علم ينفعنا في زمن كورونا
فبعد أكثر من عامين من ظهور فيروس كورونا المستجد، ووفاة الملايين حول العالم ومئات الملايين من حالات الإصابة، لا يزال البعض يشكك في حقيقة وجود المرض وانتشاره والعدوى التي يُحْدِثُها..
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ أما بعد:
فبعد أكثر من عامين من ظهور فيروس كورونا المستجد، وتسببه بجائحة أُطلِق عليها اسم كوفيد-19، ووفاة الملايين حول العالم ومئات الملايين من حالات الإصابة، لا يزال البعض يشكك في حقيقة وجود المرض وانتشاره والعدوى التي يُحْدِثُها، أما أقلهم تشكيكًا فيقول: إن كورونا اختفى ورحل، بالأخص عند تراجع أعداد الإصابات، أو لأن العديد منهم لم يُصَب بالمرض، أو أن إصابتهم كانت خفيفة، وآخرون في تراخٍ وتهاون، ولا يتقيدون بالإجراءات الوقائية؛ كالنظافة واستعمال الكمامات، والتباعد الجسدي، باعتبارها حرية شخصية، أو خجلًا من نظرة الغير لهم، أو لأسباب واهية يتحججون بها.
لكن الواقع عكس هذا، فالفيروس لا يزال موجودًا يصول ويجول، ويحصد الأرواح، ويفتك بالصغير والكبير، في أغلب مناطق العالم، ولم تنفع كل الإجراءات المتخذة ضده، فقد استعملت أدوية عديدة، ومستخلصات النباتات والزيوت العطرية واللقاحات، وتدابير الوقاية، ومختلف المنظفات والمطهرات، ولم يتم التغلب عليه، وهذه موجة تأتي ثم تذهب لتأتي موجة أخرى، وهذه متحورات للفيروس الأصلي وطفرات، وأعداد المرضى والموتى بين مد وجزر، ومع هذا، فأغلبية الناس إما في غفلة أو تهور أو إهمال، فلا هم استعملوا اللقاحات، ولا هم اتبعوا تدابير الوقاية والنظافة والتباعد، كما أنهم عملوا على توسيع رقعة العدوى من حيث يعلمون أو لا يعلمون، أما العلماء والباحثون، فهم في هَمٍّ وغم، يبحثون عن حل جذري وسريع لوقف زحف هذا الفيروس.
فماذا يجب فعله إضافة إلى كل ما سبق؟
إن أي فريق رياضي قبل خوض غمار مباراة ضد خصمه يجب أولًا أن يتعرف عليه ويدرسه جيدًا، ويعرف استراتيجيته وخطته الهجومية والدفاعية، ويعرف أهم اللاعبين ونقاط قوتهم وضعفهم، فتُصاغ الطريقة الصحيحة للفوز، تمامًا مثل فيروس كورونا المستجد الذي أصبح الخصم والعدو المشترك الأول للإنسانية جمعاء، وللقضاء عليه أو حتى تقليل خطره يجب التعرف عليه عن كثب، وتعريفه لعامة الناس وليس فقط أصحاب الاختصاص، فيجب إدماج كل البشر في هذا الصراع المصيري بين الإنسان والفيروس، فإذا عرفوه، تيقنوا واقتنعوا بوجوده حقًّا، ولن يشككوا أو يستهينوا بعد ذلك أبدًا، ولن يترددوا في اتخاذ التدابير اللازمة للحماية والوقاية من تفشي وانتشار هذا الفيروس، فيكون التخلص منه سهلًا.
والمعرفة هنا تكون بطريقة علمية بحتة بدراسة علم الأحياء الدقيقة أو الميكروبيولوجيا للجميع؛ حتى يستفيد عامة الناس، وكل التخصصات الجامعية، وحتى كل الأطوار الدراسية، بعيدًا عن الوسوسة والخوف والهلع، ولكن للحفاظ على الحياة البشرية، فالاستزادة من العلم أمر إلهي ونبوي؛ كما قال تعالى في كتابة الكريم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
إن تعلم الميكروبيولوجيا يفتح الباب واسعًا على عالم خفي لا يُرى بالعين المجردة، كائنات مجهرية متواجدة حولنا في كل مكان، في الهواء والماء والتراب وعلى الأسطح، ونحن لا نراها ولا نعرف عنها إلا القليل جدًّا؛ وهي البكتيريا والفيروسات، والفطريات والطفيليات والطحالب، وتتميز عن غيرها من الكائنات الحية بخواص فريدة من نوعها، بعضها ذات فائدة كبيرة فتستعمل - مثلًا - لتحضير أنواع من الأدوية والأغذية، وتتعايش سلميًّا مع الإنسان والحيوان وحتى النبات، وأخرى ذات أضرار متفاوتة الخطورة، تتسبب في أمراض مختلفة لكل الكائنات الحية، هذا العلم يسمح بفهم جيد لمرض كورونا وأمراض مُعدية أخرى، كما يُعَلِّم الناس كيفية الالتزام بالتدابير الصحية والنظافة.
ولهذا كان الإسلام سباقًا دائمًا للحث على نظافة وطهارة الجسم واللباس والمكان في العديد من آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية، وهذا إعجاز ضمني عن وجود عالَم خفي من الكائنات المجهرية المحيطة بِنا، والتي يمكن أن تكون ضارة، فالنظافة والطهارة بانتظام تعتبر أول الأسلحة التي تقلل من خطورة الأمراض الجرثومية والمُعدية.
ولكن مع تعميم تعلم الميكروبيولوجيا وجب على الإنسان أن يكون ذا وعي كافٍ، وأن يتحلى بالمسؤولية تجاه الغير وتجاه المجتمع، فالحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، سيما الأشخاص المسنين وضعاف المناعة، كما يجب ترسيخ مبدأ نبوي مهم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، فلا يضر أحد نفسه أو غيره، بقصد أو غير قصد.
والحمد لله دائمًا القائل في محكم التنزيل: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32].
______________________________________________________
الكاتب: د. نيروز بن زقوطة