7 حروب صنعت تاريخ وجغرافية مصر الحديثة .. أسرارها مازالت خفية
عبد المنعم منيب
ومازال الجدل دائرا حول سبب انهزام الجيش المصري بزعامة العرابيين
- التصنيفات: التاريخ والقصص -
شهدت مصر في تاريخها الحديث سبع حروب مهمة غيرت مجرى التاريخ المصري الحديث والمعاصر كما غيرت جغرافية مصر بدرجة أو بأخرى، ورغم هذا فما زالت بعض أسرار أو ملامح هذه الحروب خفية أو مثار جدل وخلاف على أقل تقدير حتى الآن.
حرب امبابة ضد حملة نابليون 1798
وأول هذه الحروب هي حرب امبابة ضد حملة نابليون على مصر عام 1798، حيث تصدى الجيش المصري للجيش الفرنسي الغازي بقيادة الجنرال نابليون بونابرت وكان الجيش المصري مكونا من المماليك والحامية العثمانية والمتطوعين المصريين من عامة الشعب وقبائل البدو، لكنه لقي هزيمة حاسمة([1])، ومازال الجدل دائر حول سبب الهزيمة الحقيقي هل هو تفوق المدفعية الفرنسية تقنيا أم سوء الاستراتيجية والتكتيك العسكري الذي اتبعه الجيش المصري؟ لا سيما وأن نفس القوات الفرنسية لقيت بعد ذلك بقليل هزائم متكررة في معارك أبي قير الأولى والثانية وعكا وبدايات ثورتي القاهرة الأولى والثانية إلى خروجها من مصر مهزومة من قبل تحالف ضم العثمانيين والمماليك و الانجليز.
ورغم هذا فهذه الحرب غيرت مجرى تاريخ مصر فانتقل بسببها من حقبة "الحكم المملوكي/العثماني" إلى حقبة "حكم محمد علي وأسرته" وما صنعته هذه الحقبة من تاريخ وجغرافيا جديدة لمصر بدءا من النهضة العلمية والتقنية وصولا الى امبراطورية الحكم العلوي التي هيمنت على الشام واغلب الجزيرة العربية وصولا لعصر الخديوي إسماعيل وإمبراطوريته الأفريقية.
حرب الإسكندرية ضد الغزو الإنجليزي 1882
وثاني هذه الحروب السبع هي حرب الإسكندرية في التصدي للغزو الانجليز على مصر عام 1882، حيث أدت هزيمة الجيش المصري فيها الى احتلال الانجليز لمصر([2]) لمدة زادت عن سبعين عاما تغير فيها مسار التاريخ المصري وتغيرت جغرافيتها حيث تنازلت مصر عن إقليم بني شنكول لإثيوبيا بداية القرن العشرين كما تمهد الواقع لتنسلخ السودان عن مصر تاليا.
ومازال الجدل دائرا حول سبب انهزام الجيش المصري بزعامة العرابيين هل سببه تهور العرابيين وسوء التكتيك العسكري الذي اتبعوه؟ أم خيانة الخديوي توفيق؟ أم إذعان السلطان العثماني للإنجليز وإعلان عرابي عاصيا؟؟
حرب فلسطين 1948
وتعتبر حرب فلسطين ضد الغزو الصهيوني لفلسطين عام 1948 هي الحرب الثالثة ضمن حروب مصر السبع التي غيرت التاريخ والجغرافيا ورغم هذا مازالت بعض أسرارها مختفية أو على الأقل يثور حولها جدل، إذ أن الجدل يدور حول سر هزيمة الجيش المصري حيث أشاع البعض وعلى رأسهم الكاتب الصحفي الشهير الراحل إحسان عبد القدوس أن الملك فاروق وأعوانه وردوا للجيش المصري أسلحة فاسدة كانت تنفجر في القوات المصرية فتقتلها بدلا من قتل قوات الصهاينة، واعتبرت هذه الإشاعة حقيقة ثابتة وأحد مبررات حركة الضباط الأحرار في خلع الملك فاروق، ولكن محكمة مصرية أصدرت حكمها في قضية الأسلحة الفاسدة في 10 يونيو 1953 ببراءة كل المتهمين من التهم المنسوبة إليهم، ما عدا اثنين حكم على كل منهما بغرامة مالية فقط، وجرت هذه المحاكمة في ظل نظام حكم الضباط الأحرار الذين خلعوا الملك فاروق بعدة اتهامات كان على رأسها الأسلحة الفاسدة التي تسببت في هزيمة 1948 أمام الصهاينة بحسب بيان ثورة 23 يوليو 1952، و من هنا ثبت بحكم قضائي نهائي أنه لم توجد أسلحة فاسدة أصلا، كما أوضحت شهادات ضباط معاصرين لحرب فلسطين 1948 ومؤرخين أن الأمر كله إشاعة روجها إحسان عبد القدوس رئيس تحرير مجلة روز اليوسف وقتها بل اعترف إحسان نفسه بذلك في حديثه مع اللواء أركان حرب متقاعد مصطفى ماهر، الرئيس السابق للجنة العسكرية لتسجيل تاريخ ثورة 23 يوليو والذي كشف عنه مصطفى ماهر نفسه في حوار صحفي عام 1976.([3])
وقد غيرت حرب 1948 جغرافية المشرق العربي ومسار تاريخه كله ومهدت لحربي 1956 و1967 ومهدت لانقلاب الضباط الأحرار في مصر في 23 يوليو 1952.
حرب العدوان الثلاثي 1956
حرب العدوان الثلاثي على مصر من قبل فرنسا وبريطانيا وإسرائيل عام 1956 هي رابع الحروب السبع التي غيرت تاريخ مصر وجغرافيتها فهي مهدت لكارثة يونيو 1967 لأن إسرائيل احتلت فيها ميناء أم الرشراش ثم لم تنسحب منها وحولتها إلى ميناء إيلات فصار لها منفذا على خليج العقبة ومنه إلى البحر الأحمر وعندما حاول الرئيس جمال عبد الناصر غلق الملاحة في وجهها اندلعت حرب 1967، لكن العدوان الثلاثي مازال الغموض والجدل يكتنف بعض جوانبه، هل انتصرت مصر فيه أم انهزمت؟ أم هل انهزمت عسكريا وانتصرت سياسيا؟ أم أنه نصر وهمي صنعه إعلام جمال عبد الناصر؟؟
عبد الناصر ومن بعده الناصريون حتى اليوم يعتبرون أنه نصر عظيم بينما معارضو جمال عبد الناصر يعتبرون هذا العدوان مجرد صراع بين قوى النظام الدولي القديم ممثلة في بريطانيا وفرنسا من جهة وقوى النظام الدولي الذي كان جديدا وقتها ممثلا في الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي، ويرى أصحاب هذا الرأي أن جمال عبد الناصر تلقى هزيمة سياسية وعسكرية لكن الذي خرج منها منتصرا ليس المعتدين الثلاثة –إسرائيل وبريطانيا وفرنسا- وانما المنتصر هو الولايات المتحدة التي أبعدت بريطانيا وفرنسا من الشرق الأوسط وألزمتهم حدهم في النظام الدولي الجديد الذي خطته في هذه الحرب([4]).
حرب 5 يونيو 1967
وتأتي الحرب الخامسة المحورية في تاريخ مصر الحديثة وهي حرب يونيو عام 1967 المشهورة باسم النكسة، ورغم اتفاق الجميع على هزيمة مصر وسوريا والأردن أمام إسرائيل في هذه الحرب ورغم تسمية الناصريين وانصارهم لها بالنكسة وليس الهزيمة إلا أن الغموض مازال يكتنف تفاصيل السبب الحقيقي لهذه الهزيمة، ورغم أن أطرافا عدة تكلمت حول دور لخيانة ما في الجيوش أو الحكومات العربية و التجسس الإسرائيلي كسبب أول أو وحيد للهزيمة فإن الجهات الرسمية لم تطرح هذا السبب، ونجد أحد أركان النظام السياسي بعصر جمال عبد الناصر أمين هويدي وهو من تولى منصب مدير المخابرات العامة المصرية والمشرف على وزارة الدفاع إثر هزيمة 5 يونيو نجده يرجع الهزيمة إلى عدم الانضباط وإهمال التخطيط و التدريب في القوات المسلحة تحت إشراف عبد الحكيم عامر في السنوات التي سبقت هزيمة 1967([5])، إلا أن أمين هويدي أورد معلومات توحي بوجود تسبب مباشر من بعض القادة في حدوث الهزيمة([6]) من مثل تغير شفرة الاتصالات صباح 5 يونيو دون ابلاغ القوات في الأردن بقيادة الفريق عبد المنعم رياض مما أدى لعدم قراءة رسالته التي وصلت القيادة العامة للقوات المسلحة صباح 5 يونيو تنذر ببدء تحرك القوات الجوية الإسرائيلية تجاه مصر([7])، وكذلك تعمد عقد اجتماع لقادة القوات المسلحة كلها في نفس الوقت الذي وقعت فيه الضربة الجوية الإسرائيلية بحيث كانت جميع مراكز القيادة في كامل مصر فارغة من قادتها فيقول هويدي: "بكل اطمئنان يطير القائد العام بطائرته ومعه نصف القيادة والنصف الآخر في المطار يودعه... وكل قيادات الجبهة موزعة بين مطار الوصول للاستقبال او في المركز الامامي للتنسيق"([8]) ونقل هويدي كلمة اللواء عبدالحميد الدغيدي قائد القوات الجوية والدفاع الجوي في سيناء عن هذا الاجتماع: "أنا أنسب الانهيار السريع في الجبهة في الساعات الأولى إلى وجود كل القادة في مطار بير تمادا وهو مكان بعيد عن مراكز القيادة والسيطرة لإدارة العمليات وقد ضرب هذا المطار قبل أي مطار آخر وبتركيز شديد مما يؤكد علم اليهود بمن فيه"([9]) لكنه أورد هذه المعلومات المريبة ونحوها بصيغة الاستفهام ولم يجب عن الاستفهامات التي طرحها.
حرب الاستنزاف
حرب الاستنزاف والتي شنتها مصر على إسرائيل بعد انتهاء هزيمة 5 يونيو واستمرت حتى وقف إطلاق النار في 8 أغسطس 1970 بقبول مصر مبادرة روجرز، تلك المبادرة التي دار ويدور حولها الجدل حتى الآن، هل قبلها عبد الناصر تحت ضغط روسي؟ هل كانت في مصلحة مصر لتلتقط أنفاسها وتكمل بناء حائط الدفاع الجوي وتكسب الرأي العالم الدولي؟ أم كانت لمصلحة إسرائيل بأن أوقفت خسائرها التي كانت تتكبدها جراء الهجمات المصرية؟([10]).
حرب 6 أكتوبر 1973
حرب 6 أكتوبر 1973 كانت الحرب السابعة في سلسلة هذه الحروب التي أثرت على تاريخ مصر الحديثة وجغرافيتها، واشتد الجدل عليها إن في عملية تطوير الهجوم باتجاه الممرات أو في سبب وقوع ثغرة الدفرسوار وأسلوب مواجهتها ووصل الجدل حتى لماهية نتيجة الحرب هل هي انتصار مصري كامل أم هزيمة كاملة؟([11]).
والخلاصة هي أن النصر أو الهزيمة في كل حرب من هذه الحروب السبع المهمة كان لها جوانب ما زالت تخفى على الكثيرين رغم أن نتائج كل منها كانت ضخمة من حيث تأثيرها على تاريخ وجغرافية مصر الحديثة، ومن هنا فالكشف عن مزيد من المعلومات بشأنها وتأملها بشكل عميق يعد أمرا بالغ الأهمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1])حول مجريات المعركة انظر: عبد الرحمن بن حسن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ط دار الجيل بيروت، ج2 ص 184 وما بعدها.
([2])حول مسار المعركة وخلاف القادة المصريين والأتراك والخديوي ومواقفهم حول استراتيجية وتكتيك الحرب انظر: الأمير عمر طوسون، "يوم 11 يوليه سنة 1882"، طبع مؤسسة هنداوى، القاهرة، ص 74 -96
([3])وممن أيد صحة هذه الإشاعة هدي جمال عبد الناصر والصحفي عزت السعدني بينما عارضها اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر و ضابط المخابرات الحربية السايق الوزير الناصري ثروت عكاشة والمؤرخ العسكري جمال حماد وكلهم من تنظيم الضباط الأحرار بالإضافة للفريق سعد الدين الشاذلي، و حول عرض أراء مؤيدي هذه الإشاعة ومعارضيها وأدلة كل منهم أنظر: وليد بدران، صفقة الأسلحة المصرية الفاسدة بين الحقيقة والأسطورة، على الرابط التالي: https://cutt.us/Thdn5
(تمت المشاهدة في 15 ديسمبر 2021).
([4])انظر على سبيل المثال: محمد جلال كشك، ثورة يوليو الامريكية، ط الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، ص 40 و ما بعدها، وكذلك 347 وما بعدها.
([5])انظر: أمين هويدي، أضواء على نكسة 1967 وحرب الاستنزاف، دار الطليعة، ط أولى بيروت 1975 ، ص 87 وما بعدها، و ص 94 وما بعدها.
([6])أمين هويدي، أضواء على نكسة 1967 وحرب الاستنزاف، ص 108 وما بعدها.
([7])أمين هويدي، نفس المصدر، ص 113 وما بعدها
([8])أمين هويدي، نفس المصدر، ص 115.
([9]) أمين هويدي، نفس المصدر، ص 64 ويعلق هويدي هنا قائلا: "رفض اللواء الدغيدي أن يترك مركز قيادته لاستقبال المشير رغما عن التنبيه عليه أكثر من مرة رغما عن اتصال قائد القوات الجوية يه وبقى في مركز قيادته وهو تصرف حميد من شخص مسئول"أ.هـ.
([10])انظر: أمين هويدي، نفس المصدر، ص 165 وما بعدها.
([11])انظر: أمين هويدي، الفرص الضائعة القرارات الحاسمة في حربي الاستنزاف و أكتوبر، شركة المطبوعات والنشر، ط أولى بيروت 1992، ص 305 وما بعدها.