بر الوالدين وحضوره في سير الأنبياء ..
محمد سيد حسين عبد الواحد
أن يخرج أبوك من الدنيا وهو يدعو لك، أن تخرج أمك من الدنيا وهي عنك راضية أنت بهذا في نعيم مقيم ، أنت من أهل الجنة بفضل الله سبحانه وتعالي ..
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
أيها الإخوة الكرام: حفل القرآن الكريم بقصص الأنبياء ، قصة نوح عليه السلام ، قصة إبراهيم عليه السلام ،قصة داود قصة سليمان قصة يعقوب النبي ، قصة يوسف الصديق عليهم جميعاً وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام ..
أنبياء من العرب وأنبياء من الفرس وأنبياء من الروم { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} تتعدد قصصهم ، وتتنوع مواقفهم وأحوالهم وأحداثهم ..
غير أني لا حظت أن قاسما مشتركا بعد الدعوة إلى عبادة الله الواحد الأحد جمع بينهم جميعا عليهم الصلاة والسلام ..
لاحظت أن صورة حياتية تكررت منهم ، وعرفت عنهم ، وجمعت بينهم عليهم الصلاة والسلام وهى أنهم جميعا كانوا بررة بآبائهم وأمهاتهم ، ولم تأت إشارة قريبة أو بعيدة أن نبينا من الأنبياء كان عاقا لوالديه ..
كل الأنبياء كانوا بررة بآبائهم وأمهاتهم في حياتهم وبعد مماتهم : وقد أتى القرآن على ذكر برهم بآبائهم وأمهاتهم لنتعلم منهم ونقتدي بهم ، وفي سورة الأنعام جمع الله من أسماء الأنبياء ثمانية عشر اسما متتاليا في موضع واحد ثم قال : { أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ ۖ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ ۗ قُل لَّآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَٰلَمِينَ}
ورد في وصف يحي عليه السلام قول الله تعالى { وَبَرًّۢا بِوَٰلِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا }
وورد في شأن عيسى بن مريم عليه السلام {وَبَرًّۢا بِوَٰلِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا}
وورد في شأن إبراهيم عليه السلام {يَٰٓأَبَتِ إِنِّىٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَٰنِ وَلِيًّا ، قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ءَالِهَتِى يَٰٓإِبْرَٰهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَٱهْجُرْنِى مَلِيًّا ، قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّىٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِى حَفِيًّا}
وورد في شأن إسماعيل عليه السلام {قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِىٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ}
وورد في شأن يوسف عليه السلام {فَلَمَّا دَخَلُوا۟ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُوا۟ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ ، وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّوا۟ لَهُۥ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُءْيَٰىَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِىٓ إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِنۢ بَعْدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيْطَٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ}
ومن دعوات الأنبياء دعوة ابراهيم عليه السلام {رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ }
ومن دعوات المرسلين أيضاً دعوة نوح عليه السلام {رَّبِّ ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارًۢا }
قال القرطبي وغيره : دعا نوح لوالديه لأنهما كانا مؤمنين موحدين ، وقال ابن عباس لم يكفر بنوح والد فيما بينه وبين آدم عليه السلام ..
كل هذا القصص وكل هذه الدعوات إلى بر الوالدين " بطاعتهما ، بالإحسان إليهما ، بالتودد إليهما ، بحسن صحبتهما ، بالدعاء لهما ، بالترحم عليهما " كل ذلك يعطيك دليلا قاطعا على أن بر الوالدين هو أحد أهم قربة يتقرب بها المؤمنون إلى ربهم ، يستوي هذا في حقنا نحن المسلمين وفي حق جميع المؤمنين من لدن آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قال الله تعالى {وَصَاحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ }
قال ابن مسعود قلت : يا رسول أي العمل أحب إلي الله تعالى ؟
قال الصلاة على وقتها ..
قلت : ثم أي ؟
قال : بر الوالدين ..
قلت: ثم أي ؟
قال : الجهاد في سبيل الله ..
البطولة كل البطولة أن تُحسن صحبة والديك ، أن تخرج من الدنيا والأم راضية والأب راض ..
قَالَ النبي عليه الصلاة والسلام {نِمْتُ فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ} ( نسأل الله الكريم من فضله)
قَالَ النبي عليه الصلاة والسلام «نِمْتُ فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ الْبِرُّ