التحذير من اتباع الكفار
عباد الله، إن للكفار عاداتٍ وعبادات، ومحللات ومُحرَّمات، وأغلالاً وتشديدات، ودينُنا الحنيف دين يُسْر، ودين سماحة، ودين الخير والفضيلة، دين العزة والرفعة إلى الدرجات العليا، مملوء بما يُغنينا عن متابعاتِهم وابتداعاتهم،
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية - النهي عن البدع والمنكرات -
أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن القرآن نزل من فوق سبع سموات؛ للعمل به أمرًا ونهيًا، نزل للاستشفاء به من جميع أمراض القلوب، نزل للاستنارةِ به من غياهب الجهل ودياجير الظلام، نزل القرآن ليَصِل عالم الأرض بعالم السماء، وليَميز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، والمؤمن من الشاك، فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104].
أتدرون ما معنى: يا أيها؟ (يا) حرف نداء، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} منادى، وممن هذا النداء؟! أهو من مخلوق، أنت وهو سواء، أم هذا النداء من رب العباد؟ رب الأرض والسماء، ممن يَملِك ما بينهما وما تحت الثرى، ممن يعلم السرَّ وأخفى، من الإله الرازق، إليه المآب والمنتهى، وإليه المرجع والمصير، مهما تكبَّر الإنسان وبغى وطغى، أتدرون ما الغرض من هذا النداء؟ إنه يدعو إلى المبادرة والانقياد، ومَن امتنع فإن المنادي له بالمرصاد؛ ولأنه نداء ممن يُمهِل ولا يُهمِل، ممن لا يُعجِزه شيء ولا يفوته أمرٌ، إنه نداء ممن أمره إذا أراد شيئًا {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه تُرجعون، تصوَّروا لو كان هذا النداء من أمير، أو شرطة، أو دائرة قضاء، أو هاتف، أو بواسطة عمدة، أو أي فرْد من الورى، كيف شعور أحدنا وكيف تجاوبنا؟ نعم إنه المبادرة؛ مخافة العقوبة العاجلة، فكيف بمن بيده العقوبة العاجلة والآجلة، وإن كانت الإجابة لولي الأمر واجبة الامتثال؛ فهي أمر من الله تعالى؛ حيث قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، ما دام متقيِّدًا بأمر الله - جل وعلا - إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الله، ثم إن الله - سبحانه - شرَّفكم بهذه الصفة؛ صفة الإيمان؛ تحمل صاحبها على سرعة الامتثال، والتي تشعر بإيمانه في الدنيا والآخرة، ولقد كرَّم الله - عز وجل - أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بهذا النداء في تسعة وثمانين موضعًا من القرآن، وكان يُنادي الذين من قبلكم بقوله: يا أيها المساكين، فاسم المؤمن أشرف الأسماء والصفات، فإذا كان يُخاطِبنا في الدنيا بأشرف الأسماء والصفات، فنرجو من فضله أن يُعامِلنا في الآخرة بأحسن المعاملات، فماذا بعد ذلك أيها المسلمون؟
جاء رجل إلى ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال: اعهد إليَّ، فقال: "إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا، فارعها سمعَك؛ فإنه خير يؤمر به، أو شر ينهى عنه))، إذًا فإنما الذي بعد هذا النداء هو شرٌّ نحن منهيُّون عنه، وهو مشابهة الكفار في أعمالهم وأقوالهم، وهم أعداء الله، لهم عذاب أليم، سواء كانوا يهودًا، أو نصارى، أو شيوعيين ملحدين، أو مجوسًا، أو وثنيين، فالمسلم منهي عن التشبه بالكافر في جميع أعماله وأقواله وعبادته، وغير ذلك من أمورهم التي لم تَشرُع لنا ولم نقرر عليها؛ حتى يتميَّز جنود الرحمن من جنود الشيطان.
