رياضة النفس (1)

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

والأخلاق الجميلة هي الأبواب المفتوحة من القلب إلى نعيم الجنان, وجوار الرحمن, والأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - أعمال القلوب -

الخلق الحسن صفة سيد المرسلين, وأفضل أعمال الصديقين, والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة, والمهلكات الدامغة, والمخازى الفاضحة, والرذائل الواضحة, والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين, المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين.

والأخلاق الجميلة هي الأبواب المفتوحة من القلب إلى نعيم الجنان, وجوار الرحمن, والأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس.

فضيلة حسن الخلق ومذمة سوء الخلق:

قال الله تعالى لنبيه مثنياً عليه ومظهراً نعمته لديه: ( { وإنك لعلى خلق عظيم )} [القلم:4] وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن. وقال عليه الصلاة والسلام: «( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )» وقال صلى الله عليه وسلم: «( أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق ) » وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني, فقال : «( اتق الله حيثما كنت, وأتبع السيئة الحسنة تمحها, وخالق الناس بخلق حسن)»   وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: «( اللهم حسنت خلقي, فحسن خُلقي) »

قال الحسن: من ساء خلقه عذب نفسه.

وقال أنس بن مالك: إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجة في الجنة وهو غير عابد, ويبلغ بسوء خلقه أسفل درك في جهنم وهو عابد.

وقال يحيى بن عاذ: في سعة  الأخلاق كنوز الأرزاق.

وصحب ابن المبارك رجلاً سيء الخلق في سفر, فكان يحتمل منه, ويداريه, فلما فارقه بكى, فقيل له في ذلك, فقال: بكيته رحمة له, فارقته وخلقه معه لم يفارقه.

بيان حقيقة حسن الخلق وسوء الخلق

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم, وطلب الحلال, والتوسعة على العيال.

وقال الحسن: حسن الخلق: بسط الوجه, وبذل الندى, وكف الأذى.

أمهات الأخلاق أصولها أربعة: الحكمة, والشجاعة, والعفة, والعدل.

ونعنى بالحكمة: حالة للنفس بها يدرك الصواب من الخطأ في جميع الأفعال الاختيارية

ونعنى بالعدل حالة للنفس وقوة بها تسوس الغضب والشهوة وتحملها على مقتضى الحكمة, وتضبطها في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها.

ونعنى بالشجاعة كون قوة الغضب منقادة للعقل في إقدامها وإحجامها.

ونعنى بالعفة تأديب قوة الشهوة بتأديب العقل والشرع.

فمن اعتدال هذه الأصول الأربعة تصدر الأخلاق الجميلة كلها.

إذ من اعتدال قوة العقل يحصل حسن التدبير, وجودة الذهن, وثقابة الرأي

وأما خلق الشجاعة: فيصدر منه الكرم والنجدة والشهامة وكسر النفس والاحتمال والحلم والثبات وكظم الغيظ والوقار

وأما خلق العفة فيصدر منه السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع واللطافة والمساعدة والظرف وقلة الطمع.

فأمهات محاسن الأخلاق هذه الفضائل الأربعة...والباقي فروعها.

ولم يبلغ كمال الاعتدال في هذه الأربع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, والناس بعده متفاوتون في القرب والبعد منه....وكل من جمع كمال هذه الأخلاق استحق أن يكون بين الخلق ملكاً مطاعاً.

قبول الأخلاق للتغير بالرياضة:

اعلم أن بعض من غلبت عليه البطالة استثقل المجاهدة والرياضة, والاشتغال بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق, فلم تسمح نفسه بأن يكون ذلك لقصوره, ونقصه, فزعم أن الأخلاق لا يتصور تغيرها فإن الطباع لا تتغير.

فنقول: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغير, لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات ...وكيف ينكر هذا في حق الأدمي, وتغيير خلق البهيمة ممكن, إذ ينقل الباري من الاستحياش إلى الإنس, والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية, والفرس من الجماح إلى السلامة والانقياد, وكل ذلك تغيير للأخلاق.

الأسباب التي ينال به حسن الخلق:

الأول: جود إلهي, وكمال فطري, بحيث يخلق الإنسان ويولد كامل العقل, حسن الخلق قد كفى سلطان الشهوة والغضب فيصير عالماً بغير تعليم مؤدباً من غير تأديب

الثاني: اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة, وأعنى حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب

الثالث: مشاهدة أرباب الفعال الحميدة, ومصاحبتهم, وهم قرنا الخير, وإخوان الصلاح, إذ الطبع يسرق من الطبع الشر والخير جميعاً.

فمن تظاهرت في حقه الجهات الثلاث حتى صار ذا فضيلة طبعاً واعتياداً وتعلماً فهو في غاية الفضيلة.

ومن كان رذلاً بالطبع, واتفق له قرناء السوء, فتعلم منهم, وتيسرت له أسباب الشر, حتى اعتادها فهو غاية البعد من الله عز وجل, وبين الرتبتين من اختلفت فيه من هذه الجهات, ولكل درجة في القرب والبعد بحسب ما تقتضيه صورته وحالته.

الطريق إلى تهذيب الأخلاق:

النفس في علاجها بمحو الرذائل والأخلاق الرذيلة عنها, وجلب الفضائل والأخلاق الجميلة لها, مثال البدن في علاجه بمحو العلل عنه, وكسب الصحة له, وجلبها إليه, وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملاً وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية بالغذاء, فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال, وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم. وكما أن العلة المغيرة لاعتدال البدن الموجبة للمرض, لا تعالج إلا بضدها, فإن كانت من حرارة فبالبرودة. وإن كانت من برودة فبالحرارة, فكذلك الرذيلة التي هي مرض القلب, علاجها بضدها, فيعالج مرض الجهل بالتعلم, ومرض البخل بالتسخي, ومرض الكبر بالتواضع, ومرض الشره بالكف عن المشتهى تكلفاً.

وكما أنه لا بد من الاحتمال لمرارة الدواء, وشدة الصبر عن المشتهيات لعلاج الأبدان المريضة, فكذلك لا بد من احتمال مرارة المجاهدة, والصبر لمداوة مرض القلب بل أولى. فإن مرض البدن يخلص منه بالموت, ومرض القلب والعياذ بالله تعالى مرض يدوم بعد الموت.

الطرق الذي يعرف به الإنسان عيوب نفسه:

اعلم أن الله عز وجل إذا أراد بعبده خيراً بصره بعيوب نفسه, فمن كانت له بصيرة نافذة لم تخف عليه عيوبه, فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج, فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله طرق:

الأول: أن يطلب صديقاً صدوقاً ديناً فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه ينبه عليه.

الثاني: أن يستفيد معرفة عيوبه من ألسنة أعدائه فإن عين السخط تبدى المساوي.

الثالث: أن يخالط الناس فكل ما رآه مذموماً فليتفقد نفسه ويطهرها من كل ما يذمه

        كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