قوله تعالى " محمد رسول الله والذين معه "
أبو الهيثم محمد درويش
تدبر وتأمل واعمل وجاهد نفسك لتحصيل البهاء.
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
الله تعالى وصف لنا في جمال وبهاء صورة محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحاب وأتباع وفصل لنا أوصافهم في كتابنا وكتب من قبلنا.
وعلى المؤمن الحريص أن يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة أن يحقق في نفسه هذه الخصال:
تدبر وتأمل واعمل وجاهد نفسك لتحصيل البهاء.
قال تعالى :
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} [الفتح]
قال الإمام السعدي في تفسيره:
يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجل الأحوال، وأنهم { { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} } أي: جادون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، { { رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} } أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق فإنك { {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} } أي: وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود.
{ {يَبْتَغُونَ } } بتلك العبادة { { فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} } أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه.
{ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ } } أي: قد أثرت العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت [بالجلال] ظواهرهم.
{ {ذَلِكَ} } المذكور { { مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } } أي: هذا وصفهم الذي وصفهم الله به، مذكور بالتوراة هكذا.
وأما مثلهم في الإنجيل، فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم { { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} } أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء.
{ {فَاسْتَغْلَظَ} } ذلك الزرع أي: قوي وغلظ { {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} } جمع ساق، { {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} } من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة رضي الله عنهم، هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال: { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال، ومعامع القتال.
{ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} } فالصحابة رضي الله عنهم، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، قد جمع الله لهم بين المغفرة، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة.