دليل مختصر لمواجهة اليأس والإحباط بالأمل
عبد المنعم منيب
لماذا نكد ونكافح رغم أن الحياة قصيرة؟ .. دليل مختصر لمواجهة اليأس والإحباط بالأمل
- التصنيفات: قضايا الشباب -
كثير من الناس ينتابهم أحيانا شعور بأن الحياة قصيرة وبأن مستقبلهم غير مضمون، مما يدفعهم للتقاعس عن السعي للنجاح والتطور في الحياة، حيث يفقدون الدافع للعمل أو السعي لتحقيق هدف مهم و يفقدون أي أمل.
وفي حالات أخرى ينتاب الإنسان شعور بأن العمر قد تقدم به وبأن النجاح لا قيمة له بعد الآن، وبالتالي يصل لنفس النتيجة السابقة وهي التقاعس عن السعي للنجاح والتطور في الحياة، وفقدان الدافع للعمل سواء كان عملا اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا أو دينيا([1]).
وهذا النمط من التفكير يفتح أبوابا من اليأس والإحباط والفشل، ولكن المسلم ستزول عنه كافة دواعي اليأس وكل هذه الأوهام الفاسدة لو تأمل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " «إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ([2]) فَلْيَغْرِسْهَا» "([3])، وقد ورد أيضا بلفظ: " «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» "([4]).
والسؤال ما فائدة زرع الفسيلة أثناء بدء القيامة بينما الفسيلة تحتاج لسبع سنوات حتى تنتج؟؟ والإجابة أن المسلم سيثاب بغرسها وحتى لو لم تنبت فهو سيثاب لأنه أطاع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بتنفيذ أمره في هذا الحديث كما سيثاب بنيته في أن يزرع، ومعلوم ما في الزرع من ثواب دلت عليه أحاديث عدة([5]) فإنك لو زرعت زرعا بنية الحصول على الثواب المترتب على الزرع فإنك لا شك تثاب حتى ولو مات الزرع لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» "([6])، وهذا كله هو من دلالات حديث زرع الفسيلة ومعناه الظاهر، كما يدل على أن علينا الاستمرار في العمل الديني والدنيوي بنية نيل ما عند الله من ثواب لأن على المسلم العديد من التكليفات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الواجبة والمندوبة فتكليفات المسلم ليست محصورة في العبادات الشخصية فيما بينه وبين ربه من إيمان و إخلاص و ذكر ودعاء وصلاة وصيام وزكاة وصدقات وحج وتوبة وإنابة ونحوها فقط، بل هو مرتبط بتكليفات اجتماعية واقتصادية وسياسية واجبة ومندوبة وعليه محذورات اجتماعية واقتصادية وسياسية ما بين مكروهة ومحرمة، ومن هنا فالحديث يشير لاستمرار المسلم في العمل في كل هذه المجالات حتى أخر نفس في حياته، فالحديث يدل على وجوب العمل الصالح -اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي- حتى لو ظننا أنه لن يحقق نتائجه لسبب خارج عن قدرتنا وعن الأسباب القدرية الكونية المأمورين بمراعاتها في أعمالنا فما دمنا التزمنا بشروط العمل من الإخلاص لله تعالي والالتزام باتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإننا مأجورون إن شاء الله والنتيجة هي بقدر الله وهذه الدلالة يؤيدها قوله تعالي: (( {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} )) سورة الرعد آية 40، و قوله تعالى: (( {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} )) سورة يونس آية 46، وقوله تعالى: (( {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} )) سورة غافر آية 77، فدلالة الآيات تتجه بوضوح إلى أن على المسلم أن يقوم بواجبه مخلصا لله متبعا للشرع ثم النتائج هي حسبما قدر الله، فلا يمكننا أن نقول: "إن العمل الواجب علينا شرعا الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لن يحقق النتيجة المرجوة فينبغي ألا نعمله" فهذا الطرح ليس مقبولا شرعا، فضلا عن أنه يفتح أبواب شر من التقاعس والتقصير والسلبية في الواجبات بشبهات شتى كما انه يفتح أبواب الإحباط والأمراض النفسية والاجتماعية، ولذلك كله قال تعالي: (( {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} )) (سورة الحجر آية 99) واليقين هو الموت حسبما اتفق المفسرون ومن هنا فنحن مأمورون بالعمل حتى الموت.
والترغيب في العمل لأخر نفس في الحياة إنما المقصود به ما تعلق بأعمال الآخرة وان كان ظاهرها دنيويا كأن يكون عمل صالح له بُعْدٌ اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أو حتى عبادة فردية ولكن ما نشاهده في سلوكيات بعض المسلمين من الدأب والكد بل والكفاح من أجل تحصيل مزيد من متاع الدنيا فهو خارج عن مضمون ومقصود هذا المقال لأن مجمل نصوص الكتاب والسنة تدل دلالة واضحة على وجوب القصد والاعتدال بشأن متاع الدنيا مادام مقصودا لذاته ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " «مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ قَطُّ إِلاَّ بُعِثَ بِجَنَبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يُسْمِعَانِ أَهْلَ الأَرْضِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى» "([7]).
وقد قال تعالى حاكيا عن قوم قارون نصيحتهم له فقال تعالى: (( {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} )) سورة القصص من الآيتين 76-77، وهذه الآيات رغم وجازتها إلا إنها تمثل قواعد ذهبية تحدد السلوك الإسلامي الصحيح ازاء متاع الدنيا اذ تحدد:
- عدم الاستمتاع المحرم ((لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)) ومعلوم ان الاستمتاع المشروع يورث فرحا ليس مذموما.
- استخدام متاع الدنيا ومواردها وإمكاناتها من أجل ارضاء الله تعالى (( {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} )).
- أخذ نصيب من متاع الدنيا للمحافظة على نفسك وحيوتك (( {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} )) وذلك طبعا في إطار حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم آنف الذكر "يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ فَإِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى".
- التأكيد على الكرم والاحسان بما أنعم الله عليك به من متاع الدنيا (( {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} )).
- عدم استخدام ما منحه الله لك من قدرات ومتاع الدنيا في الإفساد (( {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} )).
وبذلك تنتظم وتتكامل منظومة سلوك المسلم دينيا ودنيويا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا طوال حياته وحتى وفاته فلا يعرقله يأس، ولا يهلكه نهم وولع غير مشروع بالدنيا وزينتها.
ونسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش المرجعية
([1])البعض تصدى لهذه الحالة بحديث مشهور لكنه لا أصل له وهو: "اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" وقد أورد العلامة الألباني في سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة هذا الحديث برقم 8 ج1 ص 63 وما بعدها وقال تعليقا عليه: "لا اصل له مرفوعا وورد موقوفا على أحد الصحابة بأسانيد بعضها ضعيف وبعضها فيه كذاب" أ.هـ باختصار، انظر: سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة، ط دار المعارف، الرياض 1412، أولي، كما اورده بلفظ آخر هو "أصلحوا دنياكم، واعملوا لآخرتكم، كأنكم تموتون غدا" وعلق عليه قائلا: "ضعيف جدا" أ.هـ، انظر المصدر نفسه حديث رقم 874 ج2 ص266 وما بعدها.
([2])الفسيلة: النخلة الصغيرة أو ما نسميه في عصرنا الحالي ((الشتلة)).
([3]) رواه الامام أحمد في مسنده، انظر حديث رقم 12902 ج20 ص251، ط مؤسسة الرسالة، أولى، بيروت 1421هـ، تحقيق شعيب الارناؤوط وآخرون، وعلق عليه محققه قائلا: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة، فمن رجال مسلم.. ثم قال: وأخرجه الطيالسي، وعبد بن حميد والبخاري في "الأدب المفرد" والبزار. أ. هـ
([4])نفس المصدر، حديث رقم 12981 ج20 ص296، وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم. وانظر (12902). أ. هـ
([5]) على سبيل المثال لا الحصر قول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ" رواه البخاري برقم 2361 -واللفظ له- و رواه أيضا مسلم ومالك والترمذي وأحمد.
([6]) رواه البخاري حديث رقم 1 كما رواه أيضا أبو داود وابن ماجه وغيرهما.
([7])رواه أحمد في مسنده برقم 22135 ورواه أيضا ابن حبان و الطيالسي وأورده العلامة الألباني في سلسلة الحديث الصحيحة برقم 443 وقال: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي :"رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح". أ.هـ انظر: محمد ناصر الدين الالباني، سلسلة الحديث الصحيحة، ط مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض 1415هـ، الطبعة الأولى، ج1 ص804 و ما بعدها.