هَمَسات في كلمات 3

سالم محمد

من أعظم المعضلات في العلمانية غياب المرجعية، فلا يوجد مقياس للعدل والظلم، والخير والشر، ومحاسن الأخلاق ومساوئها، بينما في الإسلام (الوحي هو الفَيْصَلُ بين الحق والباطل)

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، فمع الباقة الثالثة من الهمسات، نسأل الله أن يجعلها من العلم الذي يُنتَفعُ به بعد الممات

 إذا وقعت لك مصيبة، فالكثير والكثير من يحثونك على الصبر وينسون قرينَه أَلا وهي الصلاة فقد «(كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا حزَبه أمرٌ صلَّى)» ، وقبل ذلك حثنا ربنا بقوله: {(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)} ، فعند المصيبة يضطرب الإنسان، وذكر الله تعالى يثبت القلوب {(أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ)} ، حتى إنه في حال الحرب أُمِرْنا بكثرة الذكر: {(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )} ، والصلاة من أفضل الذكر، وهي (صلة بين العبد وربه)، فكم هي المصائب التي مرت علينا ولم نفزغ إلى الصلاة، فلنحاصر مصائبنا بسياج من الصبر والصلاة؛ لتتحول من محن إلى منح، ومن رزايا إلى عطايا، ونحصل على الجوائز الكبرى كما في قوله تعالى: {(أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)} ، أوقوله: {(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)} .

 الشريعة الإسلامية {(مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)} ، فشرْعُ الله تعالى في منتهى العدل والحكمة والرحمة، وعلينا أن نتقبله بالتسليم التام، {(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)} ، فنحن عادة ما نستسلم لبشر كالطبيب في تشخيصه والأدوية التي يأمرنا بتناولها ونثق في ما يقول؛ ولو كان شق بطون أبنائنا؛ ولا نناقش في ذلك ولو ناقشنا لن نفهم، هذا مع أن الطبيب بشر يخطئ ويصيب وينسى ويغفل وقد يكون مجرماً يتعمد الضرر بمرضاه، فيسقيهم السم الزعاف بدل الدواء الناجع، فكيف بعد ذلك نناقش في أحكام الله وشرعه ولله المثل الأعلى، فاللذين يعرضون شرع الله على عقولهم القاصرة إنما يناقضون أنفسهم ويهلكونها، فالأمر لله من قبل ومن بعد . . {(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)} .. فمن السفاهة أن نسلِّم عقولها إلى دساتير أو قوانين مرجعيتها استفتاء أو تصويت من لا يعلم عدد المواد في الدستور فضلا عن معرفة خيرها من شرها أو عواقب تطبيقها، وبين أيدينا والحمد لله كتاب { (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)} ، {(هُدًى لِلنَّاسِ)} ، {(أَحْسَنَ الْحَدِيثِ)} ، { (كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ)} ، إذا الواجب الاتباع، قال تعالى {(وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)} .

 في القرآن رفع الله من شأن العلم والعلماء، لذا من السخف أن يقال أنَّ سبب تأخر المسلمين هو تطبيق الشريعة الإسلامية، فلو طبقت الشريعة الإسلامية لفاق المسلمون كل الأمم في جميع المجالات، {(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) } وهذا حصل بالفعل فيما مضى، فالأمم الأخرى يتقدمون مادياً بالتخلي عن أديانهم الباطلة، كما فعل الأوروبيون عندما تحرروا من قبضة الكنيسة النصرانية، العكس في الإسلام التمسك به رفعه وعزة والبعد عنه تخلف عن ركب الآخرين كما هو الواقع الذي نعيشه، والنصوص طافحة بالحث على العلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم «(طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ)» ، وقال عليه الصلاة والسلام «(...ارجِعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومُرُوهم)» ، و( «فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة» )، وأما كتاب ربنا فجاء فيه: {(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)} ، فمن يرى أن الإسلام ضد العلم الدنيوي النافع فهو إما جاهل أو مكابر.

 أول معصية عُصِيَ الله بها الكِبْر، فالمتكبر يرفض الحق بحجج واهية مضحكة، حتى لو كان هو يعلم بطلانها، فهو {(يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)} ، فالكبر مانع لقبول الحق، وبالتالي الهلاك، وإمام التكبرين إبليس: {(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)} ، ولهذا قال سفيان بن عيينة رحمه الله:(من كانت معصيته في كِبر، فاخش عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبرا فلُعِن!)، فتأمل أن كثير من كفار قريش منعهم الكبر من اتباع الحق مع أنهم رأوا بأم أعينهم المعجزات، ويعرفون الرسول صلى لله عليه أمانته وصدقه، والمتكبر مبغوض في الأرض والسماء، و(يُحشَرُ المتكبِّرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ يغشاهم الذُّلُّ من كلِّ مكانٍ يُساقون إلى سجنٍ في جهنَّمَ يُقالُ له : بُولَسُ تعلُوهم نارُ الأنيارِ يُسقَوْن من عُصارةِ أهلِ النَّارِ طِينةَ الخَبالِ)، فمن رد حقاً فهو متكبر، أما المؤمنين فقال الله عنهم: {(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ)} .

