رسالة إلى المرأة في شهر رمضان (رمضانك أخيتي)
فاطمة الأمير
أُخيَّتي، قد أعطاك الله الحياة اليوم؛ فأحسني العيش فيها، وليكن انقضاؤها في طاعة، واللهِ إن جنة ربك غالية فهل ستبيعينها وتتركين تنوُّع الطعام يُلهيك عنها؟!
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - ملفات شهر رمضان -
أخيتي في الله، أكتُب لكِ كلمات تخرج من القلب تنبض خوفًا عليكِ، فوالله إني أخشى عليك فلتستمعي إلي، ودعيني أتساءل يا أخيتي: كم مرة ضاعت منك مواسم الطاعة، وابتعدتِ عن التلذذ بالعبادات فيها، وتركتِ عطايا وكنوز ربِّ العباد تذهب من بين يديك، تتبخر أمامك وأنتِ منشغلة؟ أعجب منك يا أخيتي حين يضيع منك شهر النفحات والحسنات!
ثلاثون يومًا تعملين فيها على طهي أنواع كثيرة من الطعام، ومتنقلة في الأسواق، نائمة في أشد الأوقات جمالًا، غافلة وناسية حتى عن ترديد أذكار صباحك ومسائك، بائعة ومعطية ظهرك لفيض الحسنات.
الثواني تعقبها الدقائق، والدقائق تعقبها الساعات، والساعات تعقبها الأيام، وها أنت تخرجين من هذا الشهر خاوية! يا أخيتي هل تضمنين أن تستمر حياتك إلى العام القادم؛ لتمحي سيئات ما مضى من سنين حياتك؟ لا تعلمين كم مرة كنتِ فيها مذنبة، ومن منا بلا سيئات أو ذنوب، ولكننا نستغل عطايا الرحمن في هذا الموسم - الذي هو من أهم مواسم الطاعة والخير - لنغتسل فيه من ذنوب نعرِفها، وذنوب طُمِست بداخلنا وكانت في طي النسيان، فما عدنا حتى نستغفر منها، ولكن ما عند الله لا يُنسى، وكل شيء عنده في كتاب.
أُخيَّتي، قد أعطاك الله الحياة اليوم؛ فأحسني العيش فيها، وليكن انقضاؤها في طاعة، واللهِ إن جنة ربك غالية فهل ستبيعينها وتتركين تنوُّع الطعام يُلهيك عنها؟!
يكفيك من إعداد الطعام القليل؛ فشهر رمضان شهر عبادة وطاعة، شهر غذاء الأرواح وليس شهر غذاء البطون؛ قال صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ ابنُ آدم وعاءً شرًّا من البطن، فإنْ كان لا بد فثُلُثٌ للطعام، وثُلُثٌ للشراب، وثُلُثٌ للنَّفَس"؛ رواه الترمذي، وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: " «يكفي ابن آدم لُقيمات يُقِمْنَ صُلبَه، ولا يُلام على كفاف» "؛ (أخرجه مسلم).
رمضان ليس لتنوع الطعام والشراب والملبس، فكثرة الطعام تمرض البدن؛ قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، والإسراف في المأكل تحريك لشهوات البطن، وازدياد في الكسل وزيادة في الأمراض، وإعراض عن أداء العبادات، والإسراف في الملبس هو تحريك لشهوة الكبر في قلب الإنسان؛ فلتغتنمي وقت إعداد طعامك في الذكر والتسبيح والاستغفار، لتكن صلاتك في موعدها مؤدية لها بخشوع، ولتقرئي وِردَكِ من القرآن بتدبر، ولتتركي العنان لدموعك، لتتفاعلي مع معاني الآيات القرآنية العظيمة؛ فلكل آية رسالة من رب العباد تقرِّبك من خالقك أكثر فأكثر.
استمعي لدروس أحد الشيوخ والدعاة المفضَّلين لديك؛ ليزيد من ترقيق قلبك، ولتتعايشي مع أسرتك في جو رمضاني جميل، ولتملئيه بأطيب العبادات، ولتكن هناك مسابقة في بيتك على الاجتهاد في العبادة والطاعة، فما أعظمه من شهر! وما أجمله من لقاء! لذا فلتَغتنمي اليوم ولتحييه بالتفكير في كيفية التنويع في عباداتك أنت وأسرتك!
ضَعي غاليتي خُطتك هذا العام على ورقة، ولتضعي لها عنونًا ولتخطيه بكل ثقه وقوة، ولترددي على مسامعك بصوت عالٍ وتقولي: سأعبد الله واجتهد في طاعته كما لم أجتهد من قبلُ، وليكن هذا هو شعارك من الآن، ولتشجعي نفسك، وشُدي من أزرها، ولا تلقي بها إلى التهلكة، واحذري أن ترتدي ثوب الطاعة في رمضان، ثم يأتي العيد فتتطاير أعمالك وتأخذها رياح الفتن؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " «اطلعتُ في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء» "؛ (صحيح مسلم).
فاحذَري يا أَمَةَ الله أن تكوني منهم، من أجل أشياء ستشهد عليكِ فتأتي عباداتك التي ضيَّعتِها في نهار وليل رمضان، تشهد عليكِ وتقول: لقد ضيَّعتْني وتركتني من أجل طعام البطون، وكانت تكفيك لُقيمات صغيرة.
تشهد عليكِ صلاتك وأنتِ تاركة للفرض، يأتي عليك الفرض وأنتِ تعدين ما لذ وطاب.
تشهد عليكِ صدقتك وأنتِ تسرفين في شراء المشتريات، وقد نسيتِ إخراج صدقة يومك.
يشهد عليكِ ليلُك وقد ضيَّعتِ قيامه وقرآنه، وأنتِ إما متعبة ومنهكة، أو متابعة للصوص رمضان، متتبعة لكل ما يُعرض على شاشات التلفاز.
سيشهد عليكِ الذكر والتسبيح والاستغفار - وهي عبادات يسيرة - أنك لم تكوني مؤدية لها وغافلة عنها.
احذري أُخيتي من تضييع الفرص، فتتابع عليك سنوات عمرك وقد ضاعت فيما لا يفيد.
احذري من تضييع رمضان ومواسم الطاعة؛ فلن يفيد الندم وأنتِ تقرئين صحيفتك وتنظرين فيها، وتظلين تبحثين عن عباداتك؛ سواء كانت في رمضان، أم غيرها من الأيام.
اعقدي وجدِّدي النية من الآن أن رمضان هذا العام سيكون الأجمل لك، وبداية مولد جديد لقلبك، بداية التغيير، بداية لتنقية نفسك من ذنوب ما مضى.
فليكن رمضان بوابة العبور للالتزام، ليكن رمضان النور الذي جاء ليُبدد ظلام سنوات من الغفلة، ردِّدي بداخلك: ما أجمل صحيفتي وهي ممتلئة بأعمالي الصالحة!
احذري ثم احذري ضياع أيام معدودات، فاغتنميها أُخيتي تفتح لك أبواب الجنة في الآخرة، وأبواب الرخاء والسعادة في الدنيا!