درر وفوائد من التحفة العراقية لشيخ الإسلام ابن تيمية -1

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

أعمال القلوب...من أصول الإيمان, وقواعد الدين, مثل: محبة الله ورسوله, والتوكل على الله, وإخلاص الدين له, والشكر له, والصبر على حكمه, والرجاء له

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, رسالته الجيدة النافعة: " التحفة العراقية في الأعمال العراقية " تكلم فيها على أهمية أعمال القلوب, ودرجات الناس فيها, وعن بعض الأعمال القلبية, مثل: الصدق والإخلاص, والتوكل, والرضا, والمحبة,  كما تكلم عن مسائل. كالحزن, والصبر, والشكر والاستغفار, والعبادة, والبدعة, والأسباب التي تندفع بها العقوبات.

والتحفة العراقية, تحفة على اسمها, مليئة بالدرر, والفوائد, وقد اخترت بعضاً منها, أسأل الله الكريم أن ينفع الجميع بها.

أعمال القلوب: أهميتها وحكمها:

أعمال القلوب...من أصول الإيمان, وقواعد الدين, مثل: محبة الله ورسوله, والتوكل على الله, وإخلاص الدين له, والشكر له, والصبر على حكمه, والرجاء له,...وهذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخلق...باتفاق أئمة الدين.

درجات الناس في أعمال القلوب:

الناس فيها على " ثلاث درجات " ,كما هم في أعمال الأبدان على " ثلاث درجات": ظالم لنفسه, ومقتصد, وسابق بالخيرات.

 فالظالم لنفسه: العاصي بترك مأمور, أو فعل محظور.

والمقتصد: المؤدي الواجبات والتارك المحرمات.

والسابق بالخيرات: المتقرب بما يقدر عليه من فعل واجب, ومستحب, والتارك للمحرم, والمكروه.

وكل من الصنفين: المقتصدين, والسابقين من أولياء الله, الذين ذكرهم الله في كتابه بقوله: { ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون* الذين آمنوا وكانوا يتقون ) } [يونس:62_63] فحد أولياء الله: هم المؤمنون المتقون, ولكن ذلك ينقسم إلى عام, وهم المقتصدون, وخاص, وهم السابقون, وإن كان السابقون هم أعلى درجات كالأنبياء والصديقين.

وأما الظالم لنفسه من أهل الإيمان فمعه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه, كما معه ضد ذلك بقدر فجوره, إذ الشخص الواحد قد يجتمع فيه الحسنات المقتضية للثواب, والسيئات المقتضية للعقاب.

الصدق والإخلاص:

الصدق والإخلاص هما في الحقيقة تحقيق الإيمان والإسلام, فإن المظهرين للإسلام ينقسمون إلى مؤمن ومنافق, والفارق بين المؤمن والمنافق هو الصدق, فإن أساس النفاق الذي يبنى عليه هو الكذب, ولهذا إذا ذكر الله حقيقة الإيمان نعته بالصدق, كما في قوله تعالى: {( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا )} [الحجرات:14] إلى قوله: {( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ )} [الحجرات:15]

فأخبر أن الصادقين في دعوى الإيمان هم المؤمنون الذين لم يتعقب إيمانهم ريبة, وجاهدوا في سبيله بأموالهم وأنفسهم.

وأما المنافقون فوصفهم سبحانه بالكذب في آيات متعددة, كقوله تعالى: {(فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ )} [البقرة:10] وقوله تعالى: {( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) } [المنافق:1]

وما ينبغي أن يعرف أن الصدق والتصديق يكون في الأقوال, وفي الأعمال, كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: ( كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة. فالعينان تزنيان وزناهما النظر, والأذنان تزنيان وزناهما السمع, واليدان تزنيان وزناهما البطش, والرجلان تزنيان وزناهما المشي, والقلب يتمني ويشتهي, والفرج يصدق ذلك ويكذبه.)

 

ويقال حملوا على العدو حملة صادقة, إذ كانت ارادتهم للقتال ثابتة جازمة, ويقال: فلان صادق الحب والمودة, ونحو ذلك. ولهذا يريدون بالصادق: الصادق في ارادته وقصده وطلبه, وهو الصادق في عمله.

