حروب الشيعة... إيران وأذربيجان أنموذجا
يجيء الهدف الاستراتيجي الثاني لإيران والذي يتمثل في ثروة أذربيجان الهائلة من النفط باعتباره المورد الأساسي للطاقة في العالم، والاستحواذ عليه أداة من أدوات السيطرة والنفوذ في العالم.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
"لماذا يتم ذلك بعد أن حررنا هذه الأراضي عقب ثلاثين عاما من الاحتلال؟"
هذا كان تساؤلا استنكاريا لرئيس أذربيجان إلهام علييف، أطلقه في تصريح ردا على المناورات الإيرانية قرب حدود بلاده، وأضاف: يمكن لكل دولة إجراء أي مناورات عسكرية على أراضيها. هذا هو حقها السيادي. لكن لماذا الآن ولماذا على حدودنا؟
وفي الأيام الأخيرة تصاعدت الاتهامات المتبادلة بين إيران وأذربيجان، اللذان يشتركان في حدود طويلة تبلغ حوالي 700 كيلومتر.
ففي يوم الجمعة قبل الماضي أطلق الجيش الإيراني مناورات عسكرية كبيرة قرب حدود أذربيجان، على خلفية تصاعد التوترات بين الجارتين، وفي مستهل المناورات برر قائد القوة البرية في الجيش الإيراني العميد كيومرث حيدري إقامة هذه المناورات، من أن عناصر في تنظيم داعش جلبوا إلى منطقة نزاع قره باغ لمساعدة أذربيجان خلال الجولة الأخيرة من الصراع بين الجانبين الأذربيجاني والأرمني هناك، لافتا إلى أن طهران ليست متأكدة من خروج هؤلاء من المنطقة.
مضيفا: لن نكون من يبدأ الحرب، لكن لن نتحمل تواجد عناصر مشبوهة عند حدودنا، مع العلم أن منطقة الحدود تلك لم تشهد قيام طهران بأية مناورات عسكرية مُطلقا، عندما كانت هذه الحدود تحت السيطرة الأرمينية خلال العقود الثلاثة الماضية، وربما كانت المناورات الإيرانية ردا على التدريبات المشتركة التي نفذتها تركيا وباكستان وأذربيجان في باكو الشهر الماضي.
وردت أذربيجان على المناورات الإيرانية بمناورات واسعة مشتركة مع تركيا استمرت أربعة أيام في في إقليم نختشيفان قرب الحدود مع إيران.
وفرضت حكومة أذربيجان تعريفات مشددة على الشاحنات التي تنقل الوقود الإيراني إلى مدينة ستيبانكيرت عاصمة اقليم قره باغ الذي استردته أذربيجان مؤخرا.
وتبقى الأسئلة الخطرة، لماذا هذا التصعيد المفاجئ بين البلدين؟ وهل سيصل التوتر بين البلدين إلى الحرب الفعلية؟ أم أن الأمر لا يتعدى ممارسة استراتيجية حافة الهاوية بين البلدين؟
وهناك سؤال آخر هام وهو، ما دور البعد الطائفي في هذا النزاع وخاصة ان البلدين يشكل فيهما الشيعة النسبة الأكبر؟ هل سنشهد فصلا مختلفا من حرب شيعية شيعية؟
للإجابة على هذه الأسئلة يجب علينا الاطلال على نبذة تاريخية وجغرافية عن أذربيجان، لإدراك جذور الصراع وأبعاد الصراع الجيوستراتيجي بينهما والقوى المساندة لكل منهما.
أذربيجان بين الديموغرافيا والجغرافيا والتاريخ:
يشكل المسلمون حوالي ما يقرب من 96% من السكان، فيما تتوزع النسبة الباقية (4%) على ديانات أخرى كالمسيحية واليهودية والزرادشتية؛ تتراوح نسبة الشيعة من 60 إلى 70% بينما يمثل السنة حوالي من 30 إلى 40% من مسلمي أذربيجان.
