هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أولاده

أراد الله تعالى أن تتميز حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بالكثير من القصص والمواقف التربوية الرائعة، التي تسهم إسهامًا كبيرًا في غرس كثير من القيم ‌التربوية السامية..

  • التصنيفات: السيرة النبوية - محبة النبي صلى الله عليه وسلم -

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

 

وبعد:

 

أراد الله تعالى أن تتميز حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بالكثير من القصص والمواقف التربوية الرائعة، التي تسهم إسهامًا كبيرًا في غرس كثير من القيم ‌التربوية السامية، ومنها ما كان مع أولاده صلى الله عليه وسلم، يوضح فيها لأمَّتِه كيف كان يتعامل مع أولاده ويوجههم توجيهًا بنَّاءً نحو التربية السليمة والهادفة.

 

 

وقد اختلف العلماء في عدة ‌أولاد ‌النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الذكور والإناث، فقال المكثرون: ومجموع أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية: (القاسم وبه كان يكنى، والطاهر والطيب، ويقال: إن الطاهر هو الطيب، وإبراهيم، وزينب زوجة ابن أبي العاص، ورقية، وأم كلثوم زوجا عثمان، وفاطمة زوجة علي بن أبي طالب، وجميع أولاده من خديجة، رضي الله تعالى عنها، إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية)[1].

 

 

وعن هديه صلى الله عليه وسلم مع أولاده: فقد تعامل أكرم الخَلق صلى الله عليه وسلم مع أولاده بإكرام، وعطف، ورعاية، وعناية، وقلب يتدفَّق رحمة، وهي مواقف تعليمية وتربوية، تحتاج إلى جهد لاستخراج فوائدها، وجني ثمارها، والاقتداء بها، ولا شك أن هذا الباب واسع ولا يمكن حصره لكثرة ما جاء فيه؛ ولكن ‌أشير ‌إلى ‌بعض هديه صلى الله عليه وسلم مع أولاده:

 

قوله صلى الله عليه وسلم عن أم المؤمنين خديجة: «وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ»:

 

أم المؤمنين خديجة هي أول من تزوجها صلى الله عليه وسلم، ومن أقرب نسائه إليه في النسب، وقد ذكر صلى الله عليه وسلم جملة من ‌فضائلها وخصالها ومحاسنها: أن رُزِقَ ‌منها ‌الولد.

 

 

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ: «إِنَّهَا كَانَتْ، ‌وَكَانَتْ، ‌وَكَانَ ‌لِي ‌مِنْهَا ‌وَلَدٌ»[2].

 

 

قوله: (إنها كانت وكانت)؛ أي كانت فاضلة وكانت عاقلة ونحو ذلك... وفيه دليل على عظم قدرها عنده، وعلى مزيد فضلها؛ لأنها ‌أغنَتْه ‌عن ‌غيرها[3].

 

 

كُنِّي ‌نبيُّنا ‌محمدٌ (صلى الله عليه وسلم) ‌أبا ‌القاسم ‌بابنه ‌القاسم، ‌وكان ‌أكبرَ ‌بنيه[4].

 

 

استحباب التكني باسم أكبر ‌الأولاد، كان النبي صلى الله عليه وسلم ‌يكنى أبا ‌القاسم، وهو أكبر ‌أولاده، وقد ‌بوَّب ‌البخاري في صحيحه لذلك فقال: ‌‌‌باب ‌كنية ‌النبي ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم[5].

 

 

عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «تَسَمَّوْا ‌بِاسْمِي، ‌وَلَا ‌تَكْتَنُوا ‌بِكُنْيَتِي»[6].

 

 

قال العلامة ابن القيم: وكان هديه صلى الله عليه وسلم تكنية من له ولد، ومن لا ولد له، ولم يثبت عنه أنه نهى عن كنية إلا الكنية بأبي القاسم، واختلف الناس في ذلك على أربعة أقوال:

 

أحدها: أنه لا يجوز التكني بكنيته مطلقًا، سواء أفردها عن اسمه، أو قرنها به، وسواء محياه وبعد مماته، وعمدتهم عمومُ هذا الحديث الصحيح وإطلاقه.

