أن تحيا لقضية
أحمد إبراهيم
هل استسهلْتَ الاستسلام للأمر الواقع؟ هل راقَتْكَ نعومةُ وِسادتك، وليونةُ فِراشك؟ هل أعجبَتْك رغادَةُ العيش بعيدًا عن هموم الدِّين الَّتي تعْلَمها؟ هل أراحَتْ ضميرَك مَصْمَصاتُ شفتَيْك على حالِ المسلمين؟
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يومُك مِثلُ أمْسِكَ؟ ألَا تَحْلم كيف سيكون غدُك؟ هل تتوقَّف لتُحاسب نفسَك؛ فترى نفسَك حيث تركْتَها آخر مرة؟
هل تسأل نفسَك هذه الأسئلة أصلًا؟
أحيانًا أتخيَّل موقفًا مَهيبًا وقد دَنتِ الشمسُ مِن الرؤوس، وفرَّ كلُّ امرئ مِن أخيه، وأمِّه وأبيه، وصاحبته وبَنِيه.
وجاء دَوري؛ نُودي عليَّ للحساب، ثم يتم سؤالي عن عمري: فيمَ أفنيته؟
أبحث عن إجابة، فلا أجد!
أُفِيق مِن خيالي؛ لأنظُر إلى الواقع حولي؛ جعلَني اللهُ سميعًا بصيرًا، مُعافًى في بَدَني وفي عقلي، موفَّقًا في حياتي وفي عملي، أملِكُ قُوتَ يومي، وأنام قَريرَ العين مطمئِنًّا، ولله الحمد كما ينبغي لجلال وجْهِه وعظيم سلطانه.
ثم ماذا؟
ثم تخلُّفٌ للمسلمين في كل مجالات الأرض، وانحلال خُلُقي لشباب وبنات المسلمين، وتدَنٍّ في مستوى ثقافة المسلمين حتى صِرْنا مِن أكثرِ أممِ العالَم تخلُّفًا ثقافيًّا، وانشغالٌ عن قضايا الإسلام بقضايا الفرْد، والانخراط في طلَبِ لُقمة العيش؛ حتى ننسَى ما خُلِقنا لأَجْله.
إذا كان أهلُ الإسلام قد انشغَلوا عنه بدُنياهم، إذا كنتَ تَرى هذا يحدُث أمام عينكَ، وأنتَ تَعلَم أنَّ هذا كله خطأ، فماذا فعلْتَ أنتَ؟
كيف قدَّمْتَ يدَ العون لإخوانك؟ كيف أسْهَمْتَ في رِفْعة شأن دِينِكَ؟ ماذا قدَّمْتَ للإسلام وأنتَ عالِمٌ بهموم الأمَّة وقضاياها؟
أين وضعْتَ نفسَكَ لِتُخَلِّص المسلمين مِن هذا الهوان؟
هل أتقنتَ في عملك؟
ألَا تعلمُ أنه إنْ كان هناك نظيرٌ لك في بلَدٍ يُعادِي دينَك، وهو قائم على عمَله متْقِنٌ له، بينما أنتَ غافلٌ لاهٍ، مشغول بسفاسف الأمور - فإنك آثِمٌ مأزُور.
إذا سألَكَ اللهُ: إني قد وضعْتُكَ على هذا الثَّغْر، فلماذا دَخَل منه أعداءُ الدِّين؟ لماذا هُدِم الإسلامُ مِن بابك؟
فكيف ستُجيب؟
ألم تَعلَم أنَّ المسلمين بحاجة إليك في هذا الباب أو ذاك، وأنتَ تَعلم أنكَ تستطيع المساعدة؟ لماذا لم تساعدهم؟
ألم تعلم أن قُدراتك ومواهبَك تؤهِّلك لخدمة دِينك في هذا الباب؟ فلماذا لم تستخدمها؟
ألم تعلم أن المسلمين غفَلوا عن حراسة هذا الباب، فدخل منه أعداءُ الدِّين، ووَلَغوا في مجتمعاتنا وثقافتنا وُلوغَ الكلاب في القُدور، فلماذا لم تَنْذِرْ نفسَكَ لردِّهم عن هذا الباب؟
لماذا لم تنذر حياتك لحراسة ثُغور دِينِكَ التي تستطيع حراستَها؟
لا عُذْرَ لكَ أنْ لم يَدْعُكَ أحدٌ لذلك؛ فلن يَدْعُوَك لذلك قومٌ غافلون.
هل استسهلْتَ الاستسلام للأمر الواقع؟ هل راقَتْكَ نعومةُ وِسادتك، وليونةُ فِراشك؟ هل أعجبَتْك رغادَةُ العيش بعيدًا عن هموم الدِّين الَّتي تعْلَمها؟ هل أراحَتْ ضميرَك مَصْمَصاتُ شفتَيْك على حالِ المسلمين؟ أو دموعُك الباردة أو الساخنة التي انهمرَتْ مِن عينيك على مآسِيهم؟
أمامَ هذه الطُّوفانات التي تَجْتاح المسْلمين فمَادَتْ الأرض مِن تحتِ أقدامهم،أين فَسِيلتُكَ التي ستغْرِسها لتعتذر بها أمام الله؟
لماذا تحيا على هذه الأرض؟ هل حقَّقتَ مُراد ربِّك منكَ؟ هل حققتَ مُرادَ الله فيما استخلف فيكَ مِن قُدرات ومواهب؟ هل حققتَ مُراد الله في أولادك وفي بيتك وفي مجتمعك؟
ألا تجيب على هذه الأسئلة؟
ما هي قضية حياتك التي تحيا لها؟
لقد عاش المسلمون الأوائلُ على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على قضية واحدة واضحة، عَلِموا أنها تحقِّق مُراد الله فيهم، عاشوا وماتوا لِدِينهم.
فمَن رأى منهم بابًا يستطيع أن يَحرسه قام بحراسته؛ فهذا يتعلَّم اللُّغات، وهذا يكتب، وهذا يجاهد، وهذا يُتاجر، وهذا يَبني، وهذا يزرع، وهذا يُنفق، وهذا وهذا وهذا.
ولكن الكل يَعْمل للدِّين.
ليس المطلوب منك أن تَكُون عمرَ بن الخطاب، أو صلاحَ الدِّين، أو الإمامَ الشافعي، أو غيرَهم مِن مشاهير الإسلام.
انظر في حال الأمَّة، وانظر في قُدراتك، وانظر كيف تستطيع أن تَنفع الأمَّة، وتقِفَ على ثُغورها، وتحمي أبناءها بهذه القُدرات؟
فعلَى مُستواكَ الشخصيِّ احرصْ على تعلُّم الدِّين الصحيح مِن أهل العِلم المشهود لهم بالتَّقوى والصَّلاح، البَعِيدِين عن الانحرافات العقَدية والشُّذوذ الفِكْري، المتَّبِعين لمنهج جماعة المسلمين، التَّابعين لكِتَاب الله وسُنَّة رسول الله وسلف الأمَّة الصالح، المشهود لهم بالعِلم والصَّلاح واليد البيضاء عند جمهور أهل العِلم.
لا أطلب منك أن تكون شيخًا، ولكن تعلَّمْ ما لا يسَعُك جَهْلُه مما ينبغي عليك اعتقادُه في دِينك، وما ينبغي عليك فِقهه؛ لتؤدِّيَ عباداتك على نحْوٍ مقبول مِن الله.
وفي المقابل لا تلتفتْ لِدَعاوى العمل بغير مَنْهجٍ شرعيٍّ، أو بمنهج فاسدٍ لا يُرْضِي الله، فالواجب الأوَّل أن تَحرص على دِينك، ثُم أن توظِّف نفسَك وحياتَك له.
وفي عملك لا تتهاوَن، واسْعَ للتعلُّم والتفوُّق؛ لئلا يُؤْتَى الإسلامُ بتقصيرك في عملك.
وفي بيتك اتَّق الله في أهلك وأولادك، وعِشْ معهم على تعاليم دِينك؛ شرْع الله، وسُنَّة نبيِّه.
وفي مجتمعك كُن عضْوًا نافعًا للآخَرِين، وكُن قُدوةً، وعلِّم غيرَك أنْ يَنفع دِينه، واستخدِم قُدراتك ومواهبَك لنُصْرة هذا الدِّين، وإعادة أبنائه إلى حظيرته.
انظر لقضايا المسْلمين؛ هل ترى خللًا تستطيع أن تكون عنصرًا فاعلًا في إِصلاحه في إطار قُدراتك وصلاحياتك؟ إنْ كنتَ ترى واحدًا، فانْذرْ حياتَك له، وابْذل جهْدَك ووقتَك وعُمرَك لأجْله.
لا تَدَعْ عُمرَك يَنصَرف عنك، وأنتَ غافلٌ عن قضايا دِينِك، وإنِ انتبهْتَ فلا تُطِل الوقوف كثيرًا.
ابْدَأْ وَاعْمَلْ وَكَفَى نَوْمًا.
وفي النهاية أريدك أن تتخيَّل مشهدًا ثانيًا؛ تخيَّلْ أن الله يُنادي في الملأ الأعلى: هل ترَوْن هذا العبد، إنَّه قد نَذَر عمره مِن أجْلي، إني أُحِبُّه فأَحِبُّوه.
هل تخيَّلتَ نفسَكَ مكان هذا العَبْد؟
لماذا لا تكون أنتَ هو فتفوز فوزًا عظيمًا؟
وفي النهاية أذكِّركم بقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.