أسباب السعادة من أقوال أهل السعادة - 1
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: اللذة التامة والفرح والسرور، وطيب العيش، والنعيم، إنما هو في معرفة الله، وتوحيده والأُنس به
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فزوال الهموم, وذهاب الغموم, وجلاء الأحزان, وراحة البال, مطلب لكل إنسان في هذه الحياة, فهي السعادة التي ينشدها كل إنسان, لكن لا يمكن أن يسعد الإنسان ويرتاح وتزول همومه وغمومه وأحزانه, وهو فاقد لنعمة الإسلام, ونعمة الإيمان بالله, والهداية, وهؤلاء الكفار عندما فقدوا هذه النعم, صارت حياتهم: بؤس وشقاء, ورعب وهلع,, وخوف وأحزان, وهموم وغموم, رغم ما يتمتعون به من نعم دنيوية, قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: السعادة في الدنيا والآخرة ليست بوجود الأسباب الدنيوية فهم عندهم [أي: الكفار]من الأسباب الدنيوية الشيء الكثير ومع ذلك لم يسعدوا في حياتهم إذا عندهم من الشقاء والبؤس ما لله به عليم
إن السعادة في الاستقامة, فمن رام السعادة الحقيقية فليجاهد نفسه ليكون من أهل الهداية, فلا تقتصر سعادته على الحياة الدنيا, بل يكون سعيداً في دنياه, وفي قبره, وفي آخرته, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الموت لا بدّ منه, فإن كان العبد من أهل الهداية, كان سعيداً بعد الموت, وكان الموت موصلاً له إلى السعادة الدائمة الأبدية, فيكون رحمة في حقه.
ومن رغب البحث عن أسباب السعادة, فليبحث عنها عند أهل السعادة, وهم العلماء الربانيون, وقد يسّر الله الكريم لي, فجمعتُ بعضاً من أقوالهم, عن أسباب السعادة, أسأل الله أن ينفعني والمسلمين بها.
- معرفة الله جل جلاله, وتوحيده وإفراده بالعبادة:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: اللذة التامة والفرح والسرور، وطيب العيش، والنعيم، إنما هو في معرفة الله، وتوحيده والأُنس به، والشوق إلى لقائه، واجتماع القلب والهمِّ عليه، فإن أنكد العيش عيش من قلبه مُشتت، وهمه مفرَّق؛ فاحرص أن يكون همُّك واحدًا, وأن يكون هو الله وحده، فهذا غاية سعادة العبد، وصاحب هذه الحال في جنة معجلة قبل جنة الآخرة وفي نعيم عاجل.
وقال: التوحيد يفتح للعبد....باب السعادة.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: هذان الأمران وهما: معرفته وعبادته, هما اللذان خلقا الله الخلق لأجلهما, وهما الغاية المقصودة منه تعالى لعباده, وهما الموصلان إلى كل خير وفلاح وصلاح, وسعادة دنيوية وأخروية, وهما أشرف عطايا الكريم لعباده, وهما أشرف اللذات على الإطلاق وهما اللذان إن فاتا فات كل خير, وحضر كل شر
وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك: السعادة سببها توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له, وطاعته وطاعة رسله, هذه أسس السعادة.
وقال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: سعادة العبد وعِظَم صلاح قلبه, وعِظَم صلاح روحه, بأن يكون تعلقه بالله جل وعلا وحده.
وقال الشيخ عبدالعزيز محمد السدحان: توحيد الله تعالى من أعظم أبواب السعادة
- محبة الله جل جلاله:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: محبة الله وحده, ومحبة ما أحبّ, وهذه المحبة هي أصل السعادة ورأسها. وقال: المحبة...روح الإسلام, وقطبُ رحى الدين, ومدار السعادة والنجاة وقال: أعظم سعادة العبدة...تفريغ قلبه لحب الله, ولسانه لذكره.
- الاعتصام بالله عز وجل والتوكل عليه:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: مدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله, والاعتصام بحبله, ولا نجاة إلا لمن استمسك بهاتين العصمتين.
فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة, والاعتصام به يعصم من الهلكة
والاعتصام به فهو التوكل عليه والامتناع به, والاحتماء به وسؤاله أن يحمى العبد ويمنعه, ويعصمه ويدفع عنه.
- طاعة الله عز وجل وعبادته:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الطاعة عاقبتها سعادة الدنيا والآخرة.
وقال أسعد الخلق أعظهم عبودية لله وقال سعادة العبد أن يفعل المأمور ويترك المحظور
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: رب العالمين, وأرحم الراحمين, وأقدر القادرين, ...لا تُنال سعادة إلا بطاعته. وقال: فأوامره سبحانه, وحقه الذي أوجبه على عباده, وشرائعه التي شرعها لهم, هي قرة العيون, ولذة القلوب, ونعيم الأرواح وسرورها, وبه سعادتها. وقال: امتثال أمر الله...غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده
وقال السعدي رحمه الله: امتثال أمر الله وقبول وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة
- تقديم حق الله جل جلاله على هوى النفس:
وقال العلامة ابن عبدالسلام رحمه الله: السعادة كلها في اتباع الشريعة, في كل ماورد, وصدر, ونبذ الهوى فيما يخلفها.
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ما قدَّم أحد حق الله على هوى نفسه وراحتها إلا رأى سعادة الدنيا والآخرة, ولا عكس ذلك فقدم حظ نفسه على حق ربه إلا ورأى الشقاوة في الدنيا والآخرة.
- الرد عند التنازع إلى حكم الله ورسوله:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قال تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]؛ أي: هذا الذي أمرتكم به من طاعتي وطاعة رسولي وأولي الأمر، وردِّ ما تنازعتم فيه إليَّ وإلى رسولي - خير لكم في معاشكم ومعادكم، وهو سعادتكم في الدارين، فهو خير لكم وأحسن عاقبة...فدلَّ هذا على أن طاعة الله ورسوله وتحكيم الله ورسوله هو سبب السعادة عاجلًا وآجلًا
- اتباع سنة الرسول علية الصلاة والسلام
قال الحسن الجوزقاني رحمه الله: من علامات سعادة العبد: موافقة السنة في أفعاله
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: السعادة والهدى في متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: فلا نجاة للعبد ولا سعادة إلا باجتهاده في معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علمًا، والقيام به عملًا. وكمال هذه السعادة بأمرين آخرين:
أحداهما: دعوة الخلق إليه. الثاني: صبره وجهاده على تلك الدعوة.
وقال العلامة ابن باز رحمه الله: الخير كله, والسعادة في الدنيا والآخرة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم, والسير على سنته, وسلوك مسلك أصحابه رضي الله عنهم, لأنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة, هم وأتباعهم بإحسان, كما قال الله عز وجل: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم} [التوبة:100]
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الله تعالى بارك في دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام بركةً لا نظير لها؛....ومن بركة دعوته ما يحصل لتابعه من الطمأنينة، والاستقرار، والسعادة، والثبات وغير ذلك.
- الإيمان الصحيح, والعمل الصالح:
قال العلامة السعدي رحمه الله: الإيمان الصحيح, والعمل الصالح, عنوان على سعادة صاحبه, وأنه من أهل الرحمن, ومن الصالحين من عباد الرحمن.
وقال العلامة ابن باز رحمه الله: في سورة العصر أن من صفات الرابحين الناجين السعداء: الإيمان, والعمل الصالح,...هذه...صفات الرابحين, صفات السعداء.
وقال العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك: أسس السعادة: إيمان وتقوى, وعمل صالح, ولا تكون السعادة بدون ذلك.
- الرضا بالقضاء والقدر:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: سعادة العبد أن يسلم للمقدور.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: الرضا بالمقدور من سعادة ابن آدم, كما في المسند والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله.) فالرضا بالقضاء من أسباب السعادة.
- الإخلاص في العمل:
قال ذو النون رحمه الله: من أعلام السعادة: الإخلاص في السعي.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: الإقبال على الله والإخلاص له, فيا سعادة من دخل في هذا الحصن.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: عنوان سعادة العبد, إخلاصه للمعبود.
وقال: لا طريق للفلاح سوى الإخلاص في عبادة الخالق,...فمن وفق لذلك فله القدح المُعلى من السعادة, والنجاح والفلاح.
وقال: مدار السعادة ومادتها: الإخلاص لله الذي أصله الإيمان بالله.
