فوائد من كتاب: مجموع رسائل ومقالات للعلامة عبدالله بن حسن القعود
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
الوسط شرعاً:
تطبيق شرع الله وفق منهاجه, الذي وضعه لعباده, بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تطبيقاً عدلاً قوماً
- التصنيفات: طلب العلم -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن العلماء المتأخرين العلامة الشيخ عبدالله بن حسن بن قعود, رحمه الله, والشيخ له العديد من المؤلفات, منها " مجموع رسائل ومقالات " وقد يسر الله الكريم فانتقيت منه بعض الفوائد, أسال الله أن ينفع بها الجميع.
علاج الفتور والتقهقر:
من الأمراض التي قد تعترى أحدنا بينما هو شعلة متحرك وإذا هو بدأ يتغير...علاج مثل هذه الأشياء: أن يتعاهد الإنسان نفسه بالقرآن, يقرأ القرآن يتعاهد نفسه بالسنة, يتعاهد نفسه بالأعمال الصالحة, يكثر من نوافل العبادة مع نفسه, يقوم الليل بينه وبين ربه, ويسأل الله أن يشد من أزره, يصوم ما تيسر, ويدعو الله في أوقات الاستجابة صائماً, فدعوة الصائم مظنة الاستجابة, يحاول أن يطيب مطعمه إذا كان هناك اشتباهات, يعاود نشاطه مع الأخيار, يا أخوة مجالسة الأخيار ورؤية الأخيار والدراسة مع الأخيار مما تزيد في معنوية الإنسان, بل وربما في إيمان الإنسان, وفي يقين الإنسان....أنصح من فتر أن يقرأ سير الدعاة ابتداءً بسير المرسلين عليهم الصلاة والسلام...اقرأ ما تيسر من سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ...اقرأ سير علماء الإسلام من التابعين فمن بعدهم, اقرأ سير دعاة الإسلام في أي عصر, اقرأ سيرهم لترى ولتتأثر بهم, ولتعلم أن الساحة كان فيها من هو أفضل منك, لعلك أن تشد من معنوياتك وتقويها, وتلحق بهؤلاء, هذه الأمور التي يعالج بها الإنسان نفسه, ومع هذا أنصحه أن يسأل الله الثبات كثيراً.[ص:260]
صيانة طالب العلم علمه, وتقوى الله فيه:
يتذكر طالب العلم أن قيمته في دنياه وأخراه في صيانة علمه وتقوى الله فيه, وبُعده به أن يشترى به ثمناً قليلاً, وأنه كلما ابتعد عن المجالس التي لا يقول في أهلها قولته فيهم أمامهم, كما يقولها فيهم إذا خرج من عندهم, وابتعد كذلك عما تطوق به الرقاب وتخرس به الألسن من أعطيات خاصة به مادية أو أدبية, كلما كان أثبت لجأشه, وأكثر لاحترامه, وأدعى لقبول قوله. وإنه بفقدان ذلك يهون هواناً عظيماً أشبه بهوان اليد التي كانت ثمينة لما كانت أمينة, ولما خانت هانت.[ص:25]
الأساليب التي تستعمل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
كلما كان الإنسان هادياً, وكان متحبباً إلى الناس, وكان ملتزماً للخير كان أدعى لقبول قوله وأسمع.
ومن الأساليب اللين والتودد يقول تعالى: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران:159] بين لنا الله سبحانه وتعالى أن اللين والتودد في الدعوة, وفي الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, ما لم يكن فيه إهانة للعلم, وإهانة للآمر بالمعروف, والناهي عن المنكر.
فالآمر والناهي ينبغي أن يستعمل الأساليب التي فيها لين ورفق ورحمة لكي يحبه الناس, ويستمعوا إلى لقوله, ولكي تنعطف قلوبهم إليه, لأنك تسعى لإصلاحهم ولمّ شملهم وتعليمهم وهدايتهم, لا الشماتة بهم وتحقيرهم وفضحهم والسخرية منهم, وهذا ديدن الطبيب, فإنه لا ينتهر المريض, بل يلين له القول, حتى يقبل منه, ويستمع إليه. [ص:63]
دعوة إلى علماء المسلمين وشبابهم ومفكريهم:
ندعو علماء المسلمين, وشباب المسلمين ومفكريهم, والغيورين على مصالحهم, ممن يدركون فساد الوضع وخطورة الموقف, وضرورة الأخذ بالمبدأ القائل: " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها "
ندعوهم بأن ينفضوا الغبار, وبأن يتقوا الله, وبأن يخافوا الله, وبأن يهبوا ويرسلوها صيحة حق, ودعوة هُدى, إلى إصلاح ما أعوج من أمر المسلمين, وإلى إقامة ما فسد من أمر الأمة في مجال حكم, أو تحاكم, أو سلوك, أو اعتقاد, أو معاملة, أو صلة بغيرهم ممن ليسوا على دينهم.
إننا ندعوهم أن يلبوا نداء الداعية, نداء الحق الذي يقول: ( {فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض} ) [هود:116]
نداء الحق العالم بما يترتب على القيام بهذا الأمر من نجاة وعزة وكرامة, وعلو في الدنيا والآخرة, وطيب محيا وطيب ممات.
وما يترتب على إهماله من هلكة وذل وهوان وتفرق, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نداء من يقول: ( { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ) [الأنفال:24] والذي به حياتنا, أن نرجع إلى أصولنا, وأن نقوم بواجبنا, وأن ننظر في تأريخ أسلافنا الذين قاموا بهذا الأمر, فنقتدي بهم خير اقتداء.[ص:47]
المدارة لمصلحة الدعوة:
إذا اقتضى الحال أن تسكت عن أمر ما, لأنك لو نطقت بإنكاره لجاءك ضرر أو انتقل الضرر إلى دعوتك, أو من حولك, فهنا تسكت مدارة درءاً للفتنة, لا مداهنة وتملقاً للباطل وأهله.[ص:68]
الفتنة العمياء:
الفتنة العمياء التي طالما طأطأت رؤوساً كانت مرتفعة وطالما استرقت مشاعر كانت محررة, وأصبحت تخرس الألسن عن النطق بالحق, فكم شهدت الدنيا عبر تاريخها من ألسنة أخرست عن الحق وعن آذان صمت عن سماعه, وعن أعين أعشي عليها عن رؤيته لماذا؟ لحب مال أو لحب شرف أو لقربى من ذوي المال والشرف في هذا قوله علية الصلاة والسلام:( «ما ذئبان جائعان أُرسلا في زربية غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه» )..تصور التمثيل منه صلوات الله وسلامه عليه (جائعان أرسلا في زربية غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه ) أي: أن حرصه على الشرف وحرصه على المال يفسد دينه فساداً أشد من فساد الذئبين الضاريين الجائعين الذين دخلا في زربية غنم مما ينذر المسلم. والمخرج من هذا الأمر أن ينزل المسلم حاجاته بالله, بالله لا بالناس, بمعتقده وبعفافه وبقناعته, انطلاقاً من قوله عليه الصلاة والسلام فيما جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنه:(واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ولو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك)[152]
كتاب " أخلاق العلماء " للآجري
صنف أبو بكر الآجري وكان من العلماء الربانيين في أوائل المائة الرابعة مصنفاً في أخلاق العلماء وآدابهم, وهو من أجل ما صنف في ذلك.[ص:22]
الوسط شرعاً:
تطبيق شرع الله وفق منهاجه, الذي وضعه لعباده, بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم تطبيقاً عدلاً قوماً, لا غلو فيه ولا جفاء ولا إفراط ولا تفريط.[107]
نصائح لحملة الدعوة:
إني أنصح...الشباب وأؤكد نصحي نحوهم بأن يهتموا في دعوتهم وفي تحركهم وفي تعلمهم, وفي أمرهم بالمعروف, وفي نهيهم عن المنكر بأمور منها:
أولاً: بذل الجهد في تعميق الإيمان بالنفوس...فأنصحهم أن يبذلوا الجهد بتلاوة كتاب الله بقراءة سير أنبياء الله بتأمل نصوص الوعد في هذه الأمور لعل الله أن يعمق الإيمان في القلوب, فإذا تعمق وقرّ في القلوب, واستقر فيها لن تزعزعه بإذن الله شبهة ولا شهوة, فسيواجه الأمر مواجهة الجبال الصم التي تصد الرياح ولا تحركها الأعاصير.
فليبذل الإنسان متقياً الله. طائعاً لله, مستعيناً بما يقدر عليه, من استماع وفعل, ما يقوى إيمانه من طاعات, من مجالسة أخيار, من قراءة سير الصالحين وغير ذلك.
ثانياً: التزام الداعية لما آمن به, التزامه لما وقر في قلبه, لما يدعو إليه, ليكن أول ممتثل لما يأمر به وأول منته لما ينهى عنه فإذا امتثل أمره, وأصبح بفعله وباستقامته التي أمر بها بقول الله: (فاستقم) أصبح كتلة كأنه قطعة من الإسلام يرى الإسلام بجماله وحسنه في تصرفاته ومعاملاته.قال بعض الدعاة المستقيم لو لم ينبض في الدعوة ببنت شفه لكان داعية بفعله" فمن كان ملتزماً مستقيماً وبادئاً بنفسه كان قدوة لغيره.
ثالثاً: أن يبتعد الداعية كل البعد عن إرادة الدنيا بعمله, فطريقة أنبياء الله كل منهم يقول: {وما أسألكم عليه من أجر } [الشعراء:109] في عدة آيات, فإذا كان عنده القناعة في نفسه, والرضا بما يدعو إليه, ومحبته فلتكن مهمته ذلك الأمر, ولا أقصد أن أي داعية ما, لا يأخذ رزقاً من بيت المال, أو ما وضع لهذا الأمر, أنا أقول: في الدرجة الأولى بينه وبين ربه في داخليته يجب أن يكون همه إصلاح الناس, وهمه الدعوة, جاءه من ورائها شيء فذا خير, لم يأته من ورائها شيء فلا يطلبه.
رابعاً: وهذا أمر مهم يجب أن تفتح الآذان له والصدور, لا لقولتي ولكن له نفسه, وهو أن يعلم الداعية شيخاً أو شاباً, ذكراً أو أنثى أنه لا بد له في دعوته من العلم الشرعي فالعلم كما بوبه البخاري رحمه الله في قوله: " باب العلم قبل القول والعمل" وقول الله: { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك } [محمد:19] والله جل وعلا يقول: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } [يوسف:108] والبصيرة هي العلم, فيجب على الداعية أو الآمر أو الناهي أن ينطلق بأمره ونهيه ببصيرة, بعلم شرعي.
خامساً: ليعلم الداعية إلى الله أنه في وقت مكابرة, وليعلم أن الدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مواجهة لباطل...وإن واقع الناس كما قال الله سبحانه وتعالى: { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } [يوسف:103]...فالشر هو الغالب, مما يدعو حملة الدعوة والمنتمين للدعوة إلى الله أن يبذلوا الجهد لمواجهة هذه الأمور, وأن يتحسبوا لما يواجهون به, وأن يهيئوا أنفسهم لما قد يواجهون به.
سادساً:نصيحتي الأناءة الأناءة, التثبت التثبت, الحكمة الحكمة, وليست الحكمة حكمة الذين يجعلون الصمت عن المنكر حكمة, ويجعلون قول الباطل في موقف ما حكمة, ولكن نقصد الحكمة التي هي وضع الأشياء في مواضعها, فأنصحهم بالتثبت, ولا سيما فيما يتعلق بالغير, فيما يتعلق بالحكم على الآخرين بتفسيق أقوام, أو بتكفير أقوام ولا سيما من المسلمين ولا سيما من الدعاة إلى الله, ومن طلبة العلم أحياء أو أمواتاً, أنصحهم...أن لا يجرحوا إخوانهم من الدعاة ومن المشتغلين بالدعوة إلى الله, فهذه من الفتن التي ابتلي بها مجتمعنا اليوم...مع الأسف من منسوبين للعلم, وللاعتقاد السليم والدعوة إلى الله, ابتلوا بما يجعل بعضهم ينهش بعضاً.ـ
ولا شك أن مثل هذا الأمر خطر على الدعوة إلى الله, وخطر على تماسك المسلمين, وخطر أيضاً على شباب المسلمين, فلا يجوز لمسلم أن يعطي أعداء الإسلام حججاً على أولياء الله بحسن نية أو بغير حسن نية.
أقول: أعداء الجميع لخبرتي المحدودة, ولما عاصرته وقرأته قديماً وحديثاً من أن الأعداء ينتفعون من ضرب الشباب بعضهم لبعض, أو أن هناك أصابع خفية تسلط بعض الشباب على بعض, فأنا أحذر من هذا.
سابعاً: وصية إلى الشباب وأمر التوفيق إلى الله سبحانه وتعالى, أساليب الاستجابة: الإحسان إلى المدعو أو المأمور أو المنهى إذا أمكن, وإيثاره بشيء من المباحات إذا أمكن, فالإحسان كثيراً ما يستعبد الإحسان, قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالماً استعبد الإنسان إحســــان[ص:83]
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