نزلت هذه الآية - وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 104] - في اليهود الذين يَدْعون محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بهذه الكلمة، وهي (راعنا)، وهم يقصدون بها السوء؛ لأنها تحمل معنى المذلَّة والهوان؛ ولأن معناها عندهم يحمل معنى الدعاء عليه، بمعنى: اسمع غير مُسمَع، أو اسمع لا سمعتَ، أو أنها من الرعونة، وهي: السخرية والاستهزاء، فاستعملها المسلمون في مخاطبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ففرح بها اليهود، فأبطل الله تعالى كيدَهم ومكرَهم بنهي المؤمنين عن استعمالها، فانظر أخي المسلم نهي الله تعالى المسلمين عن مشابهة اليهود بالأقوال، والمسلمون مع ذلك لم يَقصدوا سوءًا، فكيف إذا عرف المسلمون سوء نياتهم ومقاصدهم، فشابهوهم عبادة أو عادة؟ ففي مشابهتهم خطورة عظيمة، ومخاوفُ جسيمة على المسلمين، ففيها دَلالة على ضَعْف الإيمان، إن لم يدلَّ على الكفر، وفي مشابهتهم تخذيل بالمسلمين وتشجيع للكفار، ومشابهة هذه الأمة لليهود والنصارى وفارس والروم مما ذمَّه الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في عدة آيات وأحاديث لا تُحصى، فمن الآيات قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113]، وقوله {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِين} [البقرة: 145]، ومن الأحاديث ما رواه الإمام أحمد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بُعِثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظلِّ رمحي، وجعلت الذِّلة والصغار على من خالَف أمري، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم»، والله - سبحانه وتعالى - قد بيَّن قبائح أفعالهم قبل مَبعَث محمد -صلى الله عليه وسلم- وأراد أن يُبيِّن قبائحهم وجدهم واجتهادهم في القدح فيه والطعن في دينه؛ لأنهم لم يؤمنوا برسالته ولا بما أنزل الله عليه من القرآن، وكلما كثرتْ مخالفتهم، كثر البعد منهم، والقرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالمرء مع من أحب، وزعَم بعض من أظهر الإسلام أنهم يحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأفعالُهم تُخالِفه، فأمر الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يتحدَّاهم بقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
ولقد روي أن سعد بن معاذ - رضي الله عنه - سمع من اليهود كلمة (راعنا)، فقال: يا أعداء الله، عليكم لعنة الله، والذي نفسي بيده، لأن سمعتُها من رجل منكم يقولها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأضربنَّ عُنقَه؛ فقالوا: أولم تقولوها؟ فنزلت هذه الآية، فرضي الله عن سعد وأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين عرفوا أهداف اليهود فصمدوا أمامهم، وقوله تعالى: {وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة: 104]، هذا من دواء الله لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بعدما بيَّن الداء قبله، وقوله: {وَاسْمَعُوا}، أي: سمع طاعة وانقياد وامتثال لفِعل الأوامر واجتناب المنهيات، لا كاليهود الذين قالوا: سمعنا وعصينا؛ حسدًا وطعنًا في دين محمد -صلى الله عليه وسلم-: {وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 46].
عباد الله، إن للكفار عاداتٍ وعبادات، ومحللات ومُحرَّمات، وأغلالاً وتشديدات، ودينُنا الحنيف دين يُسْر، ودين سماحة، ودين الخير والفضيلة، دين العزة والرفعة إلى الدرجات العليا، مملوء بما يُغنينا عن متابعاتِهم وابتداعاتهم، بل وحتى عما شرع لهم؛ لأن ما يعملون به من كُتبهم وهو القليل إذا صحَّ العمل به، فقد وضَّحه لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعليه لا شرع إلا شرعه -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48].
ولقد جاء في نظام المسلمين مع الذميين بأنهم ألزموهم توقير المسلمين، وألا يُظهِروا شعاراتهم في أسواق المسلمين، وألا يُشابِهوا المسلمين في زيهم ومركبهم وحملهم السلاح، فالتزم الذميون واليهود والنصارى بذلك.
فكيف إذا انعكس الأمر، فأخذ المسلمون بمشابهتم في أعيادهم أو عاداتهم، فما يُحدِثونه من بدعٍ في الأعياد؛ كالاحتفال بمناسبة ميلاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو غير ذلك، فهو بدعة مُحدَثة في ديننا، حذَّرنا منها رسولنا، وبيَّن أنه ليس لنا إلا عيدان فيهما عبادة الله وإظهار الفرح والسرور وإظهار شيء من الزينة بطريقة تُخالِف طريقة الكفار، وإن كانت هذه الأعياد غير موجودة في بلادنا ولله الحمد، لكن قد يسمعها بعضنا من وسائل الإعلام الخارجية، فيَظن أن هذا أمر جائز، ولو كان جائزًا أو مستحبًّا لفعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ميلاد عيسى أو فعله الصحابة في ميلاد محمد -صلى الله عليه وسلم- فظهر أن فعْله بدعة مُحدَثة، ولو زعموا ذلك محبة للرسول -صلى الله عليه وسلم- لأن محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الاتباع لا في الابتداع، وأما أعياد الكفار، فهي كثيرة لا تُحصى من ميلاده وغيره، يجب اعتقاد مخالفتها، والبعد عن التصديق بها، وعدم مداهنتهم؛ فإنهم يُكنون لنا البغض والحسد والحقد مهما أظهروا لنا المودةَ والمحبةَ، فاتقوا الله أيها الإخوة المسلمون، والتزموا بشرع الله ولا تُفرِّطوا في عقيدتكم ومعتقداتكم، وإياكم ومُحدَثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
_____________________________________________________
الكاتب: الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم