أمي إنها شجرة سانتا...
خطورة الرسوم المتحركة التي باتت خطرًا حقيقيًّا على الأخلاق، والعقائد، والخطر الآخر هو مدى تفشي الظواهر المستوردة، وفي غفلة تامة عن معانيها التي في العديد منها ضرب للعقيدة في مقتل..
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية - قضايا إسلامية -
في إحدى حافلات مدننا الزاهية وهي تمخر عباب شوارعها المميزة لطابعها المعماري الذي ينطلق منها عبق الماضي الجزائري الأصيل رغم ما خلف بها المستدمر الفرنسي من بصمة معمارية، إذ بطفلة صغيرة لا تتجاوز الخامسة من العمر، تتلألأ عيناها براءة، تنطلق قائلة: ماما إنها شجرة سانتا! مشيرة إلى شجرة مزينة في واجهة إحدى المحلات التجارية، في الحقيقة جعلتني هذه الطفلة الصغيرة أستشعر خطورة الرسوم المتحركة التي باتت خطرًا حقيقيًّا على الأخلاق، والعقائد، والخطر الآخر هو مدى تفشي الظواهر المستوردة، وفي غفلة تامة عن معانيها التي في العديد منها ضرب للعقيدة في مقتل، دفعتني هاته الطفلة للبحث في أصل هذه المناسبة وبعض ما يصاحبها من رموز وشعارات، وذلك حتى أكون على بينة من أمري و أول ما لفت انتباهي هو شخصية "سانتا كلوز" أو "بابا نويل" في خلاف بين الأمم في كيفية تسمية هذه الشخصية التي لا زالت تعرف جدلًا حقيقيًّا بين النصارى أنفسهم من مادح لها وذام، بل وصل الأمر بإحدى الكنائس الفرنسية في ديجون ـ في 1951 أن قامت بتحريض الأطفال على حرق دمية لهاته الشخصية في ساحة المدينة كونها تمثل دعوة للوثنية والهرطقة، واعتبرت كذلك أن ما تسمى "بشجرة الميلاد"، نابعة من الاحتفالات الوثنية التي لا تمت لمعتقدها بأي صلة علمًا أن هذا العيد لم يحتفل به في القرون الأربعة الأولى للميلاد، وإليك أخي القارئ بعضًا مما قاله علماء هاته العقيدة، فننقل مثلًا عن دائرة المعارف الكاثوليكية - بما أن هذا الاحتفال إنما جاء عن طريق الكنيسة الكاثوليكية، ولم يكن مرتكزًا إلى أية سلطة سوى سلطة تلك الكنيسة - حيث تقول دائرة المعارف هذه عن هذا الاحتفال في طبعة 1911م ما نصه: "لم يكن عيد الميلاد واحدًا من الأعياد الأولى للكنيسة الكاثوليكية، وأول دليل على هذا الاحتفال إنما جاء من مصر.. فقد تحولت العادات الوثنية الخاصة ببداية شهر يناير في التقويم الروماني القديم، تحولت إلى عيد الميلاد.."[1]، أما دائرة المعارف البريطانية طبعة 1946م: فجاء فيها: "ولم يوجد - أي عيد الميلاد - لا المسيح ولا الحواريون (... ) بل أخذ - فيما بعد - عن الوثنية "[2].
وننقل هنا كلامًا خطيرًا كذلك عن دائرة معارف "تشاف - هيرزج الجديدة للمعرفة الدينية" قولها: "ليس باستطاعتنا أن نقرر بدقة إلى أي مدى اعتمد تاريخ الاحتفال بعيد الميلاد على احتفال "بروماليا" الوثني وتاريخه هو الخامس والعشرون من ديسمبر الذي كان يلي احتفال "ساتورناليا" الذي كان يمتد من السابع عشر من ديسمبر إلى الرابع والعشرين منه؛ أي على مدى أسبوع كامل، وأيضًا على الاحتفال بأقصر يوم في السنة وبالشمس الجديدة، فقد كان احتفالا "ساتورناليا" و"بروماليا" الوثنيان، راسخين بشدة في العادات الشعبية، بحيث إنه كان من الصعب على "المسيحيين" أن يتجاهلوهما، ولقد كانت لهذين الاحتفالين ببهرجهما وصخبهما ومرحهما وبهجتهما، شعبية كبيرة، بحيث إن "المسيحيين" سعدوا حين وجدوا سببًا؛ لكي يواصلوا الاحتفال بهما مع إحداث تغيير طفيف في روحهما وأسلوبهما، وقد احتج الوعاظ المسيحيون في الغرب وفي الشرق الأدنى على الطريقة العابثة التافهة التي تم الاحتفال بها بمولد المسيح، بينما اتهم مسيحيو ما بين النهرين - دجلة والفرات - إخوانهم الغربيين بالوثنية وعبادة الشمس باتخاذهم هذا الاحتفال الوثني عيدًا "مسيحيًّا"[3].
وحتى ما يحيط هذا الاحتفال من زينة ومن شخصية - سانتا كروز - المحبة للأطفال، وحتى الشجرة وزينتها كلها وثنية، فكما جاء في أحد المراجع أن أول من استخدم الشجرة هم الفراعنة والصينيون والعبرانيون كرمز للحياة السرمدية، ثم إن عبادتها قد شاعت بين الوثنيين الأوربيين، وظلوا على تقديسها حتى بعد دخولهم في "المسيحية"، فأصبحوا يضعونها في البيوت ويزينونها؛ كي تطرد الشيطان أثناء عيد الميلاد[4]، إذًا ليس للشجرة أي علاقة بالسيدة مريم - عليها السلام - علمًا أن السيدة مريم ولدت في وقت جني الرطب؛ كما جاء في القرآن الكريم - والرطب أحد منتوجات النخلة بطبيعة الحال - فأي شجرة هذه، وهل يجنى الرطب في الشتاء؟ وهو أمر لا يخفيه العديد من علماء النصارى، وكما جاء عن أحد مؤرخي التاريخ النصراني وهو أندريه فواسي قوله: يمكننا القول: إن هناك أدلة على أن المسيح لم يولد في الخامس والعشرين من شهر دجنبر - ديسمبر - ثم يشير هذا القس إلى لوقا، الفقرة الثانية: "نقرأ أنه عند ولادة المسيح كان هناك رعاة نائمون في الحقول، وكانوا يحرسون شياههم خلال الليل، ونجد في الكثير من المقاطع في "الأناجيل" الأربع أن الرعاة كانوا ينامون في الحقول، ويخرجون أغنامهم إلى المراعي خلال الصيف، وينامون معها في الحقول، ويُدخلونها إلى الزرائب عند أول الأمطار... انتهى كلام المؤرخ[5]"، وقل نفس الشيء بالنسبة لموعد الاحتفال برأس السنة الذي كان قدماء الرومان يقدم بعضهم لبعض في هذه المناسبة هدايا من أغصان أشجار مقدسة، وأصبحوا في السنوات المتأخرة يقدمون ثمار الجوز المغلفة بالذهب أو العملات المعدنية المختومة عليها صورة "يانوس" إله الأبواب والبدايات، كما كانوا يعتقدون وقد سمي شهر يناير على اسم هذا المعبود "يانوس" - تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا - وبحلول القرن السابع عشر الميلادي تبنت كثير من الدول الغربية تقويمًا معدلًا يسمى التقويم الجريجوري، وهو التقويم المستخدم اليوم، واحتفل بيوم 1 يناير بوصفه عيدًا لرأس السنة[6]، فما محلك الإعرابي من هذا كُله أخي المسلم، فالمحتفلون بهذا العيد من المسلمين في حقيقة الأمر بين خيارين، إما وثنية جاهلية وإما نصرانية باطلة، فأي غفلة هذه التي وصل إليها العديد من أبناء المسلمين عائلاتٍ وتجارًا يتاجرون بعقيدتهم في سبيل دراهم زائلة، ضاربين صفحًا عن معتقد النصارى في هذا العيد الذي يعتبر حسب معتقدهم الباطل "عيد ميلاد الرب"، سبحان الله عن ذلك علوًّا كبيرًا"، فانظر أخي المُحتفل بماذا تحتفل وعن ماذا تقدم التهنئة، وفي هذا الصدد يورد لنا الفقيه المالكي سحنون التنوخي (المتوفى في 777 - 854 م ) أنه (لا تجوز الهدايا في الميلاد من مسلم ولا نصراني، ولا إجابة الدعوة فيه ولا الاستعداد له)، وفي هذا الصدد يقول العالم الجزائري المالكي أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي التلمساني، (المتوفى: 1508 م ـ 914هـ) أنه قد سئل أبو الأصبغ عيسى بن محمد التميلي عن ليلة يناير التي يسميها الناس الميلاد، ويجتهدون لها في الاستعداد، ويجعلونها كأحد الأعياد، ويتهادون بينهم صنوف الأطعمة، وأنواع التحف والطرف المثوبة لوجه الصلة، ويترك الرجال والنساء أعمالهم صبيحتها تعظيمًا لليوم، ويعدونه رأس السنة، أترى ذلك - أكرمك الله - بدعة محرمة لا يحل لمسلم أن يفعل ذلك، ولا أن يجيب أحدًا من أقاربه وأصهاره إلى شيء من ذلك الطعام الذي أعدَّه لها، أم هو مكروه ليس بالحرام الصراح؟ فأجاب: قرأت كتابك هذا، ووقفت على ما عنه سألت، وكل ما ذكرته في كتابك فمحرم فعله عند أهل العلم، وقد رويت الأحاديث التي ذكرتها من التشديد في ذلك، ورويت أيضًا أن يحيى بن يحيى الليثي قال: لا تجوز الهدايا في الميلاد من نصراني، ولا من مسلم، ولا إجابة الدعوة فيه، ولا استعداد له، وينبغي أن يجعل كسائر الأيام (......)، ومما يذكر كذلك ما فسر به القرطبي (المتوفى 671هـ ـ 1273م) ـ رحمه الله ـ قوله الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]؛ حيث قال القرطبي: (أي لا يحضرون الكذب والباطل ولا شاهدونه، والزور كل باطل زُوِّر وزُخرف، وأعظمه الشرك وتعظيم الأنداد، وفي رواية عن ابن عباس أنه أعياد المشركين وقال عكرمة: لعب كان في الجاهلية يسمى بالزور)، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
[1] عبد الله قاري محمد سعيد الحسيني ، " عيد الميلاد CHRISTMAS وأصله الوثني .. بقلم : باحثَين نصرانيَين،
http://www.saaid.net/mktarat/aayadalkoffar/46.htm ، 25ـ12ـ2021 ، 11:44 .
[2] وكما تنقل نفس دائرة المعارف هاته أن هذا العيد لا يوجد له ولا نص من "الكتاب المقدس"؛ أي الإنجيل الذي حرف كما نعلم ذلك من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وحتى من علماء لنصارى أنفسهم.
[3] المرجع نفسه، ومما يلاحظه أخي القارئ ورود لفظة المسيحيين وننبهه أن هذا اللفظ ـ في ديننا الإسلامي الحنيف ـ لا ينطبق على من بدلوا ما جاء به عيسى عليه الصلاة والسلام من توحيد لله عز وجل وشريعة ربانية ، بل هم نصارى كما جاء في كتاب الله عز وجل.
[4] شحاتة محمد صقر، كتاب رأس السنة، هل نحتفل؟ دار الخلفاء الراشدين - الإسكندرية، دار الفتح الإسلامي - الإسكندرية (مصر)، ص 49.
[5] عبدالله قاري محمد سعيد الحسيني، المرجع نفسه.
[6] انظر: مجموعة من المؤلفين ، الموسوعة العربية العالمية ( النسخة الإليكترونية )، شركة أعمال الموسوعة للإنتاج الثقافي، د ون ب. ن ،1425هـ، 2004م.
_______________________________________________
الكاتب: عبدالمحسن رحماني