وقفات مع مناصحة المسؤولين

(لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان). الإمام أحمد بن حنبل.

  • التصنيفات: الدعوة إلى الله - أخلاق إسلامية -

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

١- فقد لحظت أن بعض المجتهدين يتحمسون لإنكار ما يرونه خطأ إداريًّا، أو ما فهموا أنه منكرٌ حصل من أحد المسؤولين برسائل واتس لجميع الناس، ولا أرى أن هذه الطريقة مناسبةٌ أبدًا ولا تؤدي الغرض المنشود منها.

 

٢- ومن المعلوم أن عموم إنكار المنكرات واجبٌ شرعي؛ لقوله سبحانه: ﴿  {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّ} هِ ﴾ [آل عمران: 110]، وقوله عز وجل: ﴿  {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}  ﴾ [آل عمران: 104].

 

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ))؛ (رواه مسلم) .

 

ولذا فلا يسوغ السكوت عن المنكرات ولا عن الأخطاء الإدارية، بل يجب إنكارها بالحكمة والرفق، وبالدرجة التي يستطيعها من درجات الإنكار الشرعية حسب الاستطاعة، وهي اليد واللسان والقلب.

 

٣- ولكن يُلحظ على بعض هذه الرسائل الآتي:

أولًا- بعض ما يتم إنكاره ليس منكرًا حقيقة ولا خطأ إداريًّا حقيقيًّا؛ لأن المُنكِر فهم النص الشرعي أو النظامي فهمًا خاطئًا.

 

ثانيًا- بعض هذه الرسائل تنقصها الحكمة والتأدب، وفي أسلوبها شدة واحتقار للمسؤول الذي يتم نصحه، مما يفقدها القبول.

 

ثالثًا- من الملاحظ أن هذه الطريقة يتم بها إرسال هذه الرسائل لكل الناس، بما فيهم من رجال ونساء وأطفال وعمال ومن لا يعنيهم الأمر أبدًا، وهذا أمر غير مستحسن أبدًا.

 

رابعًا- يغيب عن بال كثير ممن يرسلونها أن المسؤول في حالات عديدة ينفذ لوائح وأنظمة لا يستطيع تجاوزها.

 

خامسًا- ينبغي لمن يجتهد في النصح بهذه الطرق أن يتذكر وجوب طاعة المسؤولين في غير معصية الله سبحانه؛ لقوله عز وجل: ﴿  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلً} ا ﴾ [النساء: 59].

 

سادسًا- وهناك مسالك أصح وأفضل أثرًا من هذه الرسائل، وهي مُناصحة المسؤول مباشرة أو برسالة جوال، أو بمناصحة من يكون قريبًا من المسؤول ويؤثر عليه كالعلماء.

 

سابعًا- لا تنسَ أمرًا مهمًّا جدًّا، وهو الدعاء للمسؤول بالتوفيق والسداد، وترك ما يُنكر من أفعاله، وهناك مقولة تُنسب للإمام أحمد وللفضيل بن عياض رحمهما الله وهي: (لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان).

 

ثامنًا- وهناك محذور خطير في بعض هذه الرسائل، وهو ما تحمله من أسلوب يُثير العامة على من ولي لهم أمرًا واحتقاره وعصيانه، مما قد يُسبب اختلالًا لمعايش الناس ولأمنهم.

 

تاسعًا- تأمل كثيرًا رعاك الله في الحديث التالي:

روى مسلم عن عوف بن مالك قال: قتل رجل من حمير رجلًا من العدو، فأراد سَلَبَه، فمنعه خالد بن الوليد وكان واليًا عليهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره، فقال لخالد: (( «ما منعك أن تعطيه سلبه» ؟))، قال: استكثرتُه يا رسول الله، قال: (( «ادفعه إليه» ))، فمر خالد بعوف، فجرَّ بردائه ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرتُ لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستُغضب، فقال: (( «لا تعطه يا خالد، لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لي أمرائي؟! إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استُرعي إبلًا أو غنمًا فرعاها، ثم تحيَّن سقيَها فأوردها حوضًا فشرعت فيه، فشربت صفوه، وتركت كدره، فصفوُه لكم، وكدرُه عليهم» ))؛ (رواه مسلم) .

 

وفي هذا الحديث تنبيه نبويٌّ عظيم لمكانة الأمراء وسائر من يولون مسؤولية للناس، باحترامهم وعدم التجرؤ على مقامهم ما داموا لم يأمروا بمعصية لله.

 

عاشرًا- ويلحظ أنه كما تُبدأ بعض هذه الرسائل بشيء من الصلف تُختم بشيء من الجفاء، فلا يُدعى في نهايتها للمسؤول، وأحيانًا تختم بدعوات تحمل في مضمونها تكريسًا للاتهام والغلظة.

 

حفظكم الله ورزقكم الفقه والحكمة والرفق.

 

وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.

_____________________________________________________
الكاتب: الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل