من درر العلامة ابن القيم عن القرآن الكريم -1
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
* ليس في القرآن حرف زائد, وتكلمنا على كل ما ذكر في ذلك, وبينا أن كل لفظةٍ لها فائدة متجددة زائدة على أصل التركيب.[بدائع الفوائد]
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فقد صنف علماء الإسلام قديماً وحديثاً في شتى مباحث القرآن الكريم وعلومه وفنونه, فمنهم: من أفرد ذلك في كتبٍ مستقلة, ومنهم من تناول ذلك في عدد من مصنفاته, وممن تكلم كثيراً عن القرآن الكريم في عدد من مصنفاته: العلامة ابن القيم رحمه الله, وقد يسر الله الكريم فجمعت بعضاً مما ذكره, أسأل الله أن ينفعني والجميع به.
- القرآن الكريم الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية:
**القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة وما كل أحدٍ يُؤهل ولا يُوفق للاستشفاء به, وإذا أحسن العليل التداوي به, ووضعه على دائه بصدق وإيمان, وقبول تام, واعتقاد جازم, واستيفاء شروطه, لم يقاومه الداء أبداً
**فاتحة الكتاب...الشفاء التام والدواء النافع...ومفتاح الغنى والفلاح وحافظة القوة ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها, وأحسن تنزيلها على دائه, وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها, والسر الذي لأجله كانت كذلك.
[زاد المعاد في هدي خير العباد]
** كتاب الله هو الشفاء النافع وهو أعظم الشفاء, وما أقل المُستشفين به! وكذلك ذكرُ الله والإقبالُ عليه والإنابةُ إليه والفزعُ إلى الصلاة, كم قد شُفي به من عليل! وكم قد عُوفي به من مريض! وكم قام مقام كثير من الأدوية التي لا تبلغ قريباً من مبلغه في الشفاء! وأنت ترى كثيراً من الناس بل أكثرهم لا نصيب لهم من الشفاء بذلك
** الحمد لله الذي جعل كتابه كافياً من كلِّ ما سواه, شافياً من كلِّ داء, هادياً إلى كل خير,...فآيات القرآن تحيي القلوب كما تحيى الأرضُ بالماء, وتُحرقُ خبثها وشبهاتها وشهواتها وسخائمها كما تُحرقُ النارُ ما يلقى فيها, وتميز زَبَدَها من زُبَدِها كما تميز النار الخبث من الذهب والفضة والنحاس ونحو منه.
[مفتاح دار السعادة]
** أخبر سبحانه عن القرآن أنه شفاء, فقال تعالى: { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء:82] فالقرآن كله شفاء...فهو شفاء للقلوب من داء الجهل والشك والريب, فلم ينزل الله سبحانه من السماء شفاء قط أعظم ولا أنفع ولا أعظم ولا أنجع في إزالة الداء من القرآن.
** لو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيراً عجيباً في الشفاء. ومكثتُ بمكة مدةُ تعترني أدواء, ولا أجد طبيباً ولا دواء, فكنتُ أعالج نفسي بالفاتحة, فأرى لها تأثيراً عجيباً, فكنت أصف ذلك لمن يشتكى ألماً وكان كثير منهم يبرأ سريعاً.
[الداء والدواء]
تبارك من جعل كلامه شفاء لصدور المؤمنين, وحياةً لقلوبهم, ونوراً لبصائرهم, وغذاءً لقلوبهم, ودواءً لأسقامهم, وقرةً لعيونهم, وفتح به منهم أعيناً عُمياً, وآذاناً صُماً وقلوباً غلفاً,...فأشرقت به الوجوه, واستنارت به القلوب.
[الكلام على مسألة السماع]
** كتابه...شفاء الصدور من أدوائها وجواها, وحياة القلوب, ولذة النفوس, ورياض القلوب, وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح, والمنادي بالمساء والصباح: يا أهل الفلاح, حيَّ على الفلاح.
** قد جربت أنا من ذلك في نفسي وفي غيري أموراً عجيبة, ولا سيما مدة المقام بمكة أعزَّها الله تعالى. فإنه كان يعرض لي آلام مزعجة, بحيث تكاد تقطع الحركة مني, وذلك أثناء الطواف وغيره, فأبادر إلى قراءة الفاتحة, وأمسح بها محل الألم, فكأنه حصاة تسقط, جربت ذلك مراراً عديدة. وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً وأشربه, فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء. والأمر أعظم من ذلك, ولكن بحسب قوة الإيمان وصحة اليقين. والله المستعان.
[مدارج السالكين في منازل السائرين]
- قراءة آيات السكينة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: سمعته يقول في واقعة عظيمةٍ جرت له في مرضه, تعجز العقول والقوى عن حملها – من محاربة أرواح شيطانية ظهرت له إذ ذاك في حال ضعف القوة – قال: فلما اشتد عليَّ الأمر قلت لأقاربي: اقرؤوا آيات السكينة, قال: ثم أقلع عني ذلك الحال.
ولقد جرَّبتُ أنا قراءة هذه الآيات عند اضطراب القلب مما يرد عليه, فرأيتُ لها تأثيراً عظيماً في سكونه وطُمأنينته. [مدارج السالكين في منازل السائرين]
- غذاء القلوب بسماع القرآن:
السماع الشرعي...أصلح الأغذية وأطيبها وأنفعها للعارفين, وهو غذاء قلوبهم الذي لا يشبع منه, كما قال إمام أهل هذا السماع عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله" وفي صفة القرآن "لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء " فهو قوت القلب وغذاؤه, ودواؤه من أسقامه وشفاؤه, وأما السماع الشعري الشيطاني فهو سُحت وقلب تغذي بالسُّحت بعيد من الله, غير الله أولى به [الكلام على مسألة السماع]
- القرآن الكريم كتاب حياة وهداية:
كتاب لم ينزل من السماء كتابٌ أهدى منه، خضعت له الرقاب، وسجدت له عقول ذوي الألباب، وشهدت العقول والفِطَرُ بأن مثله ليس من كلام البشر، وأن فضله على كل كلام كفضل المتكلم به على الأنام، وأنه نور البصائر من عماها، وجلاء القلوب من صداها، وشفاء الصدور من أدوائها وجواها، فهو حياتها الذي به حباها، ونورها الذي انقشعت به عنها ظلماؤها، وغذاؤها الذي به قوام قوتها، ودواؤها الذي حفظ به صحتها، وهو البرهان الذي زاد على برهان الشمس ضياء ونورًا،{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء: 88].
[الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة]
- تلاوة القرآن ربيع للقلوب وشفاء للصدور ونور للبصائر وحياة للأرواح:
ثم يأخذ بعد ذلك في تلاوة ربيع القلب، وشفاء الصدور، ونور البصائر، وحياة الأرواح، وهو كلام رب العالمين، فيحل به فيما شاء من روضات مونقات، وحدائق معجبات، زاهية أزهارها، مونقة ثمارها، قد ذُلِّلت قطوفها تذليلًا، وسُهلت لمتناولها تسهيلًا، فهو يجتني من تلك الثمار خيرًا يُؤمر به، وشرًّا يُنهى عنه، وحكمة وموعظة، وتبصرة وتذكرة، وعبرة . وإزالة لشبهة، وجوابًا عن مسألة، وإيضاحًا لمشكل، وترغيبًا في أسباب فلاح وسعادة، وتحذيرًا من أسباب خسران وشقاوة، ودعوة إلى هدًى.
[شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم]
- ذوق حلاوة القرآن بتدبر قراءته:
** وبالجملة, فلا شيء أنفعُ للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر, فإنه...يورثُ المحبةَ والشوقَ والخوفَ والإنابةَ والتوكلَ والرضا والتفويض والشكرَ والصبرَ وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكمالهُ, وكذلك يزجرُ عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه.
** لو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لا شتغلوا بها عن كلِّ ما سواها,...فقراءة آيةٍ بتفكرٍ وتفهم خير من قراءة ختمةٍ بغير تدبرٍ وتفهمٍ, وأنفع للقلب, وأدعى إلى حصول الإيمان وذوقِ حلاوة القرآن.
[مفتاح دار السعادة]
- القرآن لا يجد حلاوته ولا يذوق طعمه إلا القلب المطهر من الأنجاس:
قوله تعالى: {إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسُّهُ إلا المُطهرُون} [الواقعة:77-79] فحقيقة هذا أنه لا يمسُّ محله إلا المطهر, وإشارته أنه لا يجد حلاوته ويذوق طعمه ويباشر حقائقه إلا القلب المطهر من الأنجاس والأدناس, وإلى هذا أشار البخاري في صحيحه, فهذه من أصح الإشارات.
[الكلام على مسألة السماع]
- أسرار القرآن الكريم:
* أسرار كلام الله أجلُّ وأعظمُ من أن تدركها عقول البشر, وإنما غاية أولى العلم الاستدلال بما ظهر منها على ما وراءه, وإن بادية إلى الخافي يسير.
* الأسرار في القرآن لا يرقي إليها إلا بموهبة من الله وفهم يؤتيه عبداً في كتابه.
* تبارك من أودع كلامه من الحكم والأسرار والعلوم ما يشهد أنه كلام الله! وأن مخلوقاً لا يمكن أن يصدر منه مثل هذا الكلام.
* انظر إلى أسرار الكتاب وعجائبه وموارد ألفاظه, جمعاً وإفراداً, وتقديماً وتأخيراً, إلى غير ذلك من أسراره, فلله الحمد والمنة لا يُحصي أحد من خلقه ثناء عليه.
* ليس في القرآن حرف زائد, وتكلمنا على كل ما ذكر في ذلك, وبينا أن كل لفظةٍ لها فائدة متجددة زائدة على أصل التركيب.[بدائع الفوائد]