ويريدون الصادق في خبره وكلامه. والمنافق ضد المؤمن الصادق, وهو الذي يكون كاذباً في خبره, أو كاذباً في عمله كالمرائي في عمله, قال الله تعالى: {( إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ)} [النساء:142]

وأما الإخلاص فهو حقيقة الإسلام, إذ الإسلام هو الاستسلام لله لغيره, كما قال تعالى: {(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ)} الآية. [الزمر:29] فمن لم يستسلم لله فقد استكبر, ومن استسلم لله ولغيره فقد أشرك, وكل من الكبر والشرك ضد الإسلام, والإسلام ضد الشرك والكبر.

وهذا الذي ذكرناه مما يبين أن أصل الدين في الحقيقة هو الأعمال الباطنة من العلوم والأعمال وأن الأعمال الظاهرة لا تنفع بدونها, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين, وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس, فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه, ألا وإن لكل ملك حمى, ألا وإن حمى الله محارمه, ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد, وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب) وعن أبي هريرة قال: القلب ملك, والأعضاء جنوده, فإذا طاب الملك طابت جنوده, وإذا خبث الملك خبثت خبثت جنوده.

 

التوكل:

التوكل أعمّ من التوكل في مصالح الدنيا, فإن المتوكل يتوكل على الله في صلاح قلبه, ودينه, وحفظ لسانه, وإرادته, وهذا أهم الأمور إليه, ولهذا يناجي ربه في كل صلاة بقوله {( إ ِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )} [الفاتحة:5] كما في قوله تعالى: {( فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ )} [هود:123] وقوله: {(قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ) } [الرعد:30]فهو قد جمع بين العبادة والتوكل في عدة مواضع, لأن هذين يجمعان الدين كله ولهذا قال من قال من السلف: إن الله جمع الكتب المنزلة في القرآن, وجمع علم القرآن في المفصل, وجمع علم المفصل في فاتحة الكتاب, وجمع علم فاتحة الكتاب في قوله {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

وعلى هذا فالذي ظنّ أن التوكل...لا يطلب به إلا حظوظ الدنيا, غلط, بل التوكل في الأمور الدينية أعظم. وأيضاً التوكل من الأمور الدينية, التي لا تتم الواجبات والمستحبات إلا بها والزاهد فيها زاهد فيما يحبه الله ويأمر به ويرضاه والزهد المشروع هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة, وهو فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله. كما أن الورع المشروع: هو ترك ما قد يضر في الدار الآخرة وهو ترك المحرمات والشبهات التي لا يستلزم تركها ترك ما فعله أرجح منها كالواجبات. فإما ما ينفع في الدار الآخرة بنفسه, أو يعين على ما ينفع في الدار الآخرة. فالزهد فيه ليس من الدين, بل صاحبه داخل في قوله تعالى: {( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )} [المائدة:87]

والاستعانة بالله, والتوكل عليه, واللجأ إليه, والدعاء له, هي التي تقوى العبد, وتيسر عليه الأمور ولهذا قال بعض السلف من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله

الرضا:

وأما الرضا فقد تنازع العلماء والمشايخ من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم, في الرضا بالقدر, هل هو واجب أو مستحب ؟ على قولين: فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين, وعلى الثاني يكون من أعمال المقربين. قال عمر بن عبدالعزيز: الرضا عزيز, ولكن الصبر معول المؤمن.

ولهذا لم يجيء في القرآن إلا مدح ذلك لا إيجاب ذلك, وهذا في الرضا بما يفعله الرب بعبده من المصائب كالمرض والفقر والزلزال, كما قال تعالى: {(وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ) } [البقرة:177] وقال تعالى: {(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا ) } [البقرة:214] فالبأساء في الأموال, والضراء في الأبدان, والزلزال في القلوب

وأما الرضا بما أمر الله به فأصله واجب, وهو من الإيمان, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ذاق طعم الإيمان من رضى بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد نبياً.)

والرضا وإن كان من أعمال القلوب فكماله هو الحمد, حتى أن بعضهم فسر الحمد بالرضا, ولهذا جاء في الكتاب والسنة حمدالله على كل حال, وذلك يتضمن الرضا بقضائه, وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «( إنه كان إذا اتاه الأمر يسره, قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, وإذا أتاه الأمر الذي يسوءه قال: الحمد لله على كل حال.)»