تشغل أذربيجان كتلة من اليابسة كبيرة الاتساع، تبلغ مساحتها 86.6 ألف كيلو متر مربع أي أقل من 1٪ من مساحة الاتحاد السوفياتي السابق، وهي تقع في الجزء الشرقي لمنطقة ما وراء جبال القوقاز ولذلك جرى تصنيفها أنها من جمهوريات القوقاز، وتَحُدُّ أذربيجان من الشمال داغستان، ومن الشمال الغربي جورجيا، ومن الجنوب الغربي أرمينيا، ومن الجنوب إيران، وحدودها معها 611 كيلو متر، وكذلك تركيا بحدود 8 كيلو متر، كما يحدها من الشرق سواحل بحر الخرز بطول يقدر بـ 825 كيلو متر. وعاصمتها باكو ويبلغ تعداد سكانها 6.303.000 نسمة.
والذي يجعل جغرافية أذربيجان منطقة مهمة ومحط صراعات إقليمية ودولية عدة أمور:
أولا/ أن هذه الدولة تقع عند مفترق طرق أوروبا وغرب آسيا، وذلك لأن جبال القوقاز تمتد من شمال غربي إلى شمال شرقي أذربيجان، بينما تمتد جبال القوقاز الصغرى من الجنوب الغربي، إلى الجنوب الشرقي، ولذلك تعتبر المساحة الواقعة شمالي جبال القوقاز جزءًا من أوروبا، أما المنطقة الواقعة جنوبي السلاسل الجبلية فتتبع قارة آسيا.
ثانيا/ اقليم ناخيتشيفان وهو منفصل جغرافياً عن باقي أذربيجان والتي تم فصله عن بقية أذربيجان بقطاع من الأراضي الأرمنية، ويتطلب الوصول إليه المرور إما عبر أذربيجان الغربية التي هي محافظة إيرانية أو عبر أرمينيا، ويتيح اقليم ناخيتشيفان لأذربيجان الاتصال الجغرافي مع تركيا عبر نافذة عرضها 8 كيلومترات فقط.
وهناك أيضا منطقة ناغورنو كاراباخ المتمتعة بالحكم الذاتي، بالكامل داخل أذربيجان، حيث جرت عدة حروب بين أذربيجان وأرمينيا على وضع ناغورنو كاراباخ.
ثالثا/ تعتبر أذربيجان من أقدم أماكن صناعة النفط، ويرتبط تاريخها بثرواتها من النفط، حيث تم حفر أول بئر فيها في منتصف القرن التاسع عشر تقريبا، ومنذ أربع سنوات احتفلت أذربيجان بوصول الانتاج النفطي في البلاد إلى ملياري طن، وهذا يجعلها محط أطماع الدول سواء الفقيرة في موارد الطاقة، أو التي تريد الصعود دوليا بالهيمنة على مصادر الطاقة عالميا.
تاريخيا: أذربيجان كانت مهد الديانة الزرادشتية الديانة القومية للإمبراطوريات الفارسية قبل الإسلام، حيث حكمها الفرس من سلالة الساسانيين من القرن الثالث الميلادي حتى السابع الميلادي، ثم كان الفتح الإسلامي حيث نشر العرب المسلمون الإسلام في المنطقة، ولكن بعد الإسلام حدث تحول عرقي، إذ تدفقت القبائل التركية على أذربيجان حيث اختلطت القبائل التركية مع السكان الأصليين، في عملية تتريك تدريجية مشابهة لما حدث في الأناضول، وأصبح الأذربيجانيون إحدى القوميات التركية يتحدثون لغة قريبة للتركية.
في أوائل القرن السادس عشر الميلادي خضعت أذربيجان لسيطرة الإمبراطورية الصفوية، التي حكمت إيران، ثم انتقلت السيادة على أذربيجان من الصفويين إلى الأتراك العثمانيين في أواخر القرن السادس عشر الميلادي، ولكنهم لم يحتفظوا بهذه السيادة في القرن السابع عشر الميلادي.
في عام 1828 أي في القرن التاسع عشر وبمقتضى معاهدة تركمانجاي بين روسيا والدولة القاجارية (إيران) جرى تقسيم، فأصبحت أراضي أذربيجان الحالية جزءاً من الإمبراطورية الروسية بينما أصبح جنوب أذربيجان جزءاً من الدولة القاجارية.