 من الحواجز القوية بين المظلومين وحقوقهم ما يسمى بـ (الواسطة) أو المحسوبية، كما أنها سبب رئيسي لارتفاع الأسافل وتمكنهم من المناصب، وفي الحديث: «(حتى يُقال للرجل: ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مِثقالُ حبةٍ من خردلٍ من إيمان)» ،عندها تضطرب سفينة المجتمع ويُوشَك أنْ تغرَق، فالمعيار الشرعي الصحيح لتولي المناصب الأمانة والقوة، والقوة تشمل كل ما يحتاجه فقد تكون علمية أو جسدية أو قوة شخصية كل كرسي بحسبه {(إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ)} ، ومن مواصفات الملك الذي أرسله لبني إسرائيل: {(قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)} .

 نحن مغموسون غارقون في بحار نعم الله تعالى، فمنا الشاكرون الذين يسخرون ما أنعم الله عليهم في طاعته، ومنا الجاحدون الذين يستعينون بنعم الله على معاصيه وظلم عباده، فالصنف الأول غارق في انهار الخير، والصنف الآخر يتدنس بمستنقعات الرذيلة الآسنة، و(الشكر مبني على خمس قواعد ، هي خضوع الشكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره) كما في مدارج السالكين، أما إنْ أردتَ درساً عمليا للشكر فإليك ما قاله (رجل لأبي حازم : ما شكر العينين يا أبا حازم ؟ قال : إن رأيت بهما خيرًا أعلنته، وإن رأيت بهما شرًا سترته , قال : فما شكر الأذنين ؟ قال : إن سمعت بهما خيرًا وعيته، وإن سمعت بهما شرًا أخفيته , قال : ما شكر اليدين ؟ قال : لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقًا لله هو فيهما , قال : ما شكر البطن ؟قال : أن يكون أسفله طعامًا، وأعلاه علمًا , قال : ما شكر الفرج ؟قال : كما قال الله تبارك وتعالى : " {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} " إلى قوله : " { فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} "  وأنت شاكر لله. وأما من شكر بلسانه، ولم يشكر بجميع أعضائه؛ فمثله كمثل رجل له كساء، فأخذ بطرفه ولم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر! ».)، اللهم اجعنا من العباد الشاكرين.

 من أعظم المعضلات في العلمانية غياب المرجعية، فلا يوجد مقياس للعدل والظلم، والخير والشر، ومحاسن الأخلاق ومساوئها، بينما في الإسلام (الوحي هو الفَيْصَلُ بين الحق والباطل)،  فكل مقياس بشري يمكن معارضته، عقل، فلسفة، تصويت، استفتاء، واستبدال شرع الله بغيره تخلف همجي، وجاهلية مقيته: {(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)} ، فلا يمكن أن يفصل بين الناس إلا وحي رباني، ومخالفته اتبع للأهواء: {(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)} .

 بين الله لنا في القرآن أن اليهود والنصارى حرفوا كتبهم ووصفهم الله بقوله: {(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ)} ، ونحن بحمد الله قد حفظ الله لنا القرآن ولكن هناك من يحاول تحريف المعنى، ولذا (كل من يتلاعب بنصوص الشرع ويحرّفها فيه شَبَهٌ من اليهود، وهو مُتوعَّد بعقوبة الله تعالى)، قال تعالى:( {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} )، فالحذر ممن يحرفون المعنى وما أكثرهم، كمن يزعم أن قوله تعالى {(فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) } للتخيير وهذا خطأن والصحيح أنَّ (هذا من باب التهديد والوعيد الشديد) كما قال ابن كثير رحمه الله، أو من يزعم أنَّ قوله تعالى: {(لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)} ، دليل على جمع الحق والباطل بما يسمى بالدين الإبراهيمي، حيث يبنون مسجد يوحد الله، وكنسية تدعي (أن الله ثالث ثلاثة)، أو اليهودية الذي وصفهم الله بقوله {(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ)}

         وإلى اللقاء في همسات أخريات،،،