تفسير قوله تعالى: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى...}

سليمان بن إبراهيم اللاحم

قوله تعالى: ﴿ أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [البقرة: 108].

  • التصنيفات: القرآن وعلومه - التفسير -

قوله: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} الآية.

 

رُوي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "قال رافع بن حريملة، ووهب بن يزيد: يا محمد، ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه، وفجِّر لنا أنهارًا، نتَّبعك ونصدقك؛ فأنزل الله في ذلك من قولهم: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} "[1].

 

وعن مجاهد قال: "سألت قريش محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبًا قال: «نعم، وهو لكم كالمائدة إن كفرتم» فأبوا ورجعوا، فأنزل الله: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} أن يريهم الله جهرة"[2].

 

قوله: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ} "أم" هي المنقطعة التي بمعنى "بل" التي للإضراب الانتقالي، وهمزة الاستفهام الإنكاري، وجملة {أَنْ تَسْأَلُوا} في محل نصب مفعول {تُرِيدُونَ} والخطاب لهذه الأمة.

 

أي: بل أتريدون سؤال رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم سؤال تعنت وعناد، وأضافه- عز وجل- إليهم مع أنه رسوله؛ لأنه مرسل إليهم.

 

{كَمَا سُئِلَ مُوسَى}، الكاف للتشبيه، في محل نصب نعت لمصدر محذوف، أي: كما سأل بنو إسرائيل موسى- عليه الصلاة والسلام- تعنتًا وعنادًا، وفي هذا تعريض بذمهم، حيث شددوا، فشدد الله عليهم، كما قال تعالى عنهم مخاطبًا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء: 153]، وكقولهم: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة: 55]، وقولهم: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138].

 

والمعنى: لا تكثروا سؤال رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم كما أكثر اليهود سؤال موسى- عليه الصلاة والسلام.

 

وفي هذا تحذير لهذه الأمة، أن تحذو مع نبيها محمد صلى الله عليه وسلم حذو اليهود مع موسى- عليه السلام- في كثرة سؤالهم، مما كان سببًا لهلاكهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة: 101].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم»[3].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان، فلا تسألوا عنها»[4].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا رجل سأل عن مسألة لم تحرم، فحرمت من أجل مسألته»[5].

 

وكان صلى الله عليه وسلم: "ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"[6].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»[7].

 

وقد ضرب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم- في الأدب معه صلى الله عليه وسلم وقلة أسئلتهم له أروع الأمثلة، فعن أنس- رضي الله عنه- قال: "نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشيء، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله ونحن نسمع"[8].

 

وعن البراء بن عازب- رضي الله عنه- قال: "إن كان ليأتي عليَّ السنة أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فأتهيب منه، وإن كنا لنتمنى الأعراب"[9].

 

وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "ما رأيت قومًا خيرًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ما سألوه إلا عن ثنتي عشرة مسألة، كلها في القرآن: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219]، و {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217]، و {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220]. يعني هذا وأشباهه"[10].

 

وقوله عز وجل: {أَمْ تُرِيدُونَ} لا يدل على وقوع السؤال منهم، بل هو دال على عدم وقوعه لكن ربما جاش في نفوس بعضهم، أو أثارته شبه اليهود ومغالطاتهم؛ لهذا جاء التحذير من ذلك على سبيل الإنكار والذم.

 

قال ابن كثير[11]: "والمراد أن الله ذم مَن سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء على وجه التعنت والاقتراح، كما سألت بنو إسرائيل موسى- عليه السلام- تعنتًا وتكذيبًا وعنادًا".

 

{وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} الواو: استئنافية، و"من" شرطية، و"يتبدل" فعل الشرط، وجوابه: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.

 

والتبدل: أخذ شيء مكان شيء. و"يتبدل" أبلغ من "يبدل" لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالبًا.

 

والمعنى: ومن يأخذِ الكفر ويخترْهُ ويَعْتَضْ به عن الإيمان.

 

وفي هذا إثبات الاختيار والإرادة للإنسان في فعله، والرد على الجبرية.

 

{فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}الفاء رابطة لجواب الشرط، لاقترانه بـ"قد"، و"ضل" بمعنى: تاه، وبعد، وأخطأ.

 

{سَوَاءَ السَّبِيلِ} أي: وسط الطريق، وسواء الشيء وسطه، كما قال تعالى: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55]. أي: في وسط الجحيم.

 

والمعنى: فقد تاه وأخطأ وسط الطريق، والمنهج السوي، والطريق المستقيم، وخرج إلى حافات الطريق، وتشعبت به السبل، كما قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].

 

وفي هذا إشارة إلى أن كثرة سؤال الأنبياء والتعنت عليهم، ومخالفتهم، وتكذيبهم من تبدل الكفر بالإيمان، والضلال، والخروج عن وسط الطريق، والمنهج السوي، والطريق المستقيم.

 

الفوائد والأحكام:

1- إثبات النسخ في القرآن الكريم، لقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]، وكما قال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النحل: 101].

 

وعليه دلَّت وقائع النسخ الثابتة في القرآن الكريم، كتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، والتخيير بين صيام رمضان والإطعام بإيجاب الصيام، ونسخ مفهوم إباحة شرب الخمر في غير وقت الصلاة بتحريمه مطلقًا، ونسخ وجوب مصابرة الواحد من المسلمين للعشرة من الكفار في القتال بوجوب مصابرته لاثنين فقط، ونسخ وجوب تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم بالعفو عنها بلا بدل، ونسخ وجوب قيام الليل باستحبابه.

 

وهي لا تتجاوز عشرة أحكام، كما ذكر ذلك ابن القيم في "إعلام الموقعين"[12].

 

كما أن النسخ ثابت في السُّنَّة وفي الشرائع السابقة. فهو ثابت شرعًا وجائز عقلًا.

 

وهو قسمان: نسخ إلى بدل، ونسخ إلى غير بدل.

 

والنسخ إلى بدل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: نسخ إلى بدل أخف، وإلى بدل مساوٍ، وإلى بدل أثقل.

 

وينقسم باعتبار المنسوخ إلى ثلاثة أنواع: نسخ اللفظ وبقاء الحكم، كما في نسخ لفظ آية الرجم وبقاء حكمها، ونسخ الحكم مع بقاء اللفظ، كما في آية المصابرة، وآية تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونسخ اللفظ والحكم معًا، كما في حديث عائشة- رضي الله عنها: "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرِّمن، ثم نسخن بخمسٍ معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن[13]"[14].

 

فعشر رضعات يحرمن؛ نسخ لفظها وحكمها، وخمس رضعات يحرمن؛ نسخ لفظها وبقي حكمها.

 

ويمثل بعضهم لهذا النوع من النسخ وهو نسخ اللفظ والحكم معًا بما نسخ من سورة الأحزاب غير آية الرجم، حيث كانت- فيما روي- تعدل سورة البقرة، ثم نسخ منها ما نسخ[15].

 

وقد ذهب أبومسلم الأصفهاني من المعتزلة إلى إنكار وجود النسخ في القرآن الكريم، وشايعه على هذا الرأي عدد من المتأخرين في العصر الحاضر.

 

وفي الآيات القرآنية الدالة على ثبوت النسخ في القرآن الكريم، وإجماع المسلمين على ذلك، وفي وقائع النسخ الصحيحة التي لا يمكن دفعها، ما يكفي لدحض وتفنيد هذا القول[16].

 

2- أن الله- عز وجل- قد يُنسى نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء مما أوحاه إليه؛ لقوله تعالى: {أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106]، وكما قال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} [الأعلى: 6، 7].

 

3- تقرير عظمة الله- عز وجل- لقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106] بضمير العظمة؛ لأنه- عز وجل- هو العظيم سبحانه ذو العظمة والكبرياء.

 

4- أن الحكم قد يكون خيرًا للعباد في وقت ويكون غيره خيرًا منه في وقت آخر؛ لقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106] فالمنسوخ قبل نسخه خير للعباد، وبعد نسخه ناسخه خير منه.

 

5- أن ما ينسخه الله- عز وجل- من الآيات، أو ينسيه نبيه صلى الله عليه وسلم يأتي سبحانه بخير منه للعباد في دينهم ودنياهم وأخراهم، أو يأتي بمثله؛ لقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106].

 

6- أن النسخ لحكم عظيمة من أهمها مراعاة مصالح العباد، في الدين والدنيا والآخرة، سواء كان النسخ إلى بدل أو لغير بدل، إلى بدل أخف، أو إلى بدل مساو أو إلى بدل أثقل، نسخًا للفظ دون الحكم، أو للحكم دون اللفظ، أو لهما جميعًا؛ لقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106].

 

فإن كان النسخ إلى غير بدل- كما في نسخ وجوب تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إلى بدل أخف كما في نسخ وجوب مصابرة الواحد للعشرة بمصابرته للاثنين، ونسخ وجوب قيام الليل إلى الندب، ففي هذا التخفيف على العباد مع تمام الأجر.

 

وإن كان النسخ إلى بدل مساوٍ- كما في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، ففيه الابتلاء والامتحان لهم، ومضاعفة الأجر لهم على التسليم والانقياد، والطاعة والامتثال، كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143].

 

وإن كان النسخ إلى بدل أثقل- كما في نسخ التخيير بين صيام رمضان والإطعام بإيجاب صيامه، ففيه مضاعفة الأجر والثواب لهم؛ لأن الأجر على قدر المشقة، مع مراعاتهم في التدرج في التشريع.

 

وإن كان النسخ للفظ مع بقاء الحكم- كما في نسخ آية الرجم، وبقاء حكمها، ففيه بيان فضل هذه الأمة بالعمل بما أنزل الله- عز وجل- وإن لم يجدوا نصه في القرآن الكريم، والرد على اليهود الذين أنكروا الرجم وكتموه- مع أنه منصوص عليه في التوراة.

 

وإن كان النسخ للحكم مع بقاء اللفظ- كما في نسخ التخيير بين الصيام والإطعام، ونسخ مصابرة الواحد للعشرة، ونسخ وجوب تقديم الصدقة بين يدي مناجاته صلى الله عليه وسلم، ونسخ وجوب قيام الليل ففيه التعبد بتلاوته، وتذكير الأمة بنعمة الله عليهم بالتخفيف في نسخ هذا الحكم.

 

وإن كان النسخ للفظ والحكم معًا كما ورد أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة، فقد يكون فيه مراعاة التخفيف والمصلحة، أو غير ذلك.

 

7- أن القرآن ينسخ السنة، ولا خلاف في هذا، وأن السنة لا تنسخ القرآن على الصحيح؛ لقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]، ولم يثبت شيء من هذا[17].

 

8- إثبات قدرة الله- عز وجل- التامة على كل شيء، ومن ذلك نسخ ما شاء، وغير ذلك، وتقرير علمه صلى الله عليه وسلم وعلم العباد بذلك؛ لقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106].

 

9- إثبات ملك الله- عز وجل- للسموات والأرض، ملكًا تامًّا لأعيانهما، ملكًا وخلقًا وتدبيرًا لهما، واختصاصه- عز وجل- بذلك، وتقرير علم العباد بذلك؛ لقوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: 107].

 

10- لا ولي ولا نصير للمؤمنين في الحقيقة- غير الله- عز وجل فيجب اللجوء إليه والتوكل عليه في جلب النفع ودفع الضر- مع الأخذ بالأسباب؛ لقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 107].

 

11- إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم، وأنها عامة لجميع الناس؛ لقوله تعالى: {رَسُولَكُمْ} [البقرة: 108].

 

12- تحذير هذه الأمة من كثرة سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم، والتشبه باليهود في كثرة سؤالهم لموسى- عليه الصلاة والسلام- تعنتًا منهم، وعنادًا وتشددًا، وذم اليهود في مسلكهم هذا؛ لقوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ}.