بعد زوال حكم العثمانيين وحكم الصفويين بدأ التشيع ينتشر في أذربيجان في عهد مؤسس الدولة الصفوية الشاه اسماعيل وعهد خليفته طهماسب، وتم فرض التشيع بالقوة في شيروان حيث تعرض الكثير من أهل السنة لمذبحة ونتيجة لذلك تحول سكان أذربيجان قسرا إلى المذهب الشيعي في بداية القرن الـ 16.
ولكن بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي في عام 1991، نجح الدعاة الشيشانيون والداغستانيون في عودة وظهور أهل السنة مرة أخرى في أذربيجان، ولكن سيطرت التوجهات العلمانية على الدولة الآذرية نتيجة الارث السابق للاتحاد السوفيتي والتغلغل الغربي المتزايد فيها.
من هذا الاستعراض للجغرافيا والتاريخ يتبين لنا أسباب الأزمة بين إيران وأذربيجان.
تتبلور الأهداف الاستراتيجية الإيرانية تجاه أذربيجان في أربعة أهداف:
الأول نظرة إيران إلى أذربيجان باعتبارها جزء منها اقتطعته روسيا، كما أن وجود غالبية شيعية بصرف النظر عن نسبتها فهذا يجعل إيران تنظر لسكانها كأتباع وكحامية لهم، خاصة بعد أن تبنت إيران نشر المذهب الشيعي بعد استيلاء الخميني على الحكم فيها.
ثم يجيء الهدف الاستراتيجي الثاني لإيران والذي يتمثل في ثروة أذربيجان الهائلة من النفط باعتباره المورد الأساسي للطاقة في العالم، والاستحواذ عليه أداة من أدوات السيطرة والنفوذ في العالم.
أما الهدف الاستراتيجي الثالث لإيران من كون أذربيجان متنفسا لأي حصار غربي يتم فرضه على إيران لتعديل سلوكها وتحجيم نفوذها.
وأخيرا فإن تطور أذربيجان وازدياد قوتها سيدفع بجزء أذربيجان الذي تستولى عليه إيران وتحكمه بالحديد والنار، إلى المطالبة بالانفصال والانضمام إلى إخوانهم في أذربيجان.
لذلك تمحورت الاستراتيجية الإيرانية تجاه أذربيجان إلى الحد من القوة الآذرية بمساندة عدوتها التقليدية وهي أرمينيا، وإيران بذلك الدعم اللامحدود لأرمينيا تبقي على ضعف جمهورية أذربيجان سواء في الطاقة أو الرغبة بالتحالف مع إخوانهم في المناطق التي تحتلها إيران.
ولكن دخول الحليف التركي قلب التوازنات والمعادلات في المنطقة.
فمع صعود حزب العدالة والتنمية التركي إلى سدة الحكم في تركيا الذي أصبح حلمه ظاهرا للعيان، ويتمثل في الرغبة للصعود عالميا مرة أخرى واحياء أمجاد الدولة العثمانية مرة أخرى.
هذا الصعود قائم على أمرين: احياء أو استئناف دور الإسلام في الحياة، ثم العنصر التركي أو ما يعرف بمزيج من الإسلامية والقومية.
هذا الصعود يتبعه جهد تركي حثيث لتوحيد ما يعرف باسم العالم التركي، الذي يمتد من تركيا غربا وحتى الصين شرقا، وأبرز تجلياته مجلس الدول الناطقة باللغة التركية وهي جمهوريات تركمانستان وأوزباكستان وطاجيكستان وأذربيجان.
ولكن كان الذي يحول دون تواصل تركيا جغرافيا مع الجمهوريات الإسلامية ذات الأصول التركية، هو وجود الدولة الأرمينية ثم إيران.
لذلك جاءت المساندة التركية لأذربيجان في الحرب الأخيرة بينها وبين أرمينيا التي ساندتها إيران، والتي أسفرت عن اتفاق ثلاثي بين أذربيجان وأرمينيا وروسيا، كانت أهم بنوده إعادة فتح الطريق إلى إقليم ناخيتشيفان الأذري، الذي كانت تفصله أراضٍ أرمينية بالقرب من الحدود مع كل من تركيا وإيران.
وهذا يفتح الطريق لتحولات كبرى في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
___________________________________________________________
الكاتب: حسن الرشيدي