إلى أين وصلنا في الغرب؟
لا ينبغي أن نيْئس من نظرة الغرْب إليْنا على أنَّنا ضعفاء فقراء، وكل جزء منَّا ينفصل عن الآخَر، فلدينا رصيد حضاري يسمح بأن نبرِز ذاتنا ونُحافظ على هيْبتِنا، ومصادر قوَّتنا وعزَّتنا وتمكُّننا التنموي والحضاري.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
إنه سؤال العصر الذي ينبغي أن نضع له الإجابة الحاسمة؛ كي لا نغفل عن مقدار القرب والبعد من الغرب، أو ننسى أنَّ لنا مهمَّة دعويَّة خارج أرضِنا، فالرّسالة الحضاريَّة لأمَّتنا تتميَّز بالبقاء الزماني والمكاني، والفاعليَّة والتَّأثير إلى أن يرِثَ الله الأرض ومَن عليها، ولن نبني أمجادَنا الحضاريَّة المنشودة من غير أن يكون الوجود الإسلامي في الشَّرق والغرب بصحَّة وعافية.
لقد جاءت دعوة الإسلام إنسانيَّة عالمية هادية، لا تخاطب قومًا بذاتِهم ولا أمَّة بجنسها، فعندما نُحاور أمَّة من الأمم أو قومًا من الأقوام فإنَّما نُحاوِرُهم لنوصّل رسالتَنا لهم، ونشرح لهم الإسلام، ونخْلق روحًا علميَّة تُساهم في النهوض البشري، والنَّماء الإنساني.
لقد استمرَّت مسيرة الدَّعوة إلى الإسلام والإعلام به قرونًا طويلة من الزَّمن فأثْرت الحضارة الإنسانية، وقد كان صحابة رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - دعاةً صادقين لهذا الدّين فبلَّغوه، ونشروه، ودافَعوا عنْه دفاعًا لا ينكره التَّاريخ.
إنَّ الله - سبحانه وتعالى - وعَد أمَّة الإسلام باتِّساع مساحتها وازدِياد قوَّتها، وعلوّ الحقّ الذي تحمله؛ قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
ففي عهد النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - دخل النَّاس في دين الله أفواجًا كما دخل كثيرٌ من ملوك الطَّوائف ورؤسائِهم، حتَّى إنَّه أسلم كثيرٌ من رؤساء الأدْيان الأخرى، حيث دعاهم النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى الإسْلام فاقتنعوا به وأسلموا.
ولم يخْلُ عصرٌ من العصور التي تَلَت عصر الصَّحابة - رِضْوان الله عليْهِم - من الإقبال على الإسلام، فالإسلام له تاريخٌ طويل، وحضارة ممتدَّة في أنحاء العالم.
وقد كانت الفتوحات الإسلامية تهدف إلى إقناع الشُّعوب المفتوحة بالإسلام ليؤمنوا به، وقد استمرَّ تفاعُله الحضاري مع العالم لقرون طويلة.
بل إنَّ مَن يدخل هذا الدين ويعتنقه يدْعو إليه ويدافع عنْه، فالإسلام يعتبر الدّين الأوْسع انتِشارًا في العالم.
إنَّ رسالتَنَا الَّتي أوْجَدَنا الله من أجْلِها هي استِنْقاذُ الإنسانيَّة، وليس هذا بمطلبٍ صعْب ولا بعقْدة جامدة، فما أنزل الله من داءٍ إلاَّ أنزل له دواء، ولكي نؤكد صدق رغبتنا ينبغي أن نبذل الجهود والتضحيات، ونهيئ الأجواء لنشر الوعي الإسلامي الصحيح في العالم كلْه - شرقًا وغربًا - فمن طبيعة الإسلام أنَّه دين لا يتقوقَع، أو يتراجع، أو يتجمَّد في مكان؛ لأنَّه النور الذي ينبغي أن يستضيء به كلُّ إنسان ليسعد في الدنيا والآخِرة؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [الفتح: 28].
إنَّ من أبْرز دواعي السُّرور والاستِبْشار أن يتقدَّم سَير الدعوة إلى الله في الغرْب، ويُقبل الغربيُّون على اعتِناق هذا الدين على اختِلاف طوائفهم وثقافاتِهم ودياناتهم، وحين رأَت بعض الحكومات الغربيَّة هذا التطوُّر المذهل في اتِّساع الإسلام وزيادة الإقبال عليه، اضطرَّت إلى الاعتِراف القانوني بالمسلمين، وطالبتْ بعض الأصوات المعتدِلة في هذه المجتمعات بضرورة احتِرام المسلمين وعدم التَّطاوُل عليْهِم وعلى دينهم.
وهذا يؤكِّد على أنَّه مهْما انتشرت المواقف السلبيَّة والشّعارات المعادية للإسلام والمسلمين، فإنَّ نور الإسلام سوف يمتدُّ وينقل عقيدته التي تحتوى في حقيقتِها كلَّ الخصائص الإيمانيَّة والإبداعيَّة إلى النَّاس أجمعين، ويزداد الإقبال عليْه يومًا بعد يوم، وتزْداد سرعة انتِشارِه في كافَّة أنْحاء الأرْض، ومع انتِشاره تنتشِر العلوم والمعارف الإسلاميَّة.
لقد ساهم المسلِمون في بناء الحياة الغربيَّة، ولا يزال هذا الإسْهام يعمل بكفاءة فكريَّة وحضاريَّة حتَّى الآن، وهذا يتطلَّب منَّا أن نفتح للمسلِمين في الغرب آفاقًا جديدة كي لا يتوقَّف دوْرُهم وتضعف رسالتهم؛ ولذلك فإنَّني أتساءَل:
هل تمكَّنت مؤسَّساتنا الإسلاميَّة في الغرب من إيجاد وتوفير الحلول الملائِمة لمشكلات الواقع الإسلامي في هذه المجتمعات؟
هناك مراكز إشعاع ثقافيَّة وحضاريَّة واسعة، يُمكن أن تساهم في تثبيت دعائم الوجود الإسلامي والتَّعريف بالإسلام، فهل تؤكّد حكوماتُنا رغبتَها الجادَّة في قيامها بمسؤوليَّاتها فتُساند هذه المراكز، وتمدّ يدَ العون كلَّما احتاج المسلمون لبناء مرْكز إسلامي؛ كي تنشط رسالة المسلِمين في هذه البلاد؟
هل وصلنا بأحوال شبابِنا في الغرْب لمستوى التَّغْيير المطلوب؟ وماذا صنعْنا لتوْعية الأسرة المسلمة في الغرْب؟ وإن وجد هذا الدَّعم التربوي والحضاري فمتَى نضاعفه ونقوِّيَه ليؤتي أكُلَه كلَّ حين ويعمل لإسعاد المسلمين هناك؟
إلى أين وصلنا في الغرْب والأمَّة الإسلامية تتحمَّل مسؤوليَّة تبليغ الإسلام للدنيا كلّها؟ وهل أثبتْنا غيرتنا على هذا الدّين وهيَّأنا أرضيَّة واسعة لنشْرِه في هذا العالم؟
وهل نملك الآن مرتكزات إعلاميَّة قويَّة ومؤثِّرة، فنتقدَّم بعطائنا الربَّاني بأحسن الأساليب وأوضح المسالك؟
إذا كان العالم الغرْبي يقرأ جيِّدًا، فماذا قدَّمنا له من ثقافة تقرِّبُه من روح الإسلام؟
وهل نستطيعُ القيام بتنسيقٍ ثقافيّ وإعْلامي لحوار ناجحٍ مع الغرْب؟ وهل نملك الانطِلاق الآن من موقف قوَّة مؤهَّلة لمخاطبة الغرب بفاعليَّة إيجابية، وتخطيط عاقِل وحركة أخلاقيَّة تنقاد إليْها العقول والقلوب؟
هل ملامح الصُّورة القائمة تُشيرُ إلى تقدُّمٍ في العلاقات، ونبوغٍ وعبقريَّة في انفِتاحِنا على هذا العالم؟
كيف نَنزع من عقول الغرْب وأذهانِهم إدانةَ الإسلام بسبب فقْر أتْباعه وتخلُّفهم عن ركْب الحضارة، ونقنعهم أنَّ السَّعادة الإنسانيَّة لا تأتي إلاَّ من الإسلام؟
هل أزْمتنا مع الغرب في شخصيَّتنا، أم في أساليبِنا وقدراتنا، أم في الغرْب نفسه وأساليبه؟
لو تعلَّق الأمر بشخصيَّتنا، فأبشِروا يا من تريدون الخير لهذا العالم، فلحظة تغْيير صادقة ولحْظة دعْوة إلى الله صادقة يُمكن أن تفتح لكُم الطَّريقَ للكون كلّه.
وعندما يشار إلى أنَّ السَّبب في الغرب واستِكْباره، فإنَّ الحقَّ لا يُعْجِزه شيء في الأرْض ولا في السَّماء.
إنَّ سوءَ الفهْم بيْننا وبين الغرْب لا يزال مستمرًّا؛ فسوءُ الفهْم يزيد مساحة الصِّدام، وذلك حينما ينظر الغرْب إلى الإسلام على أنَّه عدوٌّ يجب محاربتُه، وتشويه سمْعتِه، وصدُّ العالم عن قبول دعوته.
فقد وصلت الإساءة إلى الإسلام ونبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى حدِّ الكارثة أو الأزْمة الكبيرة، وفي كلِّ مرَّة يسيء الغرْب فيها إلى الإسلام ونبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحدُث ردَّة فعل عنيفة في انطِلاقها، وغضبها وغيرتِها على الإسلام ونبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتشتدُّ استِنكاراتُنا دعويًّا وإعلاميًّا، في كلِّ أنحاء العالم الإسلامي، ثمَّ لا تلبث أن تهدأَ هذه الاستِنكارات بعد مضيِّ فترة قصيرة من الإساءة، والأجدر بهذه الاستِنكارات أن تتحوَّل إلى موقف، وخطَّة، وانطلاقة منظَّمة تعزِّز مكانة الأمَّة ونبيّها - صلَّى الله عليه وسلَّم.
لا ينكر عاقل أنَّ المصالح المتبادلة بين الشّعوب والحضارات لا تتوقَّف ما دامت عجلة الزَّمن تدور للأمام، كما لا يُنكر هذا العاقل أنَّ معظم تجارِبِنا مع غيرنا حقَّقتْ ثِمارًا طيِّبة - والحمْد لله الَّذي بنعمتِه تتمّ الصَّالِحات - وقد آن الأوان لعلاقات واسعة وممتدَّة بين العالَم الإسلامي والغرْب، تُمكِّنُنا من نشر القيم الإسلامية بدلاً من أن نكون مجرَّد أداة للانتِخابات.
إنَّه لا خوف على مستقبل الإسلام في عالم الغرْب، بشرط ألاّ ينعزل خطابُنا الدَّعوي عن واقع الحياة وتطوّراتها، وتقلُّباتها، وأن يحول المسلمون رسالتَهم إلى واقع اجتماعي ودولي؛ ليكونوا خير مثال لما جاء به الإسلام.
وحيثُ إنَّه ما زال بيْننا وبين الغرْب كثيرٌ من مظاهر الشَّكِّ والرِّيبة والظَّنّ السيِّئ، الَّذي يعمق العداء بين الطرفين، فإنَّ الخطوة الأولى هي إصْلاح بيتِنا من الدَّاخل وترْتيب أولويَّاتنا الحضاريَّة، فنحترِم شخصيَّتنا ونتعالى على الانقِسامات الحادَّة، وننطلِق من خلال جهود متكامِلة.
إنَّ المسلمين في الغرْب لا يمكن أن ينعزلوا عن المجتمَع الَّذي يعيشون فيه؛ لأنَّهم بذلك يعرِّضون أنفُسَهم لمشكلات معقَّدة يمكن أن تُهدِّد وجودَهم الإنسانيَّ والحضاري، وتقلِّل فاعليَّتهم في جوانب الحياة التي يعيشونها.
إنَّ مشكلاتِنا تنعكس عليْنا أوَّلاً، فلا بدَّ من سدّ مواطن الخلل في نفوسنا وأعمالنا، بأن نربِّي أنفُسَنا على صدق الأقوال والأفعال، فالكثير من عاداتنا وتقاليدنا لا علاقة لها بالإسلام.
هناك عوائق كثيرة أمام توحُّد جهودنا وتكامُلها لصناعة القدوة الحسنة، ومازلنا نتعثَّر، ومازالت خلافاتنا واسعةَ الأبواب، وهذا يعطِّل توظيفَنا لإقبال الغربيِّين على الإسلام.