 

13- إثبات رسالة موسى- عليه الصلاة والسلام- وما حصل له من الأذى من قومه، وفي ذلك تسلية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

14- الإشارة إلى أن هذه الأمة ستتبع سنن من كان قبلها من الأمم كما قال صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سَنَنَ مَن كان قبلكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه». قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فَمَنْ» ؟"[18].

 

15- ذم كثرة الأسئلة، وأن السؤال ينبغي أن يكون عند الحاجة، كما قال عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، الأنبياء: 7].

 

16- التحذير من تبدل الكفر بالإيمان، وأن من فعل ذلك فقد ضل عن المنهج السوي، والطريق المستقيم؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.

 

17- إثبات الإرادة والاختيار، للإنسان؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} وفي هذا رد على الجبرية.

 

18- الإشارة إلى أن كثرة سؤال الأنبياء فيما لا تدعو الحاجة إليه تعنتًا وعنادًا من تبدل الكفر بالإيمان، والخروج عن سواء السبيل.

 

19- أن الهدى وسلوك الطريق المستقيم، والمنهج القويم بالإيمان، واتباع الرسل- عليهم الصلاة والسلام.

 

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

 


[1] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2/ 409)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 202) - الأثر (1074). وانظر: "السيرة النبوية" (1/ 197).

[2] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (2/ 410)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 203).

[3] أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة (7288)، ومسلم في الحج (1337)، والنسائي في مناسك الحج (2619)، وابن ماجه في المقدمة2- من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه.

[4] أخرجه الدارقطني (4/ 183، 184)، وأبونعيم في "الحلية" (9/ 17)، والبيهقي (10/ 12، 13)، من حديث أبي ثعلبة الخشني- رضي الله عنه- وصححه ابن كثير في "تفسيره" (3/ 252)، وأخرجه الطبري في "جامع البيان" (9/ 24) موقوفًا على أبي ثعلبة- رضي الله عنه.

[5] أخرجه البخاري في الاعتصام (7289)، ومسلم في الفضائل (2358)، وأبوداود في السنة (4610)، وأحمد (1/ 176)- من حديث سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه.

[6] أخرجه البخاري في الرقاق (6473)، ومسلم في الأقضية (593)، والنسائي في السهو (1341)- من حديث المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه.

[7] أخرجه الترمذي في الزهد (2317)، وابن ماجه في الفتن (3976)- من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه.

[8] أخرجه مسلم في الإيمان (12)، والنسائي في الصيام (2091).

[9] أخرجه الحافظ أبويعلى الموصلي في "مسنده"- فيما ذكر ابن كثير في "تفسيره" (1/ 219).

[10] أخرجه البزار فيما ذكر ابن كثير في "تفسيره" (1/ 219).

[11] في "تفسيره" (1/ 219).

[12] (4/ 180).

[13] أي: أن نسخها كان متأخرًا حتى إن بعض الناس كانوا يقرؤونها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، لعدم علمهم بنسخها.

[14] أخرجه مسلم في الرضاع (1452)، وأبوداود في النكاح (2062)، والنسائي في النكاح (3307)، وابن ماجه في النكاح (1942).

[15] كما في حديث زر بن حبيش قال: قال لي أبي بن كعب: "كأي تقرأ سورة الأحزاب، أو كأي تعدها؟ قال: قلت له: ثلاثًا وسبعين آية. قال: قط، لقد رأيتها، وإنها لتعادل سورة البقرة" الحديث، أخرجه أحمد (5/ 132)، قال ابن كثير في "تفسيره" (6/ 376): "ورواه النسائي من وجه آخر عن عاصم- وهو إسناد حسن، وهو يقتضي أنه كان فيها قرآن ثم نسخ لفظه وحكمه أيضًا".

[16] انظر في تحقيق القول بثبوت النسخ في القرآن والرد على أبي مسلم ومن شايعه "الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس- بتحقيقنا (1/ 400-404).

[17] انظر: "مجموع الفتاوى" (20/ 398).

[18] أخرجه البخاري في الأنبياء (3456)، ومسلم في العلم (2669)- من حديث أبي سعيد- رضي الله عنه.