علمتنى المُجادِلة (خولة بنت ثعلبة )

إيمان الخولي

أين الرجال من شجاعة هذه المرأة فى قول الحق  ؟ إنهم جيل تربى على أن لا يخاف إلا الله

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -

إنها خولة بنت ثعلبة التى نزل فى قصتها مع زوجها صدر سورة المجادلة وكانت سبباً فى نزول حكم شرعى رفع الحرج عن كثير من الرجال  وحفظ الأسرة المسلمة من الهدم  والضياع بسبب كلمة  تخرج فى وقت غضب.

سندع خولة تحكي لنا هذا الموقف قالت: «(وَاللَّهِ فِيَّ وَفِي أَوْسِ بْنِ الصَامِتٍ أنزل الله عز وجل صدر سورة المجادلة، قالت: كنتُ عنده وكان شيخاً كبيراً قد ساء خُلُقُه وضجر، قالت: فدخل عليَّ يوماً فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت عليَّ كظهر أمي، قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليَّ، فإذا هو يريدني على نفسي، قالت: فقلت: كلا، والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليَّ وقد قلتَ ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه. قالت: فواثبني، وامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها، ثم خرجت حتى جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه صلى الله عليه وسلم ما ألقى من سوء خلقه، قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا خويلة! ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه، قالت: فوالله ما برحت حتى نزل فيَّ القرآن فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُرّي عنه، فقال لي: يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك. ثم قرأ عليَّ: » {{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}} (المجادلة: 1) إلى قوله: {{وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} } (المجادلة:4)، «فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مريه فليعتق رقبة، قالت: فقلت: والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: فليصم شهرين متتابعين، قالت: فقلت: والله يا رسول الله! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر، قالت: قلت: والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنا سنعينه بعرق من تمر، قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر، قال: قد أصبتِ وأحسنت، فاذهبي فتصدقي عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا، قالت: ففعلت)» .

هذه القصة كما روتها لنا الصحابية الجليلة  نزلت الآيات ليس لنرددها فقط دون أن تعلمنا شيئا وترسخ فينا قيم حقيقية نحيا بها لينصلح بها حال أسرنا

فقد علمتنا هذه الآيات أن الله سميع عليم يسمع شكوانا ويرى حالنا ولا يخفى عليه شىء وهذا أدعى  للخوف من الله وأهمية مراقبته فى السر والعلانية والحذر من ذنوب الخلوات وعلى  الجانب الآخر يستشعر المسلم معية الله فلا يحزن ويطمئن إلى أنه على الطريق الحق يذكرنا هذا المشهد بموقف موسى وهارون وهما فى طريقهما الى فرعون إذ يقول تعالى  على لسانهما :"  { قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ"45"  قَالَ لَا تَخَافَا  إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ"} [  سورة طه]

أنظر كيف أن معية الله تطمئن النفس لا تخف  فمعك الكافى ولا تفرط فى حق الله فتفقد تلك النعمة العظيمة وتتخطفك الشياطين 

و لتطمئن كل أمرأة تشعر أن المجتمع قد ظلمها أن الله يسمع شكواها ويفرج كربها  وهو أرحم بها من أهلها وذويها فقد روى عنها أنها قالت   « (اللَّهُمَّ إِنِّي أشكو إليك، فما بَرِحَتْ حتَّى نزل جبْرَائيل بهؤلاء الْآيات)» و ليعلم المجتمع المسلم أن التعامل مع المرأة دين وليس الدين صلاة وصيام وحج فقط وأن خيرية المسلم فى حسن تعامله مع أهله كما علمنا رسول الله إذ يقول " « خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» "

وهكذا ما نزل تشريع إلا وحفظ حق المرأة فى كل حالتها زوجة وأم وأخت وابنة فلم يتركها لبشر يتحكم فيها  

كما علمتنا المجادلة مدى حرص المرأة المسلمة على أسرتها فهى تبذل الكثير من أجل استمرار حياتها الأسرية حتى وإن كان الطرف  الآخر على غير القدرالكافى  من تحمل المسئولية كم كان حرصها على طاعة الله وأن تسأل فى دينها حتى تعلم الحلال من الحرام  ونحن نرى اليوم الزوج قد يكون استنفد مرات الطلاق الثلاثة ومازالت زوجته تعيش معه تحت سقف واحد لا تدرى حراماً من حلال وقد يسأل شيخ فى علاقته بزوجته  فيحل له الحرام بالتحايل على الشرع أين الزوجة التى تقول لزوجها اتق الله فينا فنحن نصبر على البلاء ولا نصبر على الحرام ؟ أين المرأة الواعية بدينها يكون عندها الشجاعة لتسأل عن دينها حتى لا تحيا بالحرام فتنزع البركة من البيوت ؟ أين المرأة التى تدرك أن مرجعيتها لكتاب الله وسنة رسوله تحكمهم فى حياتها ولا تحكم الأهواء وكلام الناس ؟ وتثق أن فى شرع الله الكفاية والصلاح لها ولأسرتها ؟ أم أن لسان حال كثير من النساء لا تدخلوا الدين فى كل شىء  ترى السيدة خولة لم تستح وهى تحكى سر بيتها لرسول الله لأنها تعلم أنه المعلم وأنه أولى بالمؤمين من أنفسهم تعلمنا درساً أن إذا أرادت المرأة أن تحكى مشكلة بينها وبين زوجها تتخير أهل التقوى والصلاح ولا تحكي لكل من تقابله فهى فى الأصل لا تريد أن تكشف سر بيتها إنها تريد الحل وليس التشهير

 فنجد أن  السيدة عائشة  كانت بجوارهما ولم تسمع شيئا برغم أنها معهم فى نفس المجلس فنجدها تقول : « "لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها، وما أسمع ما تقول"، ولكن حرص المرأة على عدم إفشاء أسرار الزوجية وعلمها أن هذا من الإيمان وإن من يفعل ذلك يعد من شرار الناس فعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا )» [رواه مسلم] .

وتخيل أن قرآناً ينزل فى امرأة تشكى إلى الله قضية أسرية ويخلد ذكر هذه القصة فى قرآن يتلى إلى يومنا هذا إنه لشرف عظيم للمرأة وإعلاء لمكانتها وأنها شقيقة الرجل عليها من الواجبات ولها من الحقوق التى تعتبر وقد تحدث القرآن عن قصص لنساء كان لهم الأثر فى مجتمعاتهن آن ذاك أمثال مريم بنت عمران واسيا زوجة فرعون ونحن نأخذ منها العظة والعبرة ونتعبد بها ونتلوها فى صلاتنا

إن هذه القصة تعطى العبرة والعظة فى كيفية إدارة الأزمات إدارة حكيمة خاصة وإن كان أحد الأطراف سيىء الطباع

وليعلم المسلمون أن الصحابة كانوا بشراً يصيبون ويخطئون ولكنهم سريعى الرجوع إلى الله والتوبة والإنابة يقفون  عند حدود الله وكانت  القصة تحدث  فينزل تشريع بها فيكون  لنا الأسوة الحسنة ولهم الأثر الطيب على الأمة الإسلامية من بعدهم إلى يومنا هذا

وتعلمنا كيف أن المجتمع يكون فى عون الفرد حتى يؤدى ما عليه من دين أو كفارة أو أى طاعة وهذا ظهر فى  تعاونهم على جمع الكفارة  فكان لهم الأثر فى رأب الصدع فى بيوت المسلمين وليس كما نراه الآن فى حل المشاكل الأسرية نجد التشهير بها على وسائل التواصل وكل يدلو بدلوه وقد يعينون الشيطان على أخيهم فيكونون هم السبب فى خراب البيت

لذا كان من المناسبة بين الآيات فى سورة المجادلة أن يأتى الحديث عن طبيعة عمل الشيطان وأنه يحزن ابن أدم  إذ يقول تعالى :" {إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (10)}  فى هذه السورة  يتناسب مع قصة الصحابية لأن أكثر عمل يفتخر به الشياطين هو هدم الأسر المسلمة  كما بين لنا حديث رسول الله فعن جابر  بن عبد الله  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" « إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ.» " تصور الآن مدى فرحته بمعدل  الطلاق الحادث فى المجتمع المسلم فنجده يتسلل إلى الزوجة ويذكرها بعيوب الزوج أو العكس و أنها تستحق أفضل من هذا الزوج ويزين له ولها الحرام يظل الشيطان يعد ويمنى حتى يمقت كل منهما الآخر وتستحيل الحياة بينهما وليس ذلك كله إلا لأنهما اتبعوا خطوات الشيطان

ولم يغلقا  كل المنافذ التى يدخل منها الشيطان  بالتقوى والاحتساب عند الله   دون انتظار الأجر من الطرف الأخر وليعلموا أنه لا يستوى أبدا بناء قائم على طاعة الله وبناء قائم على معصيته إذ يقول تعالى : {(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)} [التوبة: 109].

 فهل سمع المدعون بأن الإسلام ظلم المرأة بهذه القصة وغيرها من القصص التى تخص المرأة فى القرآن ؟يا ليتهم يتدبرون القرآن قبل أن يخرجوا إلى الناس بأفكارهم العقيمة .

كما علمتنا المجادلة الشجاعة فى مواجهة المواقف وقد  ذُكر من شجاعتها ما روى  عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في خلافته والناس معه على حمار، فاستوقفته طويلاً ووعظته، وقالت: "يا عمر! قد كنت تدعى عُمَيْراً، ثم قيل لك: عمر، ثم قيل لك: أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر! فإنه من أيقن بالموت خاف الفَوْت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب. وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له: يا أمير المؤمنين! أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟. فقال: واللهِ! لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟" [تفسير القرطبي

أين الرجال من شجاعة هذه المرأة فى قول الحق  ؟ إنهم جيل تربى على أن لا يخاف إلا الله ونحن على ماذا ربينا ابنائنا وفى النهاية تعطينا هذة الصحابية خولة  الدرس فى أن المرأة المسلمة لها من الأثر الواسع على الأمة الاسلامية فانظرى ماذا تركت ؟  والدرس الثانى أن الحفاظ على البيت واستمراريته  هو فى الأصل يرجع لزوجه حكيمة عاقلة تعبر بأسرتها بر الأمان لتنال رضى  الله والجنة