احذر أن تخونك نفسك أو تخدعك نيتك!

{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أَهُوَ الَّذِي يَزْنِي، وَيَسْرِقُ، وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لا، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُ، وَيُصَلِّي، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ» فاحذر أن تخونك نفسك، أو تخدعك نيتك!

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - تزكية النفس -

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [1].

 

تأملْ قولَ اللَّهِ تَعَالَى لأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} ، وَقَدْ كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَبَّرَهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، واخْتَارَهُمُ اللهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!

 

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا كُنْتُ أَرَى أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الدُّنْيَا، حَتَّى نَزَلَ فِينَا يَوْمَ أُحُدٍ: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [2].

 

وهو بلا شك تأديب لأولئك الذين تركوا أماكنهم على جبل الرماة لجمع الغنائم، ظنًا منهم أن المعركة قد انتهت، وأن المشركين ولَّوْا الأدبارَ.

 

وهو كذلك تحذير للمؤمنين جميعًا أن يريد أحدٌ منهم الدنيا بعمله، ولو كان في أعظم العبادات أجرًا، وأرفعها قدرًا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [3].

 

فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، يقومان بأجلِّ عملٍ وهما من رسل الله العظام، ويُشْفِقَانِ أَنْ لَا يَتَقَبَّلَ اللهُ مِنْهمَا، فكيف بمن دونهما منزلةً، وعمله دون عملهما قدرًا؟

 

ولا يتحققُ كمالُ الإخلاصِ إلا بسوء الظن بالنفس، والخوف من عدم قبول الطاعات؛ كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [4].

 

قَالَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أَهُوَ الَّذِي يَزْنِي، وَيَسْرِقُ، وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: «لا، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُ، وَيُصَلِّي، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لَا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ» [5].

وهذه هي العلة من نهي الله تعالى المؤمنين عن تزكية أنفسهم؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[6].

 

فاحذر أن تخونك نفسك، أو تخدعك نيتك!

 


[1] سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: الْآيَة/ 152.

[2] تفسير الطبري (6/ 141).

[3] سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَة/ 127.

[4] سورة المؤمنون: الآية/ 60.

[5] رواه أحمد- حديث رقم: 25263، والترمذي- أَبْوَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابٌ: وَمِنْ سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ، حديث رقم: 3175، وابن ماجه- كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابُ التَّوَقِّي عَلَى الْعَمَلِ، حديث رقم: 4198، بسند صحيح.

[6] سُورَةُ النَّجْمِ: الآية/ 32.

______________________________________
الكاتب: سعيد مصطفى دياب