والحمد على الضراء يوجبه مشهدان:

أحدهما: علم العبد بأن الله سبحانه مستوجب لذلك, مستحق له لنفسه, فإنه أحسن كل شيء خلقه, وأتقن كل شيء, وهو العليم الحكيم, الخبير الرحيم.

الثاني: علمه بأن اختيار الله لعبده المؤمن, خير من اختياره لنفسه, كما روى مسلم في صحيحه وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والذي نفسي بيده لا يقضى الله للمؤمن قضاء إلا كان خيراً له, وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن, إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له, وإن أصابته ضراء صبر, فكان خيراً له.)

فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم إن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذي يصبر على البلاء, ويشكر على السراء فهو خير له, قال تعالى: {(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)} [إبراهيم:5] وذكرهما في أربعة مواضع من كتابه.  

محبة الله ورسوله:

محبة الله, بل محبة الله ورسوله من أعظم واجبات الإيمان, وأكبر أصوله, وأجل قواعده, بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين, كما أن التصديق به أصل كل قول من أقوال الإيمان والدين, فإن كل حركة في الوجود إنما تصدر عن محبة, إما محبة محمودة, أو محبة مذمومة.

فجميع الأعمال الإيمانية الدينية لا تصدر إلا عن المحبة المحمودة, وأصل المحبة المحمودة هي محبة الله سبحانه وتعالى, إذ العمل الصادر عن محبة مذمومة عند الله لا يكون عملاً صالحاً. فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه, كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يقول الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك, فمن عمل عملاً فأشرك فيه غيري, فأنا منه بريء, وهو كله للذي أشرك.)  

وثبت في الصحيح حديث الثلاثة الذين هم أول من يسعر بهم النار: ( القارئ المرائي, والمجاهد المرائي, والمتصدق المرائي.)

والعبادة تتضمن كمال الحب ونهايته, وكمال الذل ونهايته, فالمحبوب الذي لا يعظم ولا يذل له لا يكون معبوداً, والمعظم الذي لا يحب لا يكون معبوداً, ولهذا قال تعالى: {( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ )} [البقرة:165] فبين سبحانه أن المشركين بربهم الذين يتخذون من دون الله أنداداً, وإن كانوا يحبونهم كما يحبون الله, فالذين آمنوا أشدّ حباً لله منهم لله ولأوثانهم, لأن المؤمنين أعلم بالله, والحب يتبع العلم, ولأن المؤمنين جعلوا جميع حبهم لله وحده, وأولئك جعلوا بعض حبهم لغيره واشركوا بينه وبين الأنداد في الحب, ومعلوم أن ذلك أكمل.

الجهاد دليل المحبة الكاملة, قال تعالى: {( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) } [التوبة:24] وقال تعالى في صفة المُحبين المحبوبين: {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} ۚ([المائدة:54] فوصف المحبوبين المحبين بأنهم أذلة على المؤمنين, أعزة على الكافرين, وأنهم يجاهدون في سبيل الله, ولا يخافون لومة لائم.

فإن المحبة مستلزمة للجهاد, لأن المحب يحب ما يحب محبوبه, ويبغض ما يبغض محبوبه, ويوالي من يواليه ويعادي من يعاديه ويرضى لرضاه ويغضب لغضبه ويأمر بما يأمر به, وينهى عما ينهى عنه. فهو موافق له في ذلك. وهؤلاء هم الذين يرضى الرب لرضاهم, ويغضب لغضبهم, إذ هم يرضون لرضاه, ويغضبون لما يغضب له.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه: «( لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشى بها, فبي يسمع, وبي يبصر, وبي يبطش, وبي يمشي, ولئن سألني لأعطينه, ولئن استعاذني لأعيذنه, وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن, يكره الموت, وأنا أكره مساءته ولا بد له منه.)»   وإذا كانت المحبة أصل كل عمل ديني, فالخوف والرجاء وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع إليها, فإن الراجي الطامع إنما يطمع فيما يحبه لا فيما يبغضه, والخائف يفر من الخوف لينال المحبوب.