الخوف, الإشفاق, الخشوع, الاخبات, الزهد
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
فوائد مختصرة من مدارج السالكين, للعلامة ابن القيم: منزلة: الخوف, الإشفاق, الخشوع, الاخبات, الزهد, الورع, التبتل, الرجاء, الرغبة, الرعاية, المراقبة, تعظيم حرمات الله, الإخلاص
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
منزلة الخوف:
*من منازل ﴿ { إياك نعبدُ وإياك نستعين } ﴾ منزلة الخوف وهي من أجلِّ المنازل وأنفعها للقلب وهو فرض على كلِّ أحد, قال تعالى ﴿ {فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين} ﴾ [آل عمران:175] وقال تعالى: ﴿ { فلا تخشوا الناس واخشون} ﴾ [المائدة:44]
* قال أبو حفص: الخوف سراج في القلب, به يُبصر ما فيه من الخير والشر.
* كل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله تعالى, فإنك إذ خفته هربت إليه, فالخائف هارب من ربه إلى ربه.
* قال أبو سليمان رحمه الله: ما فارق الخوف قلباً إلا خرب, وقال إبراهيم بن شيبان: إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشهوات منه وطرد الدنيا عنه.
* الخوف ليس مقصوداً لذاته, بل مقصوداً لغيره قصد الوسائل, ولهذا يزول بزوال المخوف, فإن أهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
* الخوف المحمود الصادق: ما حال بين صاحبه وبين محارم الله, فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط. وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: الخوف المحمود ما حجزك عن محارم الله.
* أكثر ما تكون الهيبة أوقات المناجاة, وهي وقت تملُّق العبد ربه, وتضرعه بين يديه واستعطافه والثناء عليه بآلائه وأسمائه وأوصافه, أو مناجاته بكلامه.
* القلب في سبره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر, فالمحبة رأسه, والخوف والرجاء جناحاه, فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران, ومتى قُطع الرأس مات الطائر, ومتى عدم الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر,
*السلف استحبوا أن يقوي في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء, وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف,
* وهذه طريقة أبي سليمان قال ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف فإنه إذا كان الغالب عليه الرجاء فسد وقال غيره: أكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف وغلبة الحبِّ فالمحبة هي المركب والرجاء حاد والخوف سائق, والله الموصل بمنه وكرمه.
* الخشية أخصُّ من الخوف, فإن الخشية للعلماء بالله, قال تعالى: ﴿ {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ﴾ [فاطر:28] فهي خوف مقرون بمعرفة, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية ))
منزلة الإشفاق:
* من منازل ﴿ {إياك نعبدُ وإياك نستعين} ﴾ : منزلة الإشفاق, قال تعالى: ﴿ { وأقبل بعضهم على بعض يتسألون *قالوا إنا كُنّا قبل في أهلنا مشفقين*فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم } ﴾ [الطور:25-27]
* الإشفاق رقة الخوف, وهو خوف برحمةٍ من الخائف لمن يخاف عليه, فنسبته إلى الخوف نسبة الرأفة إلى الرحمة, فإنها ألطف الرحمة وأرقُّها.
منزلة الخشوع:
* من منازل ﴿ {إياك نعبدُ وإياك نستعين } ﴾ : منزلة الخشوع, قال تعالى: ﴿ {ألم يأنِ للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} ﴾ [الحديد:16] قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين
* قال تعالى: ﴿ {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون } ﴾ [المؤمنون:1] والخشوع في أصل اللغة: الانخفاض والذل والسكون, قال تعالى: ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن ﴾ [طه:108] أي: سكنت وذلت والخضوع.
* أجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب, وثمرته على الجوارح, فهي تظهره.
* كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق. فقيل له: وما خشوع النفاق ؟ فقال: أن ترى الجسد خاشعاً والقلب غير خاشع.
* قال حذيفة رضي الله عنه: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع, ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة في ترى فيهم خاشعاً.
* سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: العارف لا يرى له على أحدٍ حقاً, ولا يشهد له على غيره فضلاً, فلذلك لا يعاتب ولا يطالب ولا يضارب, وكان إذا أُثني عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت.
منزلة الاخبات:
*من منازل ﴿ {إياك نعبدُ وإياك نستعين} ﴾منزلة الاخبات قال تعالى﴿ {وبشر المخبتين} ﴾ ثم كشف عن معناهم فقال: ﴿ { الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} ﴾[الحج:35] قال الكلبي الرقيقة قلوبهم
* متى استقرت قدم العبد في منزلة الاخبات وتمكن فيها ارتفعت همته وعلت نفسه عن خطفات المدح والذم, فلا يفرح بمدح الناس ولا يحزن لذمهم.
* الوقوف عند مدح الناس وذمهم علامة انقطاع القلب وخلوه من الله تعالى, وأنه لم تباشره روح محبته ومعرفته, ولم يذق حلاوة التعلق به والطمأنينة إليه.
* بين العبد وبين السعادة والفلاح قوةُ عزيمةٍ, وصبرُ ساعةٍ, وشجاعةُ نفسٍ, وثبات قلب, والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء, والله ذو الفضل العظيم.
منزلة الزهد
* من منازل ﴿ {إياك نعبدُ وإياك نستعين} ﴾ : منزلة الزهد, قال الله تعالى: ﴿ {ما عندكم ينفدُ وما عند الله باق} ﴾ [النحل:96] وقال: ﴿ { بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى} ﴾ [الأعلى:16]
* القرآن مملوء من التزهيد في الدنيا والإخبار بخستها وقلتها وانقطاعها وسرعة فنائها والترغيب في الآخرة والإخبار بشرفها ودوامها وسرعة إقبالها. فإذا أراد الله بعبده خيراً أقام في قلبه شاهداً يعاين حقيقة الدنيا والآخرة, ويؤثر منهما ما هو أولى بالإيثار.
* قال الجنيد: سمعت سرياً يقول: إن الله تعالى سلب الدنيا عن أوليائه, وحماها عن أصفيائه, وأخرجها من قلوب أهل وداده لأنه لم يرضيها لهم.
* قيل: الزهد في قوله تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم} [الحديد:23] فالزاهد لا يفرح من الدنيا بموجود, ولا يأسف منها على مفقود.
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة, والورع ترك ما يُخاف ضرره في الآخرة. وهذه العبارة من أحسن ما قيل في الزهد والورع وأجمعها.
* قال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل.
* قال ابن الجلاء: الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك, فيسهل عليك الإعراض عنها.
* قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: الزهد على ثلاثة أوجه: ترك الحرام وهو زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الحلال, وهو زهد الخواص. والثالث: ترك ما يشغل عن الله, وهو زهد العارفين. وهذا الكلام من الإمام أحمد...من أجمع الكلام,
* الذي أجمع عليه العارفون أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا وأخذُه في منازل الآخرة, وعلى هذا صنف المتقدمون كتب الزهد كـ " الزهد " لعبدالله بن المبارك, وللإمام أحمد, ولوكيع, ولهناد بن السري, ولغيرهم.
* من أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك, وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أُصبت بها أرغب منك فيها لو لم تصبك. فهذا من أجمع كلامٍ في الزهد
* الفساق يزدحمون على مواضع الرغبة في الدنيا, ولتلك المواقف كظيظ من الزحام, فالزاهد يأنف من مشاركتهم في تلك المواقف ويرفع نفسه عنها لخسة شركائه فيها, قيل لبعضهم ما الذي زهدك في الدنيا؟ قال قلة وفائها وكثرة جفائها وخسة شركائها.
منزلة الورع
* من منازل ﴿ {إياك نعبدُ وإياك نستعين} ﴾ منزلة الورع, وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع في كلمة واحدةٍ فقال «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» فهذا يعمُّ الترك لما لا يعني من الكلام والنظر والاستماع...وسائر الحركات الظاهرة والباطنة.
* الورع يطهر دنس القلب ونجاسته, كما يطهر الماء دنس الثوب ونجاسته.
* قال يونس بن عبيد: الورع الخروج من كل شبهة, ومحاسبة النفس مع كل طرفة.
*قال بعض السلف: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به
* قال بعض الصحابة رضي الله عنهم: كنّا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن تقع في باب من الحرام.
* العارف يترك كثيراً من المباح إبقاءً على صيانته, ولا سيما إذا كان ذلك المباح برزخاً بين الحلال والحرام, فإن بينهما برزخاً.
* قال سفيان الثوري: ما رأيت أسهل من الورع, ما حاك في نفسك تركته.
منزلة التبتل
* من منازل ﴿ { إياك نعبدُ وإياك نستعين } ﴾ : منزلة التبتل, قال الله تعالى: ﴿ {واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً} ﴾ [المزمل:8] والتبتل : الانقطاع.
* التبتل يجمع أمرين اتصالاً وانفصالاً لا يصحُّ إلا بهما, فالانفصال: انقطاع قلبه عن حظوظ النفس المزاحمة لمراد الرب منه,...والاتصال لا يصحُّ إلا بعد هذا الانفصال, وهو اتصال القلب بالله وإقباله عليه وإقامة وجهه له حباً وخوفاً ورجاءً وإنابةً وتوكلاً.
منزلة الرجاء:
* من منازل ﴿ {إياك نعبدُ وإياك نستعين} ﴾: منزلة الرجاء, قال تعالى: ﴿ {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } ﴾ [الكهف:110]
* الرجاء ثلاثة أنواع: نوعان محمودان, ونوع مذموم فالأوَّلان: رجاءُ رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثوابه ورجل أذنب ثم تاب منه فهو راج لمغفرته. والثالث رجل متماد في...الخطايا يرجو رحمة الله بلا عملٍ فهذا هو الغرور والتمنِّي.
* الرجاء ضروري للمريد والسالك العارف, ولو فارقه لحظةً لتلف أو كاد, فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه, وعيب يرجو صلاحه, وعمل صالح يرجو قبوله, واستقامةٍ يرجو حصولها أو دوامها, وقربٍ من الله ومنزلة عنده يرجو وصوله إليها.
* الرجاء حادٍ يحدو به في سيره إلى الله, ويطّيب له المسير, ويحثه عليه, ويبعثه على ملازمته. فلولا الرجاء لما سرى أحد, فإن الخوف وحده لا يحرك العبد, وإنما يحركه الحبُ, ويزعجه الخوف, ويحدوه الرجاء.
منزلة الرغبة
* من منازل ﴿ {إياك نعبدُ وإياك نستعين} ﴾: منزلة الرغبة, قال الله تعالى: ﴿ {ويدعوننا رغباً ورهباً } ﴾ [الأنبياء:90]الفرق بين الرجاء والرغبة أن الرجاء طمع, والرغبة طلب فهي ثمرة الرجاء فإنه إذا رجا الشيء طلبه والرغبة من الرجاء كالهرب من الخوف
* من رجا شيئاً طلبه ورغب فيه, ومن خاف شيئاً هرب منه.
منزلة الرعاية
* من منازل ﴿ { إياك نعبدُ وإياك نستعين } ﴾: منزلة الرعاية, وهي مراعاة العلم وحفظه بالعمل, ومراعاة العمل بالإحسان والإخلاص وحفظه من المفسدات, ومراعاة الحال بالموافقة وحفظه بقطع التفرُّق, فالرعاية صيانة وحفظ.
* قد قيل: علامة رضا الله عنك سخطك على نفسك, وعلامة قبول العمل احتقاره واستقلاله وصغره في قلبك, حتى إن العارف ليستغفر الله عقيب طاعاته.
منزلة المراقبة
* من منازل ﴿ {إياك نعبدُ وإياك نستعين} ﴾: منزلة المراقبة, قال الله تعالى: ﴿ {واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} ﴾ [البقرة:235]
* المراقبة: دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه على ظاهره وباطنه, فاستدامته لهذا العلم واليقين هي المراقبة.
* قال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري رحمهما الله: إذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ونفسك, ولا يغرنك اجتماعهم عليك, فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك.
* سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوةً في قلبك وانشراحاً فاتهمه فإن الرب تعالى شكور. يعني أنه لابدَّ أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبة وقوةٍ وانشراحٍ وقرة عين.
* السرور بالله وقربه وقرة العين به تبعث على الازدياد من طاعته وتحثُّ على السير إليه.
منزلة تعظيم حرمات الله
*من منازل ﴿ { إياك نعبدُ وإياك نستعين} ﴾منزلةتعظيم حرمات الله قال تعالى ﴿ {ومن يعظم حرمات الله فهو خير الله عند ربه} ﴾[الخج:30]والحرمات ما يجب احترامه وحفظه من الحقوق والأشخاص والأزمنة....فتعظيمها توفيتها حقها وحفظها من الإضاعة
منزلة الإخلاص
* من منازل ﴿ {إياك نعبدُ وإياك نستعين } ﴾: منزلة الإخلاص, قال تعالى: ﴿ {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} ﴾ [البينة: 5] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعدٍ: «إنك لن تُخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازدادت به درجة ورفعة »
* العامل...الذي يخلِّصه من رؤية عمله: مشاهدته لمنة الله عليه وفضله وتوفيقه له, وأنه بالله لا بنفسه, وأنه إنما أوجب عمله بمشيئة الله لا مشيئته هو, كما قال تعالى: ﴿ {وما تشاءون إلا أن يشاء الله } ﴾ [التكوير:29]
* الذي يخلصه من رضاه بعمله وسكونه إليه أمران: أحدهما: مطالعة عيوبه وآفاته وتقصيره فيه, وما فيه من حظِّ النفس ونصيب الشيطان. الثاني: علمه بما يستحقه الربُّ جلَّ جلاله من حقوق العبودية وآدابها الظاهرة والباطنة وشروطها.
* العارف لا يرضى بشيءٍ من عمله لربه, ولا يرضى نفسه لله تعالى طرفة عينٍ, ويستحيي من مقابلة الله بعمله, فسوء ظنه بنفسه وعمله وبغضه لها, وكراهته لأنفاسه وصعودها إلى الله يحول بينه وبين الرضا بعمله والرضا عن نفسه.
* قال بعضهم: آفة العبد رضاه عن نفسه, ومن نظر إلى نفسه باستحسان شيءٍ منها فقد أهلكها, ومن لم يتهم نفسه على دوام الأوقات فهو مغرور.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