كيف تتجنبين الغضب؟
في حالة الغضب وفي جميع حالات الانفعال الشديد، يتعطل التفكير. ولذلك كثيراً ما يندم الإنسان على ما يصدر عنه أثناء الغضب من أقوال وأفعال. ولهذا السبب كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- ينصح أصحابه بعدم إصدار أحكام هامة أثناء الغضب.
- التصنيفات: تربية النفس - تزكية النفس -
وصف الإمام الغزالي الشخص الغاضب بالثور الذي لا يُملك زمامه، وقال: "أما أثره على الأعضاء فالضرب باليد، والرفس بالرجل، والمناصاة بالجبهة، والتهجم على المغضوب عليه والتمزيق لثوبه، والقتل، والجرح عند التمكن منه من غير مبالاة، فإن هرب منه المغضوب عليه اختفى من عينه أو فاته، وعجز عن التشفي منه رجع على نفسه فيمزق ثوب نفسه، ويلطم نفسه، وقد يضرب بيده على الأرض، ويعدو عدو السكران، وربما سقط صريعاً على الأرض لا يطيق العدو والنهوض لشدة الغضب، ويعتريه مثل الغشية، وربما يضرب الجمادات والحيوانات فيضرب القصعة مثلاً على الأرض فيكسرها، وقد يكسر المائدة برجله , أو يفعل أفعال المجانين فيشتم البهيمة ويخاطبها ويسبها كأنه يخاطب عاقلاً، وربما رفسته دابة فيرفس الدابة كما رفسته ويقابلها بذلك، وربما قابلها بعصاً أو سلاح ليشفي غيظه".
في حالة الغضب وفي جميع حالات الانفعال الشديد، يتعطل التفكير. ولذلك كثيراً ما يندم الإنسان على ما يصدر عنه أثناء الغضب من أقوال وأفعال. ولهذا السبب كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- ينصح أصحابه بعدم إصدار أحكام هامة أثناء الغضب.
فعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان».
وبسبب تعطيل التفكير السليم أثناء الغضب قال الرسول- صلى الله وعليه وسلم- إن الطلاق لا يقع إذا نطق به الرجل وهو في حالة غضب شديد، فعن عائشة أن الرسول- صلى الله وعليه وسلم- قال: «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق». والإغلاق هو الغضب الشديد الذي يعطل التفكير.
أقسام الغضب
قسم النبي - صلى الله عليه وسلم- الناس حسب الاستثارة التي تحدث في حالة الغضب، فقال: «يكون الرجل سريع الغضب قريب الفيئة فهذه بهذه، ويكون بطيء الغضب بطيء الفيئة فهذه بهذه، فخيرهم بطيء الغضب سريع الفيئة، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيئة...» [مسند أحمد]، ويكشف الحديث عن الفروق بين الناس في استثارة انفعال الغضب، وصنف الناس بالنسبة لذلك إلى ثلاثة أصناف:
- بطيء الغضب؛ لا يغضب إلا نادراً، وإذا غضب فإنه يرجع عن غضبه ويعود هدوءه سريعاً، فهو حليم الطبع، وهذا هو أفضل الأنواع.
- سريع الغضب؛ يغضب لأتفه الأسباب، ولكنه سريع الرجوع عن الغضب وسريع العودة إلى هدوئه، فهو مع سرعة غضبه طيب النفس.
- سريع الغضب، وإذا غضب يستمر في غضبه ولا يرجع عنه بسهولة، ولا يعود إلى هدوئه إلا بعد زمن طويل وهذا هو أسوأ الناس.
المحمود والمذموم
كان الرسول - صلى الله وعليه وسلم - لا يغضب لشخصه وإنما يغضب للحق وإذا اجتُرِئ على حد من حدود الله. قال علي - رضي الله عنه-: ((كان رسول الله - صلى الله وعليه وسلم- لا يغضب للدنيا، فإذا أغضبه الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له)).
