السب والشتم ليست من أخلاق المسلم

لقد أدَّبنا دينُنا الحنيفُ بألاّ نسبَّ أحدًا، وألا نلعن مخلوقًا، وألا نشتمَ كائنًا من خَلْق الله تعالى

  • التصنيفات: الآداب والأخلاق - أخلاق إسلامية -

لقد أدَّبنا دينُنا الحنيفُ بألاّ نسبَّ أحدًا، وألا نلعن مخلوقًا، وألا نشتمَ كائنًا من خَلْق الله تعالى، فمنع من سبِّ الريح، ودلَّنا على ما نقوله إذا آذتنا هذه الريح، فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ» (رواه الترمذي) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، (2252).

 

فمن سبَّ من لا يستحقُّ السبَّ رجعَ عليه، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: (إِنَّ رَجُلًا نَازَعَتْهُ الرِّيحُ رِدَاءَهُ)؛ أي: إنه كان ماشيًا، فنازعته الريح وهو يشدُّ رداءه (عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَعَنَهَا)؛ أي: لعن الريح، فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَلْعَنْهَا، فَإِنَّهَا مَأمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ، رَجَعَتْ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ»، (د) (4908)، (ت) (1978)، انظر الصَّحِيحَة: (528).

 

ومنع ديننا الحنيف مِن سبِّ الأمراضِ والأوبئة والحمَّى، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله تعالى عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: " «مَا لَكِ» ؟ «يَا أُمَّ السَّائِبِ [أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ] تُزَفْزِفِينَ»؟؛ أي: ترتجفين، قَالَتْ: (الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا)، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ»، (م) 53- (2575).

 

ومنع ديننا منْ سبِّ الشيطان، فإنَّ سبَّهُ يَسرُّه ويُفْرِحُه، وأرشدَنا إلى ما يسوؤه ويؤثر فيه ويحزنه؛ وهو التعوذ منه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

 

«لَا تَسُبُّوا الشَّيْطَانَ، وَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ شَرِّهِ» رواه أبو طاهر المخلص (9/ 196 / 2)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (7318)، الصَّحِيحَة: (2422).

 

فسَبُّ الشَّيْطَانِ يجعلُه يتعاظمُ ويفتخرُ ويتكبَّر، بينما ذكر الله يصغِّرُه ويحقِّرُه، فقد ثبت عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ رَجُلٍ؛ قَالَ: (كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)؛ أي: يركب خلف النبي صلى الله عليه وسلم (عَلَى حِمَارٍ، فَعَثَرَ الْحِمَارُ)، (فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ)، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ» «الشَّيْطَانُ فِي نَفْسِهِ» «حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْجَبَلِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي صَرَعْتُهُ» «وَلَكِنْ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ، فَإِنَّكَ» «إِذَا قُلْتَ بِسْمِ اللهِ، تَصَاغَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ» «حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ»الحديث بزوائده: (د) (4982)، (حم) (20690)، (حم) (23092)، صَحِيح الْجَامِع: (7401)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (3128).

 

إذًا يجب ألا نعوِّدَ ألسنتَنا على السبِّ والشتمِ واللعن، بل نعودُها على ذكر الله، والبسملة والاستعاذة.

 

ونُهينا عن لعْنِ الطيور عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ» (د) (5101)، انظر صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2798)، ولَيْسَ مَعْنَى قَوْله: "فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلَاة" أَنْ يَقُول بِصَوْتِهِ حَقِيقَة: صَلُّوا، أَوْ حَانَتْ الصَّلَاة، بَلْ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّهُ يَصْرُخُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَعِنْد الزَّوَالِ، فِطْرَةً فَطَرَهُ اللهُ عَلَيْهَا، من فتح الباري لابن حجر (6/ 353).

 

ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من لَعْن الدوابِّ؛ مِن الخيلِ والحميرِ والإبل ونحوها، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّه رضي الله تعالى عنهما أنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ؛ أَنَاخَ؛ أي: برَّك بعيرًا له فَرَكِبَهُ، (ثُمَّ بَعَثَهُ)؛ أي: استحثَّه ليقوم، (فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ)؛ أي: تأخَّرَ البعيرُ، ولا يريد أن يقوم، (فَقَالَ لَهُ: شَأْ)؛ أي: ينهر البعير، (لَعَنَكَ اللهُ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«مَنْ هَذَا اللَّاعِنُ بَعِيرَهُ»؟! قَالَ: (أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ)، قَالَ: «انْزِلْ عَنْهُ، فَلَا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ، لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» (م) (3009).

 

ومُنْعْنِا، ومنعنا دينُنا وشرعُنا ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم من لَعْنِ المشركين وسبِّهم، وهم يستحقُّون السب واللعن، بل أكثر من ذلك يستحقون العذاب، لكن! حتى لا نكونَ سببًا في أن يسبُّوا اللهَ جلَّ جلاله، أو أنْ يسبوا ديننا أو نبينا؛ نهينا عن سبهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: (قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ!) قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» (م) 87- (2599).

 

قَالَ أَبُو جَهْلٍ بْنِ هِشَامٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (لَتَتْرُكَنَّ سَبَّ آلِهَتِنَا، أَوْ لَنَسُبَّنَّ إِلَهَكَ الذي تَعْبُدُ!)، فَنَزَلَ قَوْلُهُ سبحانه وتَعَالَى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}  (الأنعام: 108)، صحيح السيرة (ص 196).

 

ونهانا عن سَبِّ الأَمْوَات عمومًا، وخصوصا إذا كان سبُّهم يؤذي المسلمين، ويؤذي الأحياء، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا»  (خ) (1393).

 

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَالِكٌ بِسُوءٍ)، ذُكِرَ أحدُ الأمواتِ عند النبي صلى الله عليه وسلم بسوء، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ، وَلَا تَقَعُوا فِيهِ»، «لَا تَذْكُرُوا هَلْكَاكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ» الحديث بزوائده: (س) (1935)، (د) (4899)، (ت) (3895)، صَحِيح الْجَامِع: (794)، (7271)، الصَّحِيحَة: (1174). وَعَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ، فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ» (حم) (18210)، صَحِيح الْجَامِع: (7312)، حتى لو كان الميت كافرًا لا تسبه، فتؤذي بذلك حيًّا ولدًا له أو والدًا.

 

[(لا تسبوا الأموات)، ظاهره العموم للمؤمنين والكفار]، التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 102).

 

أي: لا تسبوا أمواتَ هؤلاء، ولا أمواتَ هؤلاء، نحن ممنوعون عن السب، إذا كان سبُّهم يؤذي الأحياء، ويؤيده حديث سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُؤْذُوا مُسْلِمًا بِشَتْمِ كَافِرٍ»، (ك) (1420)، (هق) (6980)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (7191).

 

وأرشدنا صلى الله عليه وسلم عند معاتبةِ الصديقِ المعاند، والصاحبِ الذي فعل شيئًا يسوؤنا؛ ألاّ نسُبَّه وألا نلعنَه؛ اقتداءً به صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (لَمْ يَكُنِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبَّابًا وَلَا فَحَّاشًا، وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لَأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ:

 

"مَا لَهُ؟! تَرِبَ جَبِينُهُ")، (خ) (5684)، أقصى عتابٍ من النبي لأصحابه "ما له؟ ترب جبينه"، فيا ليتنا نستخدم هذه العبارة، وألا يلعن بعضنا بعضًا، وألا يسبَّ بعضنا بعضًا، ونقول: "ما له؟ ترب جبينه".

 

فإذا كنا قد نهينا عن سبِّ الأمواتِ عمومًا؛ فكيف بسبِّ المسلمين؟

 

فاعلموا قولَه صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»  (خ) (48)، (م) 116- (64)، والْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ: الْخُرُوجُ، وَفِي الشَّرْعِ: الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ أَشَدُّ مِنْ الْعِصْيَانِ.

 

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}، فَفِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَالْحُكْمُ عَلَى مَنْ سَبَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْفِسْقِ. تحفة الأحوذي (5/ 224).

 

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَابُّ الْمُؤمِنِ"، -أي: الذي يسبُّ المؤمن- "كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَكَةِ"، (كنز) (8093)، صَحِيح التَّرْغِيبِ: (2780). أي: يكاد يَقعُ في الهلاكِ الأُخرويِّ، وأراد في ذلك المؤمنَ المعصوم، والقصد به وما بعده: التحذير من السبِّ. فيض القدير (4/ 79).

 

وهذا إذا كان الحظرُ والمنعُ من السبِّ واللعن في حقّ عمومِ المسلمين، ففي حقِّ الوالدين أكبرُ وأشنع وأعظم، وإذا كان سبُّ الوالدين ولعنهما مستبعدٌ أنْ يحصلَ من الولد، فلذك حرَّم عليه أن يكون سببًا في سبِّهما ولعنهما، لهذا تعجَّب الصحابة رضي الله تعالى عنهم، عندما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

«إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟!) (وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟!)، -استغراب، واستفهام إنكاري ما أحد يسبُّ والديه حتى المشركين-، قَالَ:

"نَعَمْ!"، «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ» (خ) (5973)، (م) 146- (90).

 

وفي رواية أبي داود قَالَ: «يَلْعَنُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَلْعَنُ أَبَاهُ، وَيَلْعَنُ أُمَّهُ، فَيَلْعَنُ أُمَّهُ» (د) (5141). يعني يكون سببًا في لعن والديه.

 

وكذلك نُهينا ونهانا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم عن سَبِّ حكّامِ الْمُسْلِمين، والأمراءِ والمسئولين، فإن ظلموك فطالب بحقِّك، فإن أعطوكَ إياه كان بها؛ وإلاّ فاطلبه من الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وإياكَ أن تأتيَ يومَ القيامة فتجدَ من ظلمَك يطالبك بحقوقِه؛ لأنك أكثرت من سبِّهم وشتمِهم ولعنهم، فعند المقاصّة صارت لهم عليك حقوق، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (نَهَانَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم)، قَالَ:

"لَا تَسُبُّوا أُمَرَاءَكُمْ، وَلَا تَغُشُّوهُمْ، ولا تُبْغِضُوهم، وَاتَّقُوا اللهَ وَاصْبِرُوا، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَرِيبٌ". صححه الألباني في ظلال الجنة: (1015).

 

وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْنَا: (يَا رَسُولَ اللهِ! لَا نَسْأَلُكَ عَنْ طَاعَةِ مَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ)، -أي: من الأمراء والحكام هؤلاء طاعتهم واجبة علينا لا نسألك عن هؤلاء،- (وَلَكِنْ مَنْ فَعَلَ وَفَعَلَ) -يَذْكُرُ الشَّرَّ-، فَقَالَ: «اتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا»، صححه الألباني في ظلال الجنة: (1069). ولم يدلّهم على سبِّ الظالمين وشتمهم.

 

ومنع دينُنا من سبِّ أو لعنِ أحدٍ من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، لقوَّةِ إيمانهم، ونُصرةِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وجهادِهم لنشرِ دعوةِ الإسلام في بقاعِ الأرض، وتفانيهم في الإنفاق في سبيل الله سبحانه، ما لم يبلغْ مَن بعدهم مِعشارَ معشارِ ما قدَّموه وقتَ عُسرتهم وضيقتهم، خصوصا السابقون منهم رضي الله عنهم أجمعين، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ) -وهو متأخر الإسلام-، (وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ) - وهو متقدم في الإسلام - (فَسَبَّهُ خَالِدٌ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» (خ) (3673)، (م) 222- (2541) واللفظ له، فإذا كان الصحابة أنفسهم نهوا أن يسبَّ بعضهم بعضا رضي الله عنهم، فكيف بمن يسبُّهم ممن جاء بعدهم، ممن لا يساوي غبارًا على قدمَي أحدهِم؛ جاهد في سبيل الله سبحانه.

 

وهذا السبُّ والطعنُ اليومَ في وسائل الإعلام؛ على الفسبكةِ والفضائياتِ المخصَّصة لذلك، نسأل الله السلامة.

 

وبعض الناس يتجرَّأ على أن يكونَ سببًا في سبِّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهم الناصبة وأمثالهم، الذين ناصبوا عليًّا رضي الله عنه وآل البيت العداء، الذين يسبُّون عليًّا رضي الله عنه فكأنما سبُّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي عَبْدِاللهِ الْجَدَلِيِّ قَالَ: (دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله تعالى عنها، فَقَالَتْ لِي: أَيُسَبُّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيكُمْ؟!) قُلْتُ: (مَعَاذَ اللهِ - أَوْ سُبْحَانَ اللهِ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا)، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

«مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي»  (ن) (8476).

 

ولقد أجمع المسلمون على أنَّ من سبَّ الله، أو سبَّ رسولَهُ، أو دفع أو أنكر شيئًا مما أنزل الله، أو قتل نبياًّ من الأنبياء؛ إنَّه كافر بذلك، وإن كان مقرًّا بكلِّ ما أنزل الله...]، التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 65)، عافانا الله وإياكم من كلِّ شرٍّ وسوءٍ، وكفرِ وشرك.

 

إذا كنّا نحنُ المسلمين نُهينا عن سبِّ الريح، والأمراضِ والحمَّى، وسبِّ الشيطان والمشركين، ونهينا عن لعْنِ الطيور والدوابِّ؛ بل ومُنْعْنِا من لَعْنِ المشركين وسبِّهم وهم يستحقون السبَّ واللعن، ومع هذه النصوص في النهي عن اللعنِ والسبِّ؛ إلاَّ إنَّه قد تمادَى بعض الناس في السَبّ والشتم، حتى صارَ منهم من يسبُّ الدَّهْرَ، ويسبُّ اليوم والوقت والسنة والساعة، وهو في الحقيقةِ إنما يسبُّ مقدِّرَ القدرِ، والفاعلَ للحوادث؛ وهو الله سبحانه وتعالى، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ عز وجل: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ"يَشْتُمُنِي وَهُوَ لَا يَدْرِي وَلَا يَنْبَغِي لَهُ شَتْمِي يَسُبُّ الدَّهْرَ يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ» )، وفي رواية: «يَقُولُ: وَادَهْرَاهْ وَادَهْرَاهْ»  (وا دهراه): أسلوب نَدْبٍ بمعنى: ويلي من قسوة الزمان، يقول الله -: (" «وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» ")، وفي رواية: (" «الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِي لِي، أُجَدِّدُهَا وَأُبْلِيهَا، وَآتِي بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ» «فَإِذَا شِئْتُ، قَبَضْتُهُمَا»  الحديث بزوائده عند البخاري ومسلم، وأبو داود وأحمد. (خ) (4826)، (6181)، (7491)، (م) 3- (2246)، (د) (5274)، (حم) (7245)، (7988)، (10438)، (10578)، انظر الصحيحة: (532)، (3477).

 

وَمَعْنَى "فَإِنَّ الله هُوَ الدَّهْر"؛ أَيْ: فَاعِلُ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِث، -التي سبَّبَت لك أن تسبَّ وأن تشتمَ بمصيبة وقعت عليك أو نحو ذلك، فتسب الزمن والساعة، والحقيقةُ وأنك تسبُّ الفاعلَ، والله هو الفاعلُ لهذا الأمر- وَخَالِقُ الْكَائِنَات، وَاللهُ أَعْلَم؛ شرح النووي (15/ 3).

 

هذا إذا كان سبُّ الدهرِ والزمنِ والساعةِ لا يجوز؛ لأنه في الحقيقة سبٌّ للخالق سبحانه، فكيف بمن يسُبُّ الله جلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه، وتعاظمت صفاتُه؟! كيف يُسبُّ الخالقُ الرازق علَنًا وبدون تورية، مباشرة من رجالٍ ونساءٍ محسوبون على الإسلام؟! كيف يشتم المحيي المميت؟! كيف يتجرأُ الشاتمُ للذات الإلهية على ذلك الشأنِ المريع، والأمر الفظيع؟!

 

لقد غرَّ هؤلاء عفوُ الله وحلمُه وإمهالُه.

 

إنا منهيون عن سبِّ المشركين والشيطان؛ حتى لا يسبُّوا الله عَدْوًا بغير علم، إنَّ من يسبُّ الذات الإلهية مرتدٌّ عن دين الله، كافرٌ يستحق أنْ تجتمعَ لأجلِه السلطاتُ الثلاث؛ السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، لتحكمَ عليه بالقتل؛ لردَّته عن دين الله، فيوقِّعُ على هذا الحكمِ وليُّ الأمر، ويُنَفَّذُ فيه الحكم، لتتخلّصَ أرضُ الله من هؤلاء المارقين، حقًّا هؤلاء {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].

_____________________________________________
الكاتب: الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد