كاتب السطور على فراش الموت

ليس ما أكتُبه هنا عبارة عن كلمات أدبية للمتعة، وليس ما أكتبه من وحي الخيال، بل شيء وقع عليَّ حقيقة وعاينته، فتعال معي إلى هذا المشهد لترى ما الذي حصل..

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - قصص مؤثرة -

ليس ما أكتُبه هنا عبارة عن كلمات أدبية للمتعة، وليس ما أكتبه من وحي الخيال، بل شيء وقع عليَّ حقيقة وعاينته، فتعال معي إلى هذا المشهد لترى ما الذي حصل، دعني أقص عليك مشهدًا خارج النص، وقد ترددت كثيرًا في كتابته، وكلما كتبت مسحتُ، ثم قررت أن أكتُب، لعل الله أن ينفعني به وبك قبل غروب شمس العمر، وينفع به كل من تقع عيناه عليه.

 

في منتصف شهر رجب الماضي نمتُ ليلة من الليالي - وكنتُ حينها وحيدًا في مركز من المراكز العلمية في إحدى دول إفريقيا بعيدًا عن الأهل، وكنت أنام بمفردي في ذلك المركز، وبقية اليوم لا تكاد تجد لرجلك مكانًا من زحام الزائرين وطلبة العلم - ليلتها رأيت كأن ملك الموت هجم عليَّ وأثقل جسمي وقيَّد حركتي، وبقيتُ مُمَددًا على الفراش أُلاحِق أنفاسي وأزفر زفير مَن يودِّع الحياة، ورأيت كأني استسلمتُ للموت وإخواني وأبي قد وقفوا على رأسي، وبدأتُ أوصيهم ببعض الوصايا، وأتحدث معهم عن بعض الأمور التي لا بد أن ترافقني، وما الذي لا أرغب فيه، وأذكر أني أخبرتهم أن يقوموا بتسوية قبري، ووصايا أخرى لا أذكرها..

 

في وسط المعمعة والموتُ مُحدقٌ بي، سألني أحد الحاضرين الذين تحلَّقوا فوق رأسي وأنا أنازِعُ سؤالًا: ما العمل الذي كنتَ تحب أنَّك عملته قبل أن ينزل بك الموت؟

 

وهو سؤال في الصميم..

 

فأجبتُ مباشرة على الفور: كنتُ ودِدتُ أني بقيتُ مداومًا على العهد الذي قطعته على نفسي من أن أردد كلمة التوحيد لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة بعد كل صلاة فجرٍ، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أيضًا مائة مرة كل يوم، لكن لم أداوم عليها، فليتني كنتُ حافظت على هذا الذكر وبقيتُ آكلُ نفسي حسرات..

 

استمرَّ النزعُ واشتدَّت بي السكرات، وأنا أردد الشهادتين، وأشاهدُ الموتَ حقًّا، وأنه لا مفرَّ منه، وأن المسألة مسألة وقت لا أقل ولا أكثر، وفجأة وجدتُ نفسي قد استيقظت..

 

لم أصدق أني لا زلت حيًّا..

 

أين أبي؟

أين إخواني؟

أين المتحلِّقون حولي؟

أين الموت الذي حاصرني؟

 

عندما استقيظتُ وردَّ الله إلي روحي، سجدتُ سجدة شكرٍ أن ذلك كان في المنام ليس على الحقيقة، وبقيتُ أفكر ما هذه الرسالة التي جاءتني في منامي، وبينما أنا أتصفح ذكريات الماضي، وجدتُ في صفحة ذكرياتي أني تتلمذتُ على يد أحد العلماء العارفين بالله، وقد أتانا من العراق إلى صنعاء وهو عالم كبير - توفي رحمه الله - وبعد سبع سنوات أردتُ أنا وأحد زملائي أن نودِّعه ونستوصيه، فسلمنا عليه بحرارة وطلبنا منه نصيحة، فنصحنا ألا نترك كلمة التوحيد كل يوم مائة مرة، وحَمَّلنا الأمانة، وأغلظ لنا القول وأكَّد الالتزام بها، وقال: لن أسامحكم إن تركتموها...

 

فأخذتُ الأمر بالعزيمة وبقيتُ مداومًا عليها ما يقرب من خمس سنوات، ثمَّ تذبذبتُ في الوصية وتراخت قبضتي، وتكاثرت الأشغال وازدحم الوقت، ولأني ارتبطت بدروس بعد الفجر مباشرة، فقد تركتُ الأمر رويدًا رويدًا إلى أن غاب عن ذاكرتي سوى الأذكار والتحصينات التي أقرؤها سريعًا على عجل، وأسأل الله أن يسامحني ولا حول ولا قوة إلا بالله..

 

أما الكلمة الثانية: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" ما السر في اقترانها بها؟

 

قمت بالبحث عن سر هاتين الكلمتين، فوجدت أكثر من مائة نص نبوي تجعلهما أفضل الأذكار..

 

في كثير من الأحيان يرسل الله لك رسالة علَّك تعود إلى ما كنتَ تعمله من عمل صالح..

 

لقد عزمت على العَود مرة لهذا الورد، فهل عزمت أنت أيضًا على المحافظة عليه..

 

إن هاتين الكلمتين هما أفضل الذكر، وهما خير ما تستفتح به يومك من الأذكار، ولا ينال أحد من الأجر مثلك إلا من قال مثلك أو زاد عليك ..

 

هما خير الزاد، وقد عزمت بعدها مباشرة مستعينًا بالله أن تكون هاتين الكلمتين وِردًا لي، أحافظ عليه حتى ألقى الله فما وردك أنت الذي تود أن تحافظ عليه قبل غروب شمس العمر..؟

____________________________________________
الكاتب:عامر الخميسي