لماذا أطلقت حماس صواريخ على إسرائيل؟
من الملاحظ أنه قبل ثلاثة أيام من إطلاق حماس صواريخها التي قالت عنهما أنهما أطلقا بطريق الخطأ، كانت فصائل المقاومة الفلسطينية قد اختتمت، مناورة "الركن الشديد 2"، بعد 4 أيام من التدريبات المشتركة
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
مع صباح أول يوم في السنة الجديدة خرج علينا المتحدث العسكري باسم جيش الكيان الصهيوني أفيخاي أدرعي على تويتر بتصريح مفاجئ يقول فيه: "في وقت سابق هذا الصباح، تم رصد إطلاق صاروخين من قطاع غزة نحو البحر الأبيض المتوسط، سقطا قبالة سواحل منطقة تل أبيب الكبرى"، وأضاف المتحدث الاسرائيلي "وفقا للسياسة المتبعة لم يتم تفعيل إنذارات أو أعمال اعتراض".
وأظهر مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، انفجار أحد الصاروخين في البحر قبالة سواحل يافا قرب تل أبيب، بينما ظهر أن الثاني سقط قبالة سواحل بلماحيم جنوب مدينة ريشون لتسيون.
وفي نفس الوقت، أرسلت حماس رسالة عن طريق الوسيط المصري قالت فيها، إن الصاروخين انطلقا بسبب سوء حالة الطقس، ووفقا لقناة كان الإسرائيلية، فقد كان المسؤولون الإسرائيليون يعتقدون في البداية أن حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية كانت مسؤولة عن إطلاق الصاروخين، وليست حركة حماس.
وسرعان ما جاء اعلان جيش الكيان أنه سيرد على الصاروخين اللذين انطلقا من غزة وسقطا قبالة شواطئ تل أبيب.
وبالفعل لم يكد يمضي النهار حتى شنّت طائرات الاحتلال الإسرائيلي بعيد منتصف ليل السبت غارات جوية متتالية شمال قطاع غزة وجنوبه، فيما أطلقت المقاومة مضادات أرضية، وقصف الجيش الإسرائيلي موقع القادسية غرب خان يونس بـ 5 غارات متتالية، كما استهدفت مدفعية الاحتلال نقطة للضبط الميداني شرق بلدة بيت حانون شمال القطاع.
من جهته، أكد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي استهداف مواقع تدريب عسكرية وأحد الأنفاق التابعة لحماس، وقصف أيضا منشأة لصنع الصواريخ تابعة لحركة حماس. كما قصفت دبابات إسرائيلية مواقع في شمال غزة.
ولكن الجديد في الأمر أن حماس كما يقول الجيش الإسرائيلي أطلقت صواريخ مضادة للطائرات على المروحيات الإسرائيلية، لكنه لم يعلق على عددها، وبحسب الجيش الصهيوني فإن الصواريخ أخطأت هدفها ولم تتسبب بسقوط إصابات أو أضرار.
وكما تذكر المصادر الإسرائيلية، فإن صواريخ حماس التي استعملتها لأول مرة لإسقاط الطائرات المهاجمة، هي من طراز سام7 وهي صواريخ أرض-جو روسية الصنع تطلق من على الكتف، وهي صواريخ قديمة نسبيا، حيث تم تصنيعها لأول مرة في الستينيات، لكنها لا تزال قيد الاستخدام حتى اليوم.
والسؤال المثار هل تم إطلاق صواريخ حماس والتي تسببت في العدوان الصهيوني بالفعل عن طريق الخطأ كما تقول حماس؟ أم إنه إطلاق تجريبي لاختبار هذه الصواريخ كما تذكر بعض المصادر الإسرائيلية؟
من الملاحظ أنه قبل ثلاثة أيام من إطلاق حماس صواريخها التي قالت عنهما أنهما أطلقا بطريق الخطأ، كانت فصائل المقاومة الفلسطينية قد اختتمت، مناورة "الركن الشديد 2"، بعد 4 أيام من التدريبات المشتركة، وصرح بعدها الناطق باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع، أن المناورة تعكس حجم الشراكة بين الأذرع العسكرية للمقاومة، وأضاف إن المناورة أكدت قدرة غرفة الأذرع العسكرية وجاهزيتها لمواجهة أي عدوان محتمل على الشعب الفلسطيني، وحمايته في القدس المحتلة والضفة وداخل السجون.
يوحي رد الفعل الإسرائيلي العنيف على الصواريخ الفلسطينية، أنه يعتقد على الأقل أن الصواريخ أطلقت تجريبيا لتختبر حماس مدى صواريخها ودقتها، وأنها لم تكن خطأ.
ولكن إذا لم يكن إطلاق الصواريخ خطأ أو إطلاق تجريبي، وأن هناك نية بالفعل للإطلاق والتصعيد؟ وإذا كانت هذه النية صحيحة، ماذا ترمي اليه تلك العملية؟ وما هدفها؟
لمعرفة الاجابة على هذه الأسئلة يقتضي تحليل أمرين:
الأول تقصي دوافع حماس في المرات التي حدثت فيها مواجهات عسكرية مع الاحتلال.
والأمر الثاني تحليل الموقف الراهن في الصراع الإقليمي الحالي.
سمات حروب حماس الأخيرة
سنحاول تتبع المواجهات العسكرية بين حماس والاحتلال منذ ان تمكنت حماس من حكم غزة في عام 2007 عقب فوزها في الانتخابات النيابية، والتي أعقبها سيطرتها العسكرية على مقرات السلطة الفلسطينية والتي تحالفت مع الكيان الصهيوني محاولة عرقلة عمل حكومة حماس المنتخبة، ومن خلال تتبع هذه المواجهات أو الحروب سنحاول تحديد الطرف الذي بدأ الحرب في كل مرة، ثم نتائج كل مواجهة ومكاسب وخسائر كل طرف من كل مواجهة، لعله يفيدنا في اكتشاف هل حماس هي التي بدأت بالفعل هذه المرة أيضا؟
خاضت حماس منذ عام 2008 ما يقرب من خمسة حروب مع إسرائيل منذ تسلمها حكم غزة وكانت كالتالي:
في 27 ديسمبر 2008، شنت إسرائيل هجوما عسكريا على غزة استمر 22 يوما بعدما أطلق فلسطينيون صواريخ على بلدة سديروت بجنوب إسرائيل، وأطلق الكيان الصهيوني على تلك العملية الرصاص المصبوب، فيما أطلقت عليها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اسم حرب الفرقان، وأشارت أكثر التقارير مصداقية وقتها إلى مقتل 1400 فلسطيني و13 إسرائيليا قبل الاتفاق على التهدئة.
وقالت تقارير دولية إن الجيش الإسرائيلي ألقى في الحرب الأولى قرابة مليون كيلوجرام من المتفجرات على قطاع غزة، وبحسب مؤسسة (توثيق) الحكومية فقد هدمت إسرائيل في تلك الحرب أكثر من 4100 مسكن بشكل كلي، و17000 بشكل جزئي.
وبلغت خسائر الحرب الاقتصادية في قطاع غزة أكثر من مليار دولار أمريكي، حسب مؤسسة توثيق.
أما المواجهة الثانية فقد كانت في 14 نوفمبر من عام 2012، حين اغتالت إسرائيل القائد العسكري لحماس أحمد الجعبري وتلا ذلك إطلاق المسلحين الفلسطينيين صواريخ على إسرائيل، وأعقبها ضربات جوية إسرائيلية على مدار ثمانية أيام، وأطلقت إسرائيل على تلك العملية عامود السحاب، فيما أسمتها حركة حماس حجارة السجيل، وأسفرت تلك العملية العسكرية عن مقتل 162 فلسطينيًا بينهم 42 طفلاً و11 سيدة، وإصابة نحو 1300 آخرين بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فيما قتل 20 إسرائيليًا وأصيب 625 آخرين، معظمهم بالهلع، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
وهدمت إسرائيل 200 منزل بشكل كامل، خلال هذه العملية، ودمرت 1500 منزل بشكل جزئي، إضافة إلى تضرر عشرات المساجد وعدد من المقابر والمدارس والجامعات والمباني والمؤسسات والمكاتب الصحفية.
في يوليو وأغسطس عام 2014، أدى خطف حماس وقتلها ثلاثة جنود إسرائيليين إلى حرب استمرت 51 يوما أسمتها إسرائيل الجرف الصامد، فيما أطلقت عليها حماس اسم العصف المأكول، وقدر الخسائر وقتها بمقتل 2100 فلسطيني في غزة بينهم 578 طفلاً و73 إسرائيليا منهم 67 عسكريا.
وفي مارس عام 2018، انطلقت احتجاجات فلسطينية على حدود قطاع غزة مع إسرائيل وفتحت القوات الإسرائيلية النار عليها لإبقائها وراء الحدود. وذكرت المصادر الصحفية أيامها إلى مقتل أكثر من 170 فلسطينيا في الاحتجاجات، التي استمرت شهورا والتي دفعت أيضا إلى اشتباكات بين حماس وقوات إسرائيلية.
في مايو من عام 2021، وبعد شهور من التوتر خلال شهر رمضان، اشتبكت الشرطة الإسرائيلية مع محتجين فلسطينيين قرب المسجد الأقصى بسبب دعوى قضائية تواجه فيها ثماني أسر فلسطينية احتمال الطرد من ديارها بالقدس الشرقية لصالح مستوطنين يهود، وفي اعقاب ذلك وبعد مطالبة إسرائيل بسحب قواتها الأمنية من الأقصى أطلقت حماس وابلا من الصواريخ من غزة على إسرائيل. وردت إسرائيل بضربات جوية على غزة.
وبعدها أعلن الكيان الصهيوني إن 12 شخصا قتلوا في إسرائيل، والتي بدورها قتلت نحو 160 من النشطاء الفلسطينيين. ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن 232 فلسطينيا قتلوا منهم 65 طفلا وأصيب أكثر من 1900 بجروح، وفي أعقاب ذلك أصدرتا حماس والحكومة الإسرائيلية بيانين بإعلان موافقة الطرفين على هدنة.
وتقول مجلة لوبوان الفرنسية عن نتائج تلك الحرب إن غزة قد تكون بالفعل خرجت مدمرة من الحملة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، وإن قوة الضربات التي وجهها الجيش الإسرائيلي لمواقع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد تكون قوضت بالفعل قدراتها العسكرية، لكن الشيء الأكيد أن الحركة خرجت من هذه الحملة أقوى سياسيا من ذي قبل.
من هذا الاستعراض السريع للمواجهات العسكرية الكبرى بين حماس والكيان الصهيوني، نجد أن حماس قد أشعلت في بعضها لهيب المعارك، أو استغلت الصلف الإسرائيلي للتصعيد العسكري مع إسرائيل، فيما يبدو الى أن حماس كانت تريد دائما أن تختار توقيت الصراع العسكري، ليكون خدمة لهدف سياسي لها.
وهنا تكمن الخطورة بالنسبة لحماس فقد يكون هذا الهدف السياسي مرتبطا بها أي بأجندتها في الداخل الفلسطيني فقط، كاختبار قدراتها العسكرية، أو توحيد الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو في الضفة أو في مناطق 48، حينها يكون التصعيد الحمساوي مبررا ومقبولا في ظل صراع استراتيجي طويل الأمد.
ولكن وجه الخطورة يكمن في أن حماس ربما تفكر أو تحاول أن تجمع بين أهدافها الداخلية، وبين خدمة أجندات إقليمية تطالب حماس بدفع فاتورة مساندة هذه الأطراف الإقليمية للمقاومة ودعمها العسكري والمالي، في خضم حصار صارم على حماس ومنع الدعم القادم لها من القوى العربية والإسلامية.