 

 

القول الثاني: أن النهي إنما هو عن الجمع بين اسمه وكنيته، فإذا أفرد أحدهما عن الآخر، فلا بأس.

 

 

القول الثالث: جواز الجمع بينهما، وهو المنقول عن مالك.

 

 

القول الرابع: إن التكني بأبي القاسم كان ممنوعًا منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جائز بعد وفاته، قالوا: وسبب النهي إنما كان مختصًّا بحياته[7].

 

 

والراجح من الأقوال:

 

أن تخصيص النهي بزمانه صلى الله عليه وسلم، وهذا أقوى؛ لأن بعض الصحابة سمى ابنه محمدًا وكناه أبا القاسم، وهو طلحة بن عبيدالله، وقد جزم الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه، وأخرج ذلك من طريق عيسى بن طلحة عن ظئر محمد بن طلحة، وكذا يقال لكنية كل من المحمدينَ ابن أبي بكر وابن سعد وابن جعفر بن أبي طالب وابن عبدالرحمن بن عوف وابن حاطب بن أبي بلتعة وابن الأشعث بن قيس: أبو القاسم، وأن آباءهم كنُّوهم بذلك، قال عياض: ‌وبه ‌قال ‌جمهور ‌السلف ‌والخلف ‌وفقهاء ‌الأمصار[8].

 

 

‌والتكنية من السنة؛ قال عمر رضي الله عنه: أشيعوا الكنى؛ فإنها منبهة.

 

 

والتكنية إعظام، قلما كان لا يؤهل له إلا ذو شرف في قومه قال:

 

‌أُكْنِيهِ ‌حِينَ ‌أُنَادِيهِ ‌لأُكْرِمَهُ *** وَلَا أُلقِّبُهُ وَالسَّوْءَةَ اللَّقَبَا[9]

 

 

‌الفرح والسرور إذا بشِّر بالولد:

 

ومن أمارات سروره صلى الله عليه وسلم بالولد: لما بشره أبو رافع، وهب صلى الله عليه وسلم له غلامًا؛ ‌ذكر ‌ابن ‌سعد ‌في الطبقات: لما ولدت مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامًا فسماه إبراهيم، وعقَّ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة يوم سابعه، وحلق رأسه فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين، وأمر بشعره فدفن في الأرض، وسماه إبراهيم، وكانت قابلتها سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، فخرجت إلى زوجها أبي رافع فأخبرته بأنها قد ولدت غلامًا، فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‌فبشَّره، ‌فوهب ‌له ‌عبدًا[10].

 

 

الفرح بالمولود والعقيقة:

 

‌والعقيقة: بفتح العين المهملة، وهو: ‌اسم لما يذبح عن ‌المولود.

 

 

وعن شكر الله على نعمة الولد، قال الطبري: كان صلى الله عليه وسلم لا يدع العقيقة عن المولود من أهله، ويَأمر بحلق رأسه يوم السابع، وأن يتصدق عنه بزنة شعره فضَّة [11].

 

 

ختامًا:

 

أسأل ‌الله ‌أن يرزق كل عقيم الذرية الصالحة، وأن ‌يرزقني وإياكم ‌القناعة بما أعطانا، وأن ‌يبارك ‌لنا ‌فيهم، وأن يزيدهم من فضله وكرمه.

 

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1] عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (8/ 103).

[2] صحيح البخاري (5/ 38) رقم (3818).

[3] فتح الباري لابن حجر (7/ 137).

[4] الأذكار للنووي ت الأرنؤوط (ص294).

[5] صحيح البخاري (4/ 186).

[6] صحيح البخاري (4/ 186) رقم(3538).

[7] زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 314، 315).

[8] فتح الباري لابن حجر (10/ 573).

[9] ربيع الأبرار ونصوص الأخيار، الزمخشري (2/ 481).

[10] الطبقات الكبرى (1/ 135).

[11] خلاصة سير سيد البشر (ص92).