كلمة عن صلة الرحم

قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي، وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي، قَطَعَهُ اللهُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

  • التصنيفات: الحث على الطاعات - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -

الحمد لله حمدًا حمدًا، والشكر له حتى يرضى.

الحمد لله رب العالمين، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، وأفضل الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين.

 

قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22].

 

عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي، وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي، قَطَعَهُ اللهُ» (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).

 

لقد دلَّت الآية الكريمة ووضحت أهمية صلة الرحم، وتواصل الأقارب من جهة الأب الأم لِما فيه من الأجور العظيمة، وتأثيرها على حياة الإنسان في دنياه وفي آخرته، فهي من الأسباب الجالبة للرزق، وطيب العيش، وطول العمر؛ كما ذُكر في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»؛ [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ].

 

فعليك يا عبدالله أن تجاهد نفسك، وتصبر على إحياء هذه العبادة واستمرارها، وإخلاصها لله، وتحكيم العقل والبعد عن العاطفة في حل المشكلات والمنازعات بين الأرحام.

 

كانت خصومة رسولنا صلى الله عليه وسلم مع أقاربه في بداية دعوته للإسلام، ومع ما واجهه من الأذية من أقاربه، كان يدعو الله ويقول: «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين»، والمقصود هنا: عمرو بن هشام المشهور بـ"أبي جهل"، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهذا دليل على رجاحة عقله صلى الله عليه وسلم في خصومته، فكان حريصًا على صلاح واستقامة أقاربه.

 

مما يعين على استمرار التواصل:

    1- نسيان السلبيات من الكلام والأفعال المسيئة، وإحسان الظن إلى أبعد الحدود.


    2- التغاضي والتغافل، فلا يتوقف عند كل زلة أو عند كل موقف ويبحث لهم عن المعاذير.


    3- ترك المنة عليهم والبعد عن مطالبتهم بالمثل.


    4- الرضا بالقليل من الأقارب، ولا يعود نفسه على استيفاء حقه كاملًا.


    5- اصطحاب أولادك معك لزيارة الأقارب؛ لتعويدهم على الصلة ولتعريفهم بأقاربهم.


    6- حفظ الأنساب والتعرف على الأقارب؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم».


    7- بعد موعد الزيارة عن التي تليها وقصرها، وتجنب التكلف موصًى به؛ لتفادي الملل والاشتياق لموعد الزيارة التالي

     

    من أسباب قطيعة الرحم:

      1- الجهل بفضل صلة الرحم وعاقبة قطيعتها.


      2- التقليد للوالدين؛ إذ ربما لم يَرَ من أبيه أنه يصل أقاربه، فيصعب على الابن وصل قرابة أبيه، وكذلك بالنسبة للأم.


      3- الانقطاع الطويل، فعندما ينقطع عن أرحامه وقتًا طويلًا يستصعب أن يصلهم، ويسوف، حتى تتولد الوحشة بينهم ويألف القطيعة.


      4- التكلف عند الزيارة: وهذا يضيق به المتكلِّف والمتكلَّف له.


      5- قلة الاهتمام بالزائر: وهذا عكس السابق والخير في الوسط.


      6- قلة تحمل الأقارب وعدم الصبر عليهم، فأدنى كلمة وأقل هفوة تسبب التقاطع.


      7- نسيان الأقارب في دعوتهم عند المناسبات؛ مما يجعل هذا المنسيَّ يفسر هذا النسيان بأنه احتقار لشخصه؛ فيقوده هذا إلى قطع رحمه.


      8- الحسد: قد يكون في العائلة غنيًّا أو وجيهًا له مكانته في العائلة، فيحسده بعض أفراد العائلة على ما آتاه الله من فضله.


      9- عدم الاحترام المتبادل بين أفراد العائلة، وربما أدى ذلك إلى التقاطع، فالذي يسخر منه ويستهزئ به عند اجتماع العائلة لن يأتي إلى هذا الاجتماع مرة أخرى.


      10- سوء الظن: بعض الأقارب قد يطلب من قريبه حاجة، فلا يستطيع تلبيتها له، ويعتذر منه، فيسيء هذا الطالب الظنَّ بقريبه، ويتهمه أنه يستطيع، ومع ذلك لم يفعل وله مقاصد في رفضه، وهذا يولد نفرة وتباغضًا، وربما ظن بعض الأقارب بقريبهم أنه غني وعنده مال، ومع ذلك لا يعطيهم، وقد يكون هذا الشخص محملًا بالديون، وإن أظهر للناس الغِنى، ومن سوء الظن التفسيرات الخاطئة للمواقف.


      11- السعي بالنميمة: فالنمام يفسد بين الناس، يأتي لهذا القريب وينقل له كلامًا من قريب آخر؛ يسبب هذا النقل تغير الود بينهما.


      12- قد يكون السبب من بعض الزوجات: إذ إن هناك مِن الزوجات مَن تنفر زوجها من أقاربه، ولا تريدهم، فتقول وتعمل ما يجعل هذا الزوج ينفر من أرحامه؛ فمثلًا بعض الزوجات تحاول إبعاد زوجها عن أرحامه بكلامها، فإذا تكلمت معه، قالت: فلان لا يحبك، فلان لا يحترمك، فلان يحتقرك، إنما جاءك لحاجةٍ، فإن لم تكن حاجة نسيك، وربما استغلت بعض المواقف لتدلل على قولها؛ مما يثير حفيظة هذا الزوج على أرحامه، وبعضهن تتضايق من زوجها، عندما يصل أرحامه، وتغضب، وتفتعل الخلاف معه؛ مما ينغص عليه عيشه؛ فيضطر إلى ترك وصل أرحامه، وبعضهن تقف في طريقه عندما يريد استضافة أرحامه، وبعضهن تظهر العبوس والتضايق عندما يأتي أرحام زوجها؛ مما يجعلهم يتراجعون عن زيارته مرة أخرى، وبعضهن تغار على زوجها من أخواته، وربما من أمه ومحارمه، فتبدأ بلومه وتقريعه على ممازحته لأخته ومضاحكته لابنة أخيه، وهكذا، حتى يتضايق من ذلك، ويترك هذا خوفًا من لومة الزوجة العزيزة، ولا شك أن على الزوج ألَّا ينقاد لأمر زوجته فيما يغضب الله، ويسبب قطيعة الرحم وعدم وصلها.


      13- قد يكون من الأسباب المعاملاتُ المالية؛ إذ يكون هذا اشترى من هذا شيئًا فتبين له أنه غشه أو انتقص هذا من الثمن، أو أقرضه وماطل في السداد، ونحو ذلك من المعاملات المالية.

       

      قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الواصِلُ بِالْمُكافئ، ولكن الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»؛ (رواه البخاري).

       

      فعن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه: ((أنَّ رجُلًا قال: يا رسول الله، إنَّ لي قرابةً أصلُهم ويقطعونني، وأحسن إليْهِم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: لئن كنتَ كما قلتَ، فكأنَّما تسفُّهم الملَّ - والملُّ: الرَّماد الحار - «ولا يزال معك من الله ظهير عليْهم ما دُمْتَ على ذلك»؛ (رواه مسلم).

       

      وأخبر عليه الصلاة والسلام أنَّ من وصل رحِمَه، وَصَلَهُ الله تعالى برحمته وبعطفه وإحسانه؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَت الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُو لَكِ، قَالَ رَسُولُاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُم:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22].

       

      فاحذَرْ أنْ تكونَ ممَّن قطَع رَحِمَه فقَطَعَه اللهُ، وعلينا أن نوصي الأبناء وتعويد النشء والأجيال القادمة بضرورة التلاحم والترابط الأسري، وتجنب الخلافات، وتقديم التنازلات قدر الإمكان لتجنب القطيعة.