الكابوس الأمريكي في أفغانستان

بادرت حركة طالبان منذ توليها السلطة في أفغانستان إلى توجيه نداءات إلى كثير من بلدان العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية للمساهمة في إغاثة الشعب الأفغاني والاعتراف بحكومتها التي شكَّلتها عقب الانسحاب الأمريكي..

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

بادرت حركة طالبان منذ توليها السلطة في أفغانستان إلى توجيه نداءات إلى كثير من بلدان العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية للمساهمة في إغاثة الشعب الأفغاني والاعتراف بحكومتها التي شكَّلتها عقب الانسحاب الأمريكي، لكن جميع النداءات كانت أشبه بصدى صوت تردُّه الاشتراطات الغربية التي تفرض حصاراً سياسياً واقتصادياً قاسياً على كابول.

في الأسابيع الأخيرة بدأ الخطاب الغربي يتجه نحو القبول بتقديم إعانات إنسانية لأفغانستان ضمن آليات تحددها الأمم المتحدة، وهذه الخطوة فسرتها مجلة (فورين آفير) في تقرير لها، بأنها مجرد حصن ضد زعزعة استقرار عابر للحدود قد تكون بؤرته أفغانستان، أو التفسير الأكثر وضوحاً هو عودة نشاط ما وصفته بــ (الإرهاب الدولي)، فرغم أن طالبان تعهدت ضمن اتفاقاتها مع واشنطن بعدم استخدام الأراضي الأفغانية لتنفيذ هجمات تستهدف الأمن القومي الأمريكي، إلا أن شبكة حقاني الفصيل الأقل تقبُّلاً لهذا الاتفاق وله امتدادات عميقة داخل تنظيم القاعدة قد لا يراهَن على صمته في حال استمر الحصار الدولي على أفغانستان، فسراج الدين حقاني أحد قادة الشبكة، هو وزير الداخلية في حكومة كابول، وكثير من الشخصيات المحسوبة على الشبكة لها نفوذ واسع داخل حكومة أفغانستان الحالية لذلك يقول التقرير: إن فشل قادة الكتلة الغربية في احتواء شبكة حقاني يجعلها قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه المصالح الغربية.

على الرغم من أن شبكة حقاني أقلُّ انتشاراً من طالبان، إلا أنها تتمتع بكثير من المرونة والقدرة على الصمود منذ تأسيسها في أوائل سبعينيات القرن الماضي من قبل جلال الدين حقاني (والد سراج الدين حقاني)، وقد استخدمت مرونتها للتمدد وإقامة تحالفات إستراتيجية مع منظمات أخرى مثل القاعدة.

منذ تسعينيات القرن الماضي أصبحت الشبكة كياناً شبه مستقل داخل حركة طالبان، وفي عام 2015م تولى سراج الدين حقاني منصب نائب أمير الحركة، وهذا الأمر ساهم كثيراً في سيطرت طالبان على مناطق واسعة في شمال أفغانستان. يقول الجنرال (جون آر ألين) القائد السابق للتحالف الدولي في أفغانستان: «القليل من الجماعات الجهادية الأخرى التي كانت تعمل مع جميع المنظمات وتتمتـع بالقدرة العسكرية والدهاء الإعلامي والخبرة التي امتلكتها شبكة حقاني».

ساعد الشبكة بصورة كبيرة اعتماد وكالة الاستخبارات الباكستانية عليها في الحدِّ من النفوذ الهندي في كابول، وحافظ على استخدامها للحفاظ على ما تصفه إسلام آباد بــ (العمق الإستراتيجي)، ولا شك أن الشبكة استثمرت الدعم الموجهة لها والرهان عليها لتدعيم طموحها بتقوية علاقتها مع شركائها فهي لا تطمح فقط لحكم أفغانستان بل أيضاً لديها توجهات أممية وهو أمر كشفه تصريح لسراج الدين حقاني في عام 2010م قال فيه: «إنه يتطلع إلى خلافة توحد العالم الإسلامي»، واتُّهمت الشبكة بدعم جهاديين في مناطق بعيدة مثل طاجيكستان وكشمير وسوريا.

نفذت الشبكة هجمات عنيفة ضد الأهداف الأمريكية؛ ففي عام 2009م ساعدت القاعدة بمهاجمة القاعدة الأمريكية في مقاطعة خوست وقتل خلال الهجوم سبعة من عملاء الاستخبارات الأمريكية، وفي عام 2011م هاجم عناصرها السفارة الأمريكية ومقر الناتو في كابول، وفي عام 2013م هاجمت القنصلية الأمريكية في هيرات على الحدود مع إيران، وأقدمت خلال السنوات الأخيرة على احتجاز عدد من الأمريكيين منهم الغواص السابق في البحرية الأمريكية (مارك فريريتش).

تعتقد واشنطن أن مهاجمة شبكة حقاني أمر بالغ التعقيد لاعتبارات تتعلق بالعداء المشترك لكلٍّ منهما تجاه تنظيم (داعش)، وهي حالة لا ترتبط فقط بالولايات المتحدة بل أيضاً بالبيئة الإقليمية المحيطة بأفغانستان مثل روسيا والصين وإيران. وتعتقد واشنطن أنه من الصعب تشكيل جبهة دولية ضاغطة لمحاصرة واحتواء شبكة حقاني، لاعتبارات تتعلق بتباين مواقف دول الجوار في التعاطي مع الملف الأفغاني: فالصين كانت سعيدة باستعانة باكستان بشبكة حقاني لتطويق الوجود الهندي في أفغانستان لكنها قلقة من أن تخرج الأمور عن السيطرة وتتحول أفغانستان إلى حاضنة لمشروع يستهدف دعم الجماعات الجهادية في تركستان الشرقية. وهو الأمر نفسه الذي تخشاه روسيا وطالبان، لذلك تضغط الولايات المتحدة بشدة على المجتمع الدولي بما في ذلك الدول العربية والإسلامية لتقرن أي مساعدات لأفغانستان بضرورة عدم تحويلها إلى ملاذٍ آمن للجماعات الجهادية، لذلك كان أهم محور في جولة وفد طالبان الأخيرة إلى النرويج هو موضوع (مكافحة الإرهاب)، وقد طلبت قيادة في الجيش الأمريكي من البيت الأبيض بتشديد موقفه من المشاركة في قمع شبكة حقاني حتى لو تضررت العلاقات الأمريكية الباكستانية، وهذا الأمر لا يستبعد أن ينتج عنه فرض عقوبات على قيادات من الجيش الباكستاني بتهم تتعلق بمساعدة شبكة حقاني أو التورط في (دعم الإرهاب)، لذلك لم يتبقَّ أمام طالبان للخروج من النفق سوى فتح باب التعاون على مصراعيه مع المحور (الصيني - الروسي - الإيراني) وتقديم تنازلات تسمح بتحسين فرص الاستقرار في أفغانستان مع تجنب الدخول في حرب أهلية تسعى إليها واشنطن.

_____________________________________________________

الكاتب:  أحمد أبو دقة