والغضب هو غليان دم القلب إرادةً للانتقام، فإن كان هذا الغليان لله -تعالى- ولدين الله كان هذا الغضب محموداً، وإن كان للنفس أو الهوى أو الدنيا كان هذا الغضب مذموماً، وإن كان الانتقام لله ولدين الله كان هذا الغضب محموداً مأموراً به، وإن كان الانتقام للنفس والهوى كان هذا الغضب مذموماً مأموراً بتركه، ففي الصحيح (ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله).
غاضبون وغاضبات
المرأة تشعر بالغضب، وقد تُظهِر غضبها وتثور، وهذا قد يعرضها للإصابة ببعض الاضطرابات النفسية، أو تقوم بكبت غضبها وإخفائه وتحويله إلى الداخل وهو ما يعرضها للاكتئاب.
أما غضب الرجل فيكون عادة مصحوباً بالعنف اللفظي والجسدي على النقيض من المرأة.
ثم إن غضب المرأة يحتاج إلى الاهتمام به والانتباه إليه، لأنه يساعدها في تحسين علاقاتها وتصحيح بعض الأخطاء في حياتها، لذا يمكن التعبير عنه بصورة سليمة بحيث يستمع الآخرون لغضبها. وربما لا يكون هذا ما سمعته المرأة أثناء تربيتها ففي الغالب كان يقال لها: (لا تغضبي)، وفي السابق كانت المرأة التي تغضب توصَف بعدم الأنوثة وبسمات بعيدة عن المدح والثناء، وبأنها ليست عقلانية. فيما كان من الطبيعي أن يشعر الرجل بالغضب ويعبر عنه. ولهذا كانت تعبر المرأة عن غضبها بصورة غير مباشرة عن طريق كتمانه، ولكن تجاهل الشعور الحقيقي للمرأة، وآمالها، وأحلامها، ومتطلباتها يؤدي إلى تراكم الغضب وهذا ما يؤدي في النهاية إلى خروجه سواء أرادت ذلك أم لا.
إن غضب المرأة يعتمد على تأثير الأسرة والثقافة والخلفية العرقية والعادات والمكانة الاجتماعية. وقد يكون السبب في غضب المرأة أيضاً أحد العوامل التالية:
- الضعف: عندما تكون المرأة غير قادرة على تغيير شخص ما أو شيء ما، أو عندما لا يسمعها الآخرون.
- المعاملة السيئة أو الظلم: عندما تعامَل المرأة بظلم أو باحتقار، أو عندما تصاب بالإحباط في تعاملها مع الآخرين كالزوج أو الصديقات.
- عدم المسؤولية: عندما يفشل الآخرون في تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم.
- يصبح الزوج أحد أسباب غضب المرأة عندما يكون غيرَ متعاون في تربية الأولاد، ويرمي أغلب الحِمل على الأم، ثم إن كثرة اللوم بين الزوجين تؤثر كثيراً في دعم كل منهما للآخر.
- كشفت إحدى الدراسات أن الأمهات يبدين غضباً أكثر من الآباء، ومع كل طفل جديد يتزايد الغضب، وبالنسبة إلى المستوى الاقتصادي (دخل الأسرة) فإن وجود أطفال في الأسرة يزيد من المتطلبات الاقتصادية مع زيادة مشاعر الغضب لدى الوالدَين.
آثار الغضب
ثبت علمياً أن هناك ارتباطاً بين الغضب والأمراض الجسمية والنفسية كأمراض القلب، والبدانة، والصداع النصفي، والقرحة، وانخفاض تقدير الذات، والاكتئاب، وضعف العلاقات الشخصية، والاعتداء على الأطفال، وسوء العلاقات الزوجية، والطلاق، وإدمان الكحول والمخدرات، وضعف إنتاجية العمل، والضيق المستمر. ويؤدي التعبير عن الغضب بالفرد إلى تقديرات سلبية من قبَل الآخرين وإلى مفهوم سلبي للذات. ويقود إلى عدم احترام الآخرين للشخص.
