الإرادة وصناعة المعجزات
محمد سلامة الغنيمي
وهي هنا تعني الاستعلاء على الإغراءات العابرة والمتع اللحظية، مع التحلي بالصبر واليقظة والقدرة على تحمل الأذى وتجاوز الأزمات
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الإرادة وصناعة المعجزات بداخل كل إنسان طاقة خفية تؤهله لنصاعة المعجزات وتحطيم العقبات وتجاوز التحديات، هذه الطاقة الخفية الهائلة تفجرها الإرادة، وبحسب قوة الإرادة يكون مقدار الطاقة، وقد جعلها الله من السنن الكونية، لا فرق فيها بين المسلم وغيره، فهي من تمام الابتلاء بعمارة وإصلاحها، فهي التي تدفع هذا المخلوق الضعيف المستخلف -تكليفا لا تشريفا- إلى إنجاز ما عجزت عنه أعتى المخلوقات، ومن ثم يمكننا تعريف الإرادة بأنها: قوة في النفس تدفع صاحبها إلى توجه ما، مستجمعا قدراته ومهاراته وخبراته، مستعذبا ما يواجهه من صعاب حتى يظفر بمطلوبه.
وهي هنا تعني الاستعلاء على الإغراءات العابرة والمتع اللحظية، مع التحلي بالصبر واليقظة والقدرة على تحمل الأذى وتجاوز الأزمات والتصدي لعوامل اليأس والإحباط، كما تعني الحرمان والمشقة التي لا تتحملها إلا كبار النفوس وصفوة البشر، فهي نعمة من أجل النعم التي ترتقي بالأفراد والجماعات. وفي هذا السياق تميز الإرادة بين الإنسان وغيره من المخلوقات، وكلما سمقت إرادة الإنسان واقتربت من الإرادة الشرعية كلما ارتقت إنسانيته حتى يصل إلى النفس المطمئنة والولاية الربانية؛ بحيث لو أقسم على الله لأبره، وكلما انزوت إرادة الإنسان وخملت كلما اقترب من البهيمية. وقد اقتضت حكمت الله تعالى وإرادته: أن من أراد شيئا وأخذ بأسبابه وصبر على عقباته ناله وظفر به؛ سواء كان ذلك المطلوب من أمور الدنيا أم من أمور الآخرة، وسواء كان خيرا أم شرا، قال تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا ١٨ وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا ١٩ كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا ٢٠} (سورة الإسراء) .
وقال الجنيد: ما طلب أحدا شيئا بجد وصدق إلا ناله فإن لم ينله كله نال بعضه.
فمن نظر في سير الناجحين وحضارات الأمم، لمس ذلك وأيقن به، فما النجاح الفردي؛ إلا إرادة ثابتة وعزيمة صادقة وهمة عالية، وما تنهض الأمم وتبني حضاراتها؛ إلا من مجموع خبرات الناجحين من أبنائها، ومن ثم فإن الإرادة: هي السلطة التي تمنح الإفراد والجماعات القدرة على التغيير، قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ} (١١ سورة الرعد) وإذا فقدت هذه السلطة تعامل الإنسان مع واقعه بعفوية واستشرف مستقبله بالفوضى التي تؤول إلى العجز، ولله در من قال: لم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام وما تخلفت أمتنا في مضمار السباق الحضاري إلا بعد أن ضعفت الإرادات وماتت الهمم وخارت العزائم وتحطمت النفوس، ولن تخرج أمتنا من هذا المأزق الحضاري الذي فرض عليها الخضوع لغيرها ولن تستعيد مكانها في الشهود الحضاري؛ إلا بتربية أفرادها على الإرادة القوية التي تفجر الطاقات المكنونة بداخلهم والتي تنبع من أصول الإسلام وتهدف إلى عمارة الأرض وإصلاحها للفوز برضوان الله؛ لأن النهوض الحضاري لا يتم إلا بالتغيير في مختلف المجالات على ما ألفته النفوس وتعودته، ولا أثقل عليها من ذلك، والإرادة القوية: هي التي تعين صاحبها على تجاوز العقبات والتحديات مهما كانت.
إن هناك قوة كامنة داخل النفس البشرية تجعل من رؤية الإنسان لمستقبلة أمراً متحققاً بحسب قوة إيمانه بما يراه ويتوقعه لمستقبله، هذه القوة هي الشعور الايجابي والسلبي في نفس الإنسان والاستبشار بالخير أو التشاؤم وتوقع الشر، وهذه القوة يفسرها الإسلام بالتفاؤل والتشاؤم.
حرص التشريع الإسلامي في مجمله علي توقع الخير وحسن الظن بالتفاؤل، وحرم تحريماً جازماً التشاؤم واليأس والقنوط، وقال تعالى في الحديث القدسي: ««أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء»» ، وفي الاتجاه الآخر يقول الحق تبارك وتعالى: {{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}} [الحجر:56]، {{إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} } [يوسف: من الآية 87]، وقال رسول الله صل الله عليه وسلم: ««لا عدوي ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة» » (صحيح الجامع 7532). إن يقظة الفكر، وقوة الإرادة، وثبات العزيمة، وعلو الهمة تتأثر بالتفاؤل والتشاؤم، فكلما كان الإنسان مستبشراً بالنصر متوقعاً للخير، زادت من قوته الداخلية على مواجهة ما قد يعترضه من عقبات والعكس بالعكس، وربما يكون هذا التفسير أكثر وضوحاً من غيره، حيث أن الله تعالى يجيب المضطر مسلماً أو كافراً ، فالإنسان عندما تواجهه العقبات، قد يتفاءل بالنجاة فيطلبها من ربه، والاخر تملكه اليأس والقنوت، فيقعده عن الدعاء، { {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}} [النمل:62]، فمتى تعلق بالله وأحسن الظن بمولاه، كان الله عند حسن ظنه، ومن أساء الظن بربه واستشعر الهلاك كان عند سوء ظنه. تدبر جيداً قوله تعالى: {{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}} [الفرقان من الآية:72] مع الدعاء ليس هناك تشاؤم.
عوامل اكتساب قوة الإرادة:
1- الثقة بالله ثم بالنفس: من أهم عوامل قوة الإرادة، فإن الله تعالى قد خلق الإنسان بطاقة كامنة وإرادة نافذة تحتاج إلى من يفجرها، قال تعالى: {( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )} ، ولكنها تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد والأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله، فإن النجاح تسعين بالمائة منه جهد والباقي ذكاء، كما قال أديسون.
وقال الشاعر: وما نيل المطالب بالتمني ** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا وما استعصى على قوم منال ** إذا الإقدام كان لهم ركابا
2- العبادات بخشوع: تزود العبادات الإنسان بطاقة روحانية تعذي الروح وتهذب النفس وتقوي الإيمان، بما ينعكس على الإرادة فيقويها.
واشدد يديك بحبل الله معتصما .. فإنه الركن إن خانتك أركان.