلاً من طريق باب المغاربة، واليوم يسعى أبناء يهود إلى بناء جسر علوي دائم، وإزالة طريق باب المغاربة.
أيها المسلمون:
إن خطورة هذه الخطوة تكمن في أن هدم الغرفتين من شأنه أن يكشف مباشرةً عن مسجد البراق الواقع داخل المسجد الأقصى غربًا، وعندما تقوم المؤسسة الإسرائيلية ببناء جسرٍ جديد في المنطقة، سيؤدِّي هذا إلى هدم مساحة كبيرة من الآثار الإسلامية التاريخية في الموقع، فضلاً عن أن المسجد الأقصى سيصبح مكشوفًا للإرهابيين الصهاينة لاقتحام المسجد الأقصى المبارك في أي وقت، وقد صرَّح أحد الذين ينفذون جريمة الهدم بأنه سيتم تحويل مسجد البراق إلى كنيسة بعد هدم الغرفتين، وذلك يتزامن مع بناء كنيسة أخرى على بعد (50) مترًا عن المسجد الأقصى، في إطار التهديد الذي ينفذ بإحكام وإصرار.
عباد الله:
إن عملياتِ الحفر وصلتْ إلى مرحلة مدمِّرة وخطيرة للغاية؛ لأنها وصلتْ إلى عمق المسجد الأقصى، وتحديدًا تحت المنطقة المسماة "الكأس" الواقعة بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، علمًا بأن اليهود يستخدمون في هذه الحفريات عمَّالاً أجانبَ لا يجيدون اللغات الأجنبية، ويعيشون في تجمعات منطوية على ذاتها؛ وذلك يضمن لليهود إحكامَ التكتم على ما يجري تحت المسجد الأقصى وفي محيطه.
أيها المسلمون:
في الوقت الذي تنشغل فيه فئامٌ من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بالاحتفالات بالأعياد الباطلة والملهيات، يقف إخوان لكم من أبناء فلسطين بالمرصاد أمام اليهود وأحلامهم، فهم لليوم العاشر على التوالي يرابطون ويحتشدون أمام أعمال الهدم والحفريات في طريق باب المغاربة بالمسجد الأقصى المبارك، وذلك وسط إجراءات أمنية مشدَّدة اتَّخذتْها الشرطة الإسرائيلية لمواجهة المعتصمين، وهذا الفعل من إخواننا هناك هو أقصى ما يمكن أن يقدَّم من أمثالهم، حين غابتْ جيوش المسلمين عن الوغى وساحات الجهاد.
يَا قُدْسَنَا المَحْبُوبَ عُذْرًا إِنَّنَـــا *** تُهْنَا عَلَى دَرْبِ الخِلاَفِ كَمَا تَـرَى
وَقَفَتْ سُدُودُ الخَائِنِينَ أَمَامَنَـا *** فَاعْذِرْ فَإِنَّ الشَّهْمَ مَنْ قَدْ أَعْـذَرَا
مَهْمَا تَعَدَّدَتِ المَشَارِبُ حَوْلَنَــا *** مَهْمَا تَطَاوَلَ ظَالِمٌ وَتَجَـبَّــــــــرَا
فَلَسَوْفَ تَبْقَى أُمَّتِي مَنْصُورَةً *** تَرْنُو بِعَيْنَيْهَا إِلَى أُمِّ الـقُــــــــــرَى
أَوَلَمْ يُبَشِّرْهَا الرَّسُولُ بِأَنَّهَــــا *** سَتَظَلُّ أَقْوَى فِي الوُجُودِ وَأَقْدَرَا
سَتَظَلُّ طَائِفَةٌ عَلَى إِيمَانِهَــــا *** مَنْصُورَةً تَبْنِي الكِيَانَ الأَكْبَــــــرَا
عباد الله:
إن هذه الأحداث قدَرٌ مكتوب على هذه الأمة؛ لتنهض من كبوتها، وتَعِيَ رسالتها، وترص صفوفها تحت راية واحدة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
أيها المسلمون:
إن المستقبل لهذا الدينِ بلا منازع، لكنه لا يتحقق بالمعجزات السحرية؛ وإنما بالعمل والبذْل لله من منطلقات صحيحة على منهج أهل السنة والجماعة، وإن محنة فلسطين ليست هي الأولى ولا الأخيرةَ؛ فقد تعرَّضتْ هذه الأمةُ لمحنٍ كثيرة وقاسية، ومع ذلك لم تستسلم للجراح ولم تَيْئَسْ، وظلَّتْ تكافح وتجاهد، حتى نصرها الله على أعدائها.
عباد الله:
أغيثوا إخوانَكم جنود الأقصى الصابرين، أغيثوهم بالمال وبما تَجُودُ به أنفسُكم، واعلموا أن إخوانكم هناك في الحركة الإسلامية، وفي مؤسسة الأقصى في الداخل الفلسطيني يقفون بالمرصاد أمام الأعداء ومخططاتهم، فقدِّموا لهم ما يعينهم على إكمال مسيرتهم المباركة.
واعلموا - عباد الله - أن من أبرز صور النصرة في هذا الموضوع خاصة أن نبيِّن لأبنائنا وإخواننا حقيقةَ المسجد الأقصى وحدوده؛ لكي لا نقعَ فيما يريده منا اليهود، وهو اعتقاد أن مسجد قبة الصخرة هو المسجد الأقصى فقط؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: المسجد الأقصى اسمٌ لجميع المسجد الذي بناه سليمان - عليه السلام - وهو اسم لجميع ما دار عليه السور، ويشتمل على المسجد الذي في صدره وقبة الصخرة ا.هـ.
أيها المسلمون:
إنْ عجزْنا عن النصرة الحقيقة، فلا نعجِز عن النصرة بالدعاء واللجوء إلى الله أن ينصر إخواننا في كل مكان، وأن يقهر عدوهم.
ثم صلُّوا - رحمكم الله - على نبي الرحمة محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم.
______________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد الفقيهي