- العلم النافع والعمل الصالح:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الخير والسعادة والكمال والصلاح منحصر في نوعين: في العلم النافع, والعمل الصالح
وقال العلامة ابن باز رحمه الله: العلم النافع,...هو العلم الذي يؤثر في صاحبه خشية الله, ويورثه تعظيم حرمات الله ومراقبته, ويدفعه إلى أداء فرائض الله وإلى ترك محارم الله, وإلى الدعوة إلى الله عز وجل,...ومن رزق العلم النافع فقد رزق أسباب السعادة إذا عمل بذلك واتقى الله في ذلك.
وقال الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان: العلم هو أعظم باب للسعادة, وهو المفتاح الأكبر للأُنس والراحة.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: أما العلم النافع: فهم العلم المزكي للقلوب والأرواح, المثمر لسعادة الدارين, وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث وتفسير وفقه, وما يعين على ذلك من علوم العربية.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: العلم النافع والعمل الصالح اللذان لا سعادة للعبد إلا بهما، ولا نجاة له إلا بالتعلق بسبهما، فمن رُزِقهما فقد فاز وغَنِمَ، ومن حُرمهما فالخير كلَّه حُرِمَ، وهما مورد انقسام العباد إلى مرحوم ومحروم.
وقال: محبةُ العلم من علامات السعادة وبغضُ العلم من علامات الشقاوة, وهذا كله إنما هو في علم الرسل الذي جاؤوا به, وورثوه للأمَّة, لا في كلِّ ما يسمى علماً.
- الفقه في الدين:
قال ذو النون رحمه الله: من أعلام السعادة: الفقه في الدين.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من فقِه في الدين كان من أهل السعادة.
وقال العلامة ابن باز رحمه الله: من أسباب السعادة التفقه في الدين كما قال علية الصلاة والسلام: ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين ) فمن علامات الخير والسعادة التفقه في دين الله, والتفقه في الشريعة حتى يعرف المسلم ما يجب عليه وما يحرم عليه فيعبد الله على بصيرة
- الاستمرار في تعلم مسائل التوحيد والقراءة في مسائله
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: العلم هو الشفاء, فالتعلم لا بد منه, ومن قال: التوحيد أمر فطري, لا نحتاج إلى أن تعلمه, ولا إلى أن نبذل فيه الوقت, ولا الجهد. فهذا جاهل بنفسه, وجاهل بحق ربه عز وجل, بل التوحيد يحتاج العبد أن يتعلمه دائماً, حتى لا يقع في شيء من نواقض ذلك التوحيد,...فمن علامات سعادة المؤمن, وطالب العلم, والداعي إلى الله عز وجل أن يكون دائم التعلم للتوحيد, والقراءة في مسائله.
- التوبة والإنابة إلى الله:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة.
وقال العلامة السعدي: قوله تعالى: {فإن يتوبوا يك خيراً لهم} لأن التوبة أصل لسعادة الدنيا والآخرة.
وقال: سمى الله الرجوع إليه فراراً لأن في الرجوع إلى غيره, أنواع المخاوف والمكاره, وفي الرجوع إليه أنواع المحاب والأمن والسرور والسعادة والفوز.
وقال العلامة ابن باز: التوبة إلى الله فيها الخير العظيم, والسعادة في الدنيا والآخرة
وقال الشيخ عبدالعزيز محمد السدحان: من أسباب السعادة: المبادرة بالتوبة النصوح
فائدة: يقول أحد الممثلين التائبين: لقد بحثت عن السعادة طوال عمر وجودي في مهنة الفن فلم أجدها, حزت على الكثير من المال فلم أجد السعادة, نلت الكثير من الشهرة فلم أجد السعادة, تجولت في العالم فلم أجد السعادة, يراني الناس أضحك فيظنون أنني سعيد, وأنا أتعذب من الداخل بكل ما تعنى هذه الكلمة, لم أجد السعادة إلا بعد الرجوع إلى الله, السعادة في الخوف من الجليل, والعمل بالتنزيل, والرضا بالقليل, وهذه العناصر الثلاثة التي تؤدي للاستعداد ليوم الرحيل, وهذا والله هو سر السعادة.
وتقول فنانة تائبة: حياتي الآن, راحة بعد قلق, وسعادة بعد عذاب, واطمئنان بعد تكالب على الدنيا, فالماضي كان عبارة عن حياة صاخبة, مليئة بالقلق, والتوتر, والخوف, لكن حياة اليوم فيها حب الله تعالى.