عملـيــة إنعــاش

فاطمة الأمير

وليكن إنعاش القلب وإحياؤه قبل رمضان بوقت كافٍ، فهنيئًا لمن تدرب وتمرَّن على فك حصار شهوات وشبهات النفس، ودفع بها بعيدًا عن نفسه، وانطلق ليحتضن رمضان بقوة.

  • التصنيفات: ملفات شهر رجب والإسراء والمعراج - ملفات شهر شعبان -

بقلم / فاطمة الأمير

أحد عشر شهرًا وبعضنا يضع لافتة عنوانها التغافل والكسل، لدرجه شعورهم بأن الجسد مثقل من كثرة الأعباء الدنيوية والذنوب المتراكمة، وقد جفت العيون من قلة الدموع، وأصبح القلب خرابًا كقطعة أرض هجرها صاحبُها، فأصبحت من قلة السقي موحشةً، وقد امتلأت النفس بالمتاهات، فأصبحت الروح أسيرة مقيدة بكثرة الذنوب، فأحد عشر شهرًا ليست بالقليلة ففيها أحداث وقصص ومواقف وعبر، فاحذر أخي الصائم أن تضيع بدايتك، فتكون النهاية حسرة وألَمًا على ما فرَّطت من كنوز وغنائم.

إخوتي في الله، ربما لن تنهمر الدموع من أول يوم، ولن يخشع القلب من أول ليلة، ولن يكون اللسان ذاكرًا وخاتمًا من أول لحظة، فميلادك يحتاج إلى عملية إنعاش وتدريب، وانطلاقة من جديد.

وليكن إنعاش القلب وإحياؤه قبل رمضان بوقت كافٍ، فهنيئًا لمن تدرب وتمرَّن على فك حصار شهوات وشبهات النفس، ودفع بها بعيدًا عن نفسه، وانطلق ليحتضن رمضان بقوة.

يقول أحد السلف: "رجب شهر البذر وشعبان شهر السُّقيا، ورمضان شهر الحصاد".

فليكن استعدادنا من شهر رجب يليه شعبان؛ قال الله عز وجل:  { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [التوبة: 36].

والأشهر الحرم هي (ذو القعدة وذو الحجة ورجب والمحرم)، وقد سُميت هذه الأشهر حُرمًا؛ لأن الله سبحانه وتعالى حرَّم فيها ارتكاب المعاصي والقتال، وانتهاك الحرمات، فشهر رجب من الأشهر الحرم، فإذا كانت المعصية محرمة في باقي شهور السنة، فهي في شهر رجب أشد تحريمًا؛ لما فيها من ظلم للنفس عند ارتكاب المعاصي، فقال الله سبحانه وتعالى:  {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }  [التوبة: 36].

ولكن علينا ألا نختصه بعبادة، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اختص شهر رجب بعبادة، كأن عدَّد من الختمات، أو أكثر من الصيام والقيام والصدقة، أو اختصه بأداء العمرة، وإن كانت هناك أحاديث، فهي إما موضوعة أو مكذوبة. ومن الأخطاء الكبيرة: الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، والواقع أنه لم يثبت في أي حديث أنها في شهر رجب.

فكل ما علينا إخوتي في الله أن نستعدَّ فقط، وأن نمتنع عن ارتكاب المعاصي وعدم تخصيص أي عبادة في هذا الشهر الحرام، فلنحرص في هذا الشهر على تعديل نمط حياتنا، وإيقاف أي تعديات على أنفسنا؛ لكيلا نظلمَها بفعل الذنوب، ولكي ندخل رمضان أيضًا بثوب أبيض نقي، فيكون بمثابة ميلاد جديد لنا ولقلوبنا؛ ليصبح القلب قريبًا من ربه بعدما غُسِل ونُقِّي من آثار المعاصي والذنوب، وتكون حياتنا بداية جديدة وموفقة بمشيئة الرحمن.