ومن خلال الحِكْمة والوسطيَّة يتجدَّد عطاء أمَّتنا وتتفاعل خبراتنا المعرفيَّة والدعويَّة، فنعمل لآخرَتِنا كما نعمل لدُنيانا، وتنشط طاقاتنا الإبداعيَّة، فنسعى للدَّعوة والعمل والإصْلاح الذي يقوي رسالتنا.
إنَّ الحوارَ والتَّفاعُل والتَّواصُل سنَّة كونيَّة، ولن تتوقَّف مسيرة الحوار مع الغرْب، والانطلاق نحوه، مادام التَّاريخ الإنساني سائرًا في طريقه، وينبغي أن ندعم مسيرة الحوار بطرُق أكثر تفاعُلاً وتأثيرًا، لنجتهد في تبليغ رسالة السَّماء.
إنَّ إحساسنا بأمانة التَّبليغ ينبغي أن يكونَ إحساسًا دائمًا ليتغلَّب الخير وينحسِر الشَّر، فكلّ خطوة نحو إشاعة الخير ودعْوة النَّاس إليْه تمثِّل دلالة أمل، وبشارة تقدُّم ونجاح، فالإسلام فيه الحلّ لكل الأزمات العالميَّة؛ لكنَّه يحتاج منَّا إلى تهْيئة الأجواء، وحمْله والدَّعوة إليْه على هدى وبصيرة.
وممَّا يُعين على ذلك: ازدِياد عدد القنوات الإسلاميَّة، وانتِشار الإعلام الإسلامي، وانفِتاح العلاقات بين الشَّرق والغرْب، وانتِشار المواقع الإسلاميَّة على الشَّبكة العنكبوتيَّة التي تجذب كثيرًا من غير المسلمين نحو الإسلام.
ولا يقلقُنا أنَّنا لا نجد استجابة من الغرْب للحوارات القائمة، فالعلاقة يمكن أن تتغيَّر للأفضل، وفهم الإسلام يُمكن أن يتوفَّر باعتبار طبيعتِه الوسطيَّة التي تملك طرق الإقناع والتأثير، وقد يكون من المفيد الآن تقْديم المنهج التربوي الإسلامي إلى الغرْب لشدَّة حاجته إليْه كنظام شمولي، يحقق العدالة الاجتماعيَّة، ويوسع نطاق الحريَّة الإنسانيَّة وبناء الإنسان الأخلاقي.
إنَّ الحلم الدَّائم للغرب هو استِمْرار سيْطرتِه وهيمنته، فهو ما زال يحمل أفكارًا استعماريَّة قديمة، ولا تزيده ثورة المعلومات إلاَّ استكبارًا، لكن هذا لا يَمنع من وجود صحْوة عقل واتِّجاهات إيجابيَّة غربيَّة لصالح الإسلام والمسلمين، يُمكِن أن تحقِّق تقدُّمًا ملموسًا نحو الإسلام، وما ذلك على الله بعزيز.
لقد آنَ الأوان لنحوِّل الحوار مع الغرْب إلى مسارات عمليَّة، تؤهِّل المسلمين في الغرب للاندِماح في مؤسَّسات المجتمع المدني، ولا يقلقُنا كثرة التَّحديَّات التي تواجههم، فالجسد يعمل في حالة الصحَّة والمرض والشدَّة والرَّخاء، وسوف تتحسَّن أحوالُهم - بإذن الله - عندما يعملون بروح متوحِّدة ومتماسكة.
وإذا كان الحوار مع الغرْب يهدف إلى إبراز صورة الإسلام، فلا بدَّ أن نكون على يقينٍ أنَّ الغرْبَ ليس كله من الصِّنْف الَّذي يَجحد الخيرَ ويكرهُه، فمن يتعمَّق في حقيقة الغرْب المعاصر سيدرك أنَّ اقتِرابًا كبيرًا من الإسلام يتوفَّر لكثيرٍ من أبناء الغرْب، الَّذين يبحثون عن هويَّتهم في عالم المادّيات والشَّهوات المهلكة، التي يعيش أصحابها في ظلام.
إنَّ الطَّريق إلى الغرْب طويل ويحتاج إلى تخطيط، ووعي ومثابرة؛ كي نقدِّم الحقَّ إلى الذين يتعطَّشون له ويبحثون عنه، ولا يصلون إليه لمعوِّقات فينا، وفى الواقع الإنساني الَّذي يعيشه عالم اليوم.
فمِن أجل حياة كريمة للغرْب قوامها الفطرة السليمة، والعقليَّة المعتدلة والحياة السعيدة؛ نقول لهم: تعالَوا يا من أثقلتْكم الأمراض النفسيَّة والاجتماعية، وضاقتْ بكم مجتمعاتُكم، تعالَوا إلى سماحة الإسلام وسعَته؛ لترَوْا كيف سيَشفيكم هذا الدين من عِلَلكم المادِّية، ويُعالجكم من أمراضِكم المستعْصية ويفتح لكم آفاق السعادة في حاضركم ومستقبلكم.
لا تتردَّدوا في العودة إلى الحقِّ والإيمان به، وافتحوا أذهانَكم وعقولكم إلى الخير الَّذي ينتظركم من وراء كلِمة سواء بيْننا وبينكم: ألاَّ نعبد إلاَّ الله ولا نشرك به شيئًا، ولا يتَّخذ بعضُنا بعضًا أربابًا من دون الله.
تعالَوا لنصل إلى التعارُف البشري الذي يؤدِّي إلى تكامل العلاقات وحماية الضُّعفاء في الأرض، وخلق مناخ حضاري يُساهم في نهضة الشعوب والدُّول، وتهذيب الأفكار الإنسانيَّة؛ كي يسود السلام والعدْل والرَّحمة، وتتحقق الثِّمار الطيبة للتفاهم الإنساني؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
إنَّ المسلمين في الغرْب سوف يرْبحون كثيرًا عندما تتوحَّد أهدافُهم واتِّجاهاتهم، وتتقارب مواقفهم، أمَّا تضخيم الخلافات فلن يوصِّلهم لنتائج إيجابيَّة، فلنساعدْهم ليفهموا طبيعة الدَّور الذي يقومون به ويقفوا بشخصيَّتهم على خصائص وقدُرات وخبرات دعوية، تؤهِّلهم للانطلاق الدعوي الصحيح في المجتمع الذي يعيشون فيه.
ومن خلال عدَّة زيارات لبعض الدول الأوربّية، لاحظت أنَّ المسلمين هناك يتمتَّعون بروح إسلاميَّة تمكِّنُهم من أداء الشعائر الدينيَّة، وهم أيضا يصِلُونَ الأرحام، ويتزاورون، ويعطون الصدقات للفُقراء، وتزداد مساجدهم يومًا بعد يوم، ويُقْبل الشباب على التدين، والغرب يَحسُدهم؛ لأنَّه فقد مقوِّماته، فلم تعُد لديْه أسرة أو حياة اجتماعيَّة مترابطة، أمَّا الأسرة المسلمة فتتميَّز عن هذه المجتمعات بالاستِقْرار والسَّعادة، وإن كانت تَحتاج إلى مزيدٍ من التَّوجيه الإسلامي الذي يقوِّيها؛ لتقدّم الكثير إلى المجتمع الذي تعيش فيه، وتتغلَّب على محاولات رفْض قبولها في هذه المجتمعات.
ولكي لا نفقد مزايانا وقِيَمنا في هذه المجتمعات؛ ينبغي أن نبتعِد عن التشبُّع بالعادات الغربيَّة، بما لا يعزلنا عن الاستفادة من التطوُّر التكنولوجي والتقدم التنموي؛ لنستفيد من ثورة الاتصال في إبلاغ الإسلام لكلّ الأحياء من سكَّان القارات الأرضية، وتمكين الدَّور الثَّقافي للمسلمين في الغرب من التأثير والفاعلية.
كما أنَّنا لا ينبغي أن نيْئس من نظرة الغرْب إليْنا على أنَّنا ضعفاء فقراء، وكل جزء منَّا ينفصل عن الآخَر، فلدينا رصيد حضاري يسمح بأن نبرِز ذاتنا ونُحافظ على هيْبتِنا، ومصادر قوَّتنا وعزَّتنا وتمكُّننا التنموي والحضاري.
___________________________________________
الكاتب: د. محمود حسن محمد