إفشاء الأسرار في التواصل الاجتماعي
إن نقل كلام الآخرين من المجموعات الخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي دون إذنهم من كبائر الذنوب، ويدخل كذلك في التجسس والنميمة وهي من سيئ الأخلاق؛ لأنها تفضي إلى الخصومة والعداوة والبغضاء بين المسلمين، وتمزيق وحدة الصف، وتشتيت الكلمة.
- التصنيفات: وسائل التكنولوجيا الحديثة -
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فمن الظواهر السيئة والمحرمة التي انتشرت بعد تطور وسائل الاتصال في شبكة الإنترنت - ظاهرة تسريب الرسائل والبصمات الصوتية من المجموعات الخاصة دون موافقة الأعضاء، أو من يدير هذه المجموعات المعينة، سواء كان بقصد أو دون قصد، تلميحًا أو تصريحًا؛ لأن المجالس أمانات ولا يجوز إفشاء أسرارها، وكذلك التنصت على هواتف الناس ومكالماتهم.
وهذا العمل القبيح والمشين يدخل في التجسس والنميمة والخيانة، وهي من سيئ الأخلاق وأقبحها وأكثرها خطرًا؛ لأنها تفضي إلى الخصومة والعداوة والبغضاء بين المسلمين.
وليس من شرط المحافظة على أمانة المجلس أن يخبر المتكلم أو المشارك في المجموعة بالكتابة أو بالبصمة الصوتية الآخرين بأن هذا الكلام سر، فلا يخرج أو يخبر به أحدًا، بل يكفي أن تدل القرينة على ذلك، وخصوصية هذه الكروبات، وحساسية ما يذكر فيها.
فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة»؛ (رواه الترمذي، وحسنه الشيخ الألباني).
ومن صور التجسس المحرم هو استماع المرء إلى حديث قوم، وهم له كارهون، فقد توعد من يفعل هذا على لسان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأنه سيصب في أذنه الآنك يوم القيامة بسبب فعلته؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قول النبي عليه الصلاة والسلام: «من استمع إلى حديث قوم، وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُب في أذنه الآنك يوم القيامة»؛ (رواه البخاري)، والآنك هو الرصاص المذاب.
وفي هذا الحديث دلالة على أن الاستماع لحديث الآخرين، ونقله بغير رضاهم وإذنهم - من التجسس المحرم الذي نهى عنه تعالى في كتابه العزيز، وكذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عنه وحذر منه، وبترتيب هذه العقوبة القاسية المذكورة في الحديث على من يفعل هذا دليل واضح على تحريم هذا الفعل المشين.
قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].
والتجسس: هو تتبع عورات الناس وهم في خلواتهم، إما بالنظر إليهم وهم لا يشعرون، وإما باستراق السمع وهم لا يعلمون، وإما بالاطلاع على مكتوباتهم الخاصة ووثائقهم وأسرارهم وما يخفونه عن أعين الناس دون إذن منهم، ومن ثم نقلها للآخرين.
وعن أبي هريرة رضيَ الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا...»؛ (متفق عليه).
وهذا الفعل المشين يدخل كذلك في باب النميمة، والتي هي من كبائر الذنوب والمعاصي، وقد ذم الله تعالى الذي يمشي بين الناس بالنميمة.
قال تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11]، والنميمة هي: نقل الكلام بين الناس بغاية الشر والإفساد فيما بينهم، وإفشاء السر وهتكه عما يكره كشفه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر رسول الله عليه الصلاة والسلام على قبرين فقال: «إنهما لَيعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما، فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»؛ (متفق عليه).
وعن حذيفة بن اليمان رضيَ الله عنه، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «لا يدخل الجنة نمام»، وفي رواية: «قتات»؛ (رواه مسلم).
وقوله عليه الصلاة والسلام في مسند الإمام أحمد: «ألا أخبركم بشراركم؟ المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة...».
والخلاصة:
إن نقل كلام الآخرين من المجموعات الخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي دون إذنهم من كبائر الذنوب ومن المحرمات، ويدخل كذلك في التجسس والنميمة وهي من سيئ الأخلاق وأقبحها وأكثرها خطرًا؛ لأنها تفضي إلى الخصومة والعداوة والبغضاء بين المسلمين، وتمزيق وحدة الصف، وتشتيت الكلمة.
والحفاظ على الأسرار في كلام الناس ومجموعاتهم الخاصة هي من الأمانات، ومن العهود التي يجب الحفاظ عليها، ويجب التغليظ على من يفشونها، ويخونون الأمانة، وينقضون العهد، ويحرم السكوت عنهم لمن عرف حالهم، بل يجب عليه إخبار القائمين على المجاميع الخاصة لإخراجهم منها والحفاظ على أسرار الجماعة.
فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى ويستشعر مراقبته، ويتذكر دائمًا أن إفشاء أسرار الناس من الغدر والخيانة الذي توعده عليه الصلاة والسلام بالفضيحة أمام الأشهاد يوم القيامة؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إن الغادر يقوم يوم القيامة ينصب له لواء، فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان»؛ (متفق عليه)؛ يعني: باسمه المخصوص، وباسم أبيه، وهذه مبالغة في العقوبة، وشدة الشهرة والفضيحة، والعياذ بالله تعالى، والله تعالى أعلم.
________________________________________________
الكاتب: د. ضياء الدين عبدالله الصالح