الحالة في الجاهلية

امتدت الفترة ما بين عيسى عليه السلام وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأكثر من ستة قرون، وفيها انقطع الوحي، وتوقف إرسال الرسل، وفي هذه الفترة عاشت جزيرة العرب فترة انقطاع عن الاتصال بدين سماوي، وشريعة تضبط أمور الناس...

  • التصنيفات: التاريخ والقصص - - آفاق الشريعة -

امتدت الفترة ما بين عيسى عليه السلام وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأكثر من ستة قرون، وفيها انقطع الوحي، وتوقف إرسال الرسل، وفي هذه الفترة عاشت جزيرة العرب فترة انقطاع عن الاتصال بدين سماوي، وشريعة تضبط أمور الناس، وتُرْسي بينهم العدالة والحق، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 19]، فكانت عادات جاهلية وَفْق هوى القبائل التي تمارسها مع شرك ظاهر، واتخاذ أصنام أربابًا من دون الله، مع انتشار الربا والغزو والعدوان والثأر ووأد البنات، مع بقية من الديانة الحنيفية، والاتفاق على تقديس البيت الحرام، واحترام ساكنيه، وانتشار شيَم عربية جديرة بالاحترام؛ مثل: الكرم والشجاعة وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف.

 

وقد ورد في القُرْآن الكريم ما يكشف كثيرًا مما كان يحدث في تلك الفترة؛ فمن الناحية العقدية: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24]، وعن تأليه الأصنام عيَّرهم الله تعالى بسخافة عقولهم، ومرض تفكيرها؛ لأنهم اتخذوا من الحجارة آلهة يعبدونها وهم يظنون أنها تنفعهم، فقدموا لها كل احترام وتقديس، ونسُوا الله خالقهم، وأن بيده النفع والضر: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم: 19 - 22].

 

كما عاب بعضَ عاداتهم الموغلة في الخطأ والظلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، كما عيَّرهم بردة فعلهم وحالتهم النفسية وما كانوا عليه عندما تولَد لهم مولودة: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58، 59].

 

هذه هي الحالة العامة في جزيرة العرب من حيث العقيدة والعادات الجاهلية، وقد سُمي الناس فيها بأهل الفترة؛ لخلوِّها من نبي مبلغ أو داعية يدعو وَفْقَ منهج سماوي، وفي الحديث الذي أخرجه أحمد عن الأسود بن سريع: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (( «أربعة يوم القيامة؛ رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هَرِم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا، وأما الأحمق فيقول: رب، لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهَرِم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أعقِل شيئًا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب، ما أتاني لك رسول، قال: فيأخذ مواثيقهم ليُطيعُنَّه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده، لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا» )).

 

أربعة أصناف من الناس يُعذَرون، ومنهم أهل الفترة، حيث يؤخذ عليهم العهد والميثاق بأن يطيعوا الله بما يأمرهم به، فعندما يأمرهم بدخول النار يخافون، وربما امتنعوا، وهذا عصيان للأمر ونقض للعهد، ولو أطاعوا لكانت النار بردًا وسلامًا، وهذا امتحان لهم، ينجح من ينجح فيه، ويسقط من يسقط، وقيل عن أهل الفترة: يُعرَض عليهم الإسلام في حالة تشابه أمثالهم، فمن يؤمن فقد فاز، ومن يعرض فقد خسِر.

_______________________________________

الكاتب: د. محمد منير الجنباز