ويشير الباحثون إلى أن للغضب غير المعبَّر عنه (المكبوت) آثاراً سيئة في الفرد، فهو يثير عدداً من الاضطرابات الجسمية كأمراض ضغط الدم، وأمراض القلب والأوعية الدموية كتصلب الشريان التاجي، والأمراض السرطانية، والقرحة، والقولون، والصداع النفسي.
ثم إن التعبير عن الغضب – وبالأخص الغضب المصاحَب بالعدوان اللفظي والجسدي- يكون مؤلماً للجسد والعقل والروح.
علينا فهم ما وراء الغضب من مشاعر. لأن الغضب عادة يعبر عن وجود مشكلة، وعدم التعبير عن الغضب لا يعالج المشكلة، فالتعبير عن الغضب بطريقة صحية يساعد في عملية العلاج أو حل المشكلة.
أما أبرز الآثار العضوية الناجمة عن الغضب فتتمثل في:
- الصداع أو الدوار: يُنتج الدماغ (الأدرينالين) الذي يسبب السرعة في العمليات، وإذالم تصل الكمية اللازمة من (الأكسجين) إلى الدماغ فقد يؤدي هذا إلى الإغماء أو الخلط.
- جفاف الفم: إنتاج اللعاب متطلب للهضم، ولما كان الهضم يتباطأ خلال الإثارة فإن اللعاب يصبح غير ضروري، ومن ثم لا ينتج.
- تنفس بطيء أو سريع أو سطحي، أو الشعور بوخز خفيف أو آلام الصدر أو عدم القدرة على التنفس: تقوم الرئتان بتزويد الدم بالمزيد من (الأكسجين) وهو ما يؤدي إلى سرعة التنفس. إلا أن خفض (الأكسجين) يسبب التنفس غير العميق.
- زيادة ضغط الدم: زيادة ضربات القلب أو الخفقان، يؤدي إلى ضخ المزيد من الدم إلى أنحاء الجسم محملاًً بالأكسجين لإنتاج الطاقة.
الهضم: تتباطأ عملية الهضم حيث إنها وظيفة غير أساسية، وقد يحدث غثيان.
- رؤية مشتتة: يتسع (البؤبؤ) ليسمح بدخول المزيد من الضوء للمساعدة في التركيز على الخطر. وتصبح أي مشتقات أخرى للنظر أقل وضوحاً.
- الشد العضلي للأكتاف وآلام الرقبة والظهر والرأس: تتقلَّص العضلات الكبيرة استعداداً للتعرف بهذا التوتر وهذا قد يسبب الألم وعدم الارتياح.
- الاحمرار والتعرُّق: يحتاج الجسم إلى التخلص من الحرارة الناتجة عن إنتاج الطاقة في الأوعية الشعرية الموجودة تحت الجلد وإفراز العرق من خلال مسام الجلد.
- الارتجاف: الحامض اللبني هو منتج ثانوي (مثل الحرارة) للطاقة، وإذا بقي في العضلات فإنه يصل كمادة سامة تسبب التقلص أو تشنُّج العضلات.
نحو العلاج
هناك العديد من الطرق الإسلامية لعلاج الغضب وهي موجودة في النظريات والتطبيقات الحديثة..
أولاً: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم..
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاستعاذة من الشيطان عند الغضب، فقد ثبت في الصحيح أنه استبَّ رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم-، وأحدهما يسب صاحبه مغضباً، قد احمرَّ وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
ثانياً: تغيير الحال، ويقابله الاسترخاء في النظريات الحديثة.
فعن أبي ذر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» (مسند أحمد).
ثالثاً: الوضوء، ويقابله في النظريات الحديثة الاستحمام.
فعن عروة بن محمد بن السعدي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم-قال: «إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خُلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» (مسند أحمد).
رابعاً: السكوت، ويقابله نفس الشيء في النظريات الحديثة، حيث من الممكن للشخص الغاضب مغادرة المكان حتى يهدأ.
عن ابن عباس عن النبي- صلى الله وعليه وسلم- أنه قال: «علموا ويسروا ولا تعسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت» (مسند أحمد).
خامساً: الانصراف بالتفكير عن الأمر الذي أثار الغضب، ومن الممكن القيام بمجهود بدني لتبديد الطاقة البدنية والاضطراب العضلي اللذين أثارهما الانفعال.
كيف تتجنبين الغضب؟
ليس من الممكن تغيير الشخص بين يوم وليلة لأننا بشر، ولأن تصرفاته وطريقة تعبيره عن الغضب جاءت نتيجة سنوات عدة، فإن تغييرها يتطلَّب مدة طويلة.
وهناك عدد من المبادئ الأساسية للتحكم في الغضب قد تساعد الشخص على فهم غضبه:
- العدوان سلوك مكتسب ممكن تغييره. فبالرغم من ولادتنا مع عدوان متوقع فإننا مع النمو والنضج نتعلم طرقاً مختلفة للسلوك غير العدواني.
- معتقداتنا تؤثر في الطرق التي نفهم بها الآخرين ومواقفنا معهم. فعلى سبيل المثال الاعتقاد بأن الحياة يجب أن تكون دائماً عادلة يقود إلى الإحباط وخيبة الأمل، في حين معرفة أن الحياة ليست عادلة دائماً يعطينا نظرة أفضل لها.
- ما نشعر به يمكن أن يؤثر في طريقة تفكيرنا وسلوكنا، فالمشاعر الإيجابية والسلبية شيء موجود لدينا جميعاً، لكن الدرجة التي نجرب بها هذه المشاعر تؤثر في نظرتنا وفهمنا للموقف ومن ثم ردود أفعالنا. لذا فإن تعلم كيفية التغلب الذاتي على الطبيعة القوية لهذه المشاعر أو أي طرق أخرى لتخفيف آثارها يمكن أن يساعدنا على التحكم في سلوكنا.
- إن للغضب جانباً فسيولوجياً، والمعرفة المتزايدة لردة الفعل الجسدية يمكن أن تُستخدم منبِّهاً مبكراً ليساعدك على الهدوء.
- عادة ما يؤدي العدوان إلى نتائج سلبية لنا وللآخرين، ومعرفة النتائج السلبية للعدوان يدعم ويساعد على فهم فكرة أنه من الأفضل دائماً التحكم في الغضب. فالتحكم بعدوانك يؤدي إلى علاقات أفضل، وزيادة الثقة بالنفس، ونتائج إيجابية أكثر بوجه عام.
- إن فقد التحكم يكون عادة نتيجة لمثيرات صغيرة متراكمة لم يتعامل أحد بها.فالضغوط الموقفية مثل (الهموم المالية)، والضغوط الداخلية مثل (التوقعات المرتفعة عن النفس)، والصعوبات الشخصية مثل (مشاكل العلاقات) يمكن أن تعمل معاً لخلق ردة فعل عدوانية خارجة نسبياً عن الموقف الحقيقي.
- إن عدم التوازن في طريقة حياتك يزيد من احتمال سلوكك العدواني. فاتخاذ طريقة حياة متوازنة وصحية والاهتمام بالنفس واحتياجاتها يجعل الحياة ممتعة أكثر.
يمكن أن يكون للغضب مشاعر إيجابية وباعثة للقوة إذا استُخدم بطريقة بنَّاءة وفعَّالة. فالغضب هو ردة فعل طبيعية يمر بها أي شخص من وقت إلى آخر.
والهدف من التحكم الفعَّال في الغضب ليس إلغاء الغضب تماماً، ولكن إحسان إدخاله في السلوك بطريقة إيجابيَّة غير هدَّامة.
________________________________________________
الكاتب: د. إيمان الرواف
الكاتب: د. إيمان الرواف