الأخوة بين أجناس البشر

قدَّم محمَّد صلى الله عليه وسلم للبشريَّة النموذجَ المتكامل في الأخوَّة بين بَني البشَر، وأَخبَر أنه لا فضْل لجنسٍ بشريٍّ على جنسٍ آخر؛ فكلهم مُتساوُون في أصْل الخِلْقة والحقوق والواجبات...

  • التصنيفات: تزكية النفس - - آفاق الشريعة -

قدَّم محمَّد صلى الله عليه وسلم للبشريَّة النموذجَ المتكامل في الأخوَّة بين بَني البشَر، وأَخبَر أنه لا فضْل لجنسٍ بشريٍّ على جنسٍ آخر؛ فكلهم مُتساوُون في أصْل الخِلْقة والحقوق والواجبات، ولا فضْل لأحد على أحد إلا بقدْر إيمانه وخشيته لله تعالى، وأتاح الفُرصة المتساوية بين أصحابه لخدْمة الدِّين والانتماء إليه؛ فكان منهم صُهيب الرُّومي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، جنبًا إلى جنب مع إخوانهم مِن العرب.

 

عاش محمَّد صلى الله عليه وسلم في مجتمع خَيَّمتْ عليه الطبقيَّة المبنيَّة على الفوارق الاجتماعية والمادِّية والإثنية والعرقية، ولم تكُن هذه الأوضاع خاصَّةً بجزيرة العرب؛ بل كان هذا حال العالَمِ كلِّه آنذاك، وبهذا نُدْرك النقلة العظيمة التي نَقَلَ إليها محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم العربَ وغيرَهم مِن سكَّان الأرض، بما جاء به من تعاليم أُوحيَت إليه مِن ربِّه سبحانه وتعالى؛ حيث دَعَا إلى الأُخُوَّة والتساوي بين بَني البشَر، وحدَّد أنَّ ما يُمَيِّز إنسانًا عن آخر هو ما يتمتَّع به مِن تقوى وأخلاق ونفْع وعمل صالح، وأنَّ الصورة الظاهرة واللون والعِرْق كلها لا أثر لها في التميُّز أو التفاضل أبدًا.

 

فقد كان شأن العرب أنهم يَستَرقُّون الأحرارَ بحدِّ السُّيوف في المعارك، أو بالحيلة والغدْر في أحوال أخرى، وما كان أحدٌ يتحدَّث عن الرقيق إلا باعتبارهم متاعًا يحقُّ لِسَيِّدِهِ فيه التصرُّف كما يحلو له، حتى إنْ أراد أنْ يُزهق روحَه، لم يَلُمْهُ في ذلك لائم، أو يَعْتِبْ عليه عاقل! تُكْرَهُ الإماء على ممارسة البغاء؛ ليحصِّل سادتُها الأجورَ! ويُساق العبيدُ إلى العمل الشاقِّ كما تُساق البهائم والشاء! والأعجب مِن هذا كله: ألا يُسمع بين الرقيق صوتٌ لِمُعارض أو ممانع!! كيف وهم يعلمون أنها قوانين الحياة وطبيعتها؟!

 

فكانت النقلة التي جاء بها محمَّد صلى الله عليه وسلم في ذلك المجتمع؛ حيث أعلن - بوحي الله تعالى - أنه لا اعتبار لتلك الفوارقِ المتعارَفِ عليها في ذلك المجتمع، وأَعلَن ذلك على الملأ، ولم يَتَوانَ في ذلك.

 

ومِن وحْي الله له في ذلك:

قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

 

وبيَّن أصْل خِلْقة الإنسان في مواضع كثيرة مِن القرآن الكريم؛ من ذلك:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12]، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2].

 

وقال نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، ألَا إنَّ ربَّكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، ألَا لا فضْل لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر - إلا بالتقوى»؛ (رواه الإمام أحمد).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «الناسُ بنو آدم، وآدمُ مِن تُراب»؛ (رواه الترمذي).