وقفات تربوية مع آية السَّكَن والمودة والرحمة-2
أحمد عبد المجيد مكي
وعلى الزوج أن يُدرك أنّ قوامته لا تعني البطش والتّسلط والإذلال، وإنما تعني المسؤلية و الرعاية
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
الوقفة الرابعة : المودة والرحمة ليست خاصة بالزوجين بل هما من أسباب سعادة الأمة :
سُمِّيت الزوجة (سَكَنًا)، لأنَّ الرجل يسكن إليها بقلبه وبدنه جميعًا، يقال (سَكَن إليه) للسكون القلبي، ويقال (سَكَن عنده) للسكون الجسماني، لأن كلمة (عند) جاءت لظرف المكان وذلك للأجسام، و(إلى ) للغاية وهي للقلوب ([1]).
والمودة هي المَحَبَّةُ ، أما الرحمة فهي الرأفة والشفقة وحسن المعاملة ، خاصة في حالِ الكِبرِ والضَّعفِ والحاجة، "فَإِنَّ الرَّجُلَ يُمْسِكُ المرأة إِمَّا لِمَحَبَّتِهِ لها، أو لِرَحْمَةٍ بها، بأن يكون لها مِنْهُ وَلَدٌ، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو لِلْأُلْفَةِ بينهما، وغير ذلك" ([2]).
- ومن مظاهر قدرة الله ورحمته وحكمته أنْ جَعَل بين الزوجين من التراحم ما لا يجده الإنسان بين ذوي الأرحام، " وليس ذلك بمجرد الشهوة، فإنها قد تنتفي- لغضب أو مرض أو عارض- وتبقى الرحمة، ولو كان بينهما مجرد الشهوة لكان كل ساعة بينهما فراق وطلاق ، فالرحمة التي بها يدفع الإنسان المكاره عن حَرِيم حَرَمِه هي من عند الله، ولا يُعلم ذلك إلا بفِكْر"([3]).
ويرى جَمْعٌ من المفسرين منهم الشيخ رشيد رضا (ت: 1354هـ) أنَّ الخطاب في قوله تعالى {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً ورحمة} (الروم: 21) "إنَّما هو للناس عامة، لا للأزواج خاصة ؛ ولذلك لم يقل (لتسكنوا إليها وتودوها)؛ أي أنه جعل من مقتضى الفطرة البشرية التوادَّ بينكم بسبب الزوجية بين الزوجين، ومن يتصل بهما بلُحْمة القرابة والنَسَب، وما زال البشر يَعُدُّون المصاهرة من أسباب العصبية بين البيوت والعشائر والقبائل؛ فهذه سنة من سنن الفطرة عرفها البدو والحضر([4]).
فسكون الزوج إلى الزوجة سبب من أسباب سعادة الزوجين، وهناء معيشتهما خاص بهما لا يشاركهما فيه أحد من الأقربين والمحبين، وأما المودة بينهما فهي من أسباب سعادة عشيرتهما أيضًا؛ لأنها متعدية؛ فهي مبعث التناصر والتعاضد والتساند، وبهذا تكون سببًا من أسباب سعادة الأمة المؤلفة من العشائر، المؤلفة من الأزواج ([5]).
الوقفة الخامسة: الزواج الشرعي هو الطريق الوحيد للسكن النفسي وإشباع الغرائز وابتغاء النسل:
الزواج في الإسلام عقد ينشأ في حماية الشرع لتحقيق مقاصد معتبرة وغايات نبيلة، فهو ليس إبقاء للنسل فقط، ولكن فيه ما هو روحي، وفيه ما هو مادي، وفيه ما هو تعبدي، وكل هذه المقاصد تساعد على الاستقرار النفسيِّ والاجتماعي([6]).
ولا يمكن أنْ تتحقق هذه المقاصد في ظل عَلاقات جنسية محرَّمة؛ لأن الغرض ليس هو بناءَ أسرة، وتربية أجيال، بل هو لقضاءِ الشهوة واستفراغها فيما حرَّم الله!! لذا لم يعترف الإسلام بأية علاقة جنسية خارج إطاره ، كما حرم الزنا وسد الذرائع الموصلة إليه، وقد توسع الإمام ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ) - في مواضع كثيرة من كُتُبه- في بيان مفاسد الزنا وأنه مناقِض لصلاح العالم، وله أثره الكبيرة في خراب الدنيا والدين، ولهذا شُرِع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها([7]).
تجدر الإشارة إلى أنَّه إذا كان الزواج طريقا لتحصيل السكن والسعادة ، فإنه ممّا لا شكّ فيه أنّ تحصيل ذلك وتحقيقه يحتاج إلى مقوّماتٍ، أهمها:
- أن يكون اختيار كل منهما للآخر مبني على الدين والخُلُق، "فاللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مَطْمَح نَظَرِه في كل شيء، لا سيما فيما تَطُول صُحْبَته"([8]).
- أنْ يعرف كل منهما ما عليه من الحقوق ويجتهد في آدائها.
أنْ تُدْرِك المرأة أنَّ الله جعل الرجل قوَّاماً عليها، بما أودع الله في جنس الرجال من صفاتٍ، ككمالِ العقل، وحُسْنِ التَّدبير، والقوَّة البدنيَّة والنَّفسية، وعلى الزوج أن يُدرك أنّ قوامته لا تعني البطش والتّسلط والإذلال، وإنما تعني المسؤلية و الرعاية وحسن العشرة.
فهذه جملة من المعاني والهدايات التي دلت عليها هذه الآية الكريمة، أسألُ الله تعالى بمنِّه وكرمه الهداية لِدِينِهِ، والاستقامة على أَمْرِهِ، والاعتبار بِآيَاتِهِ، اللهم آمين.
([1]) تفسير الرازي (25/ 91).
([2]) تفسير ابن كثير (6/ 309).
([3]) بتصرف من تفسير الرازي (25/ 92).
([4]) مجلة المنار (8/ 573).
([5]) مجلة المنار (8/ 573).
([6]) ينظر في فوائد النكاح: إحياء علوم الدين (2/ 21: 33).
([7]) ينظر على سبيل المثال : الداء والدواء (1/ 345)، (1/ 378).
([8]) فتح الباري لابن حجر (9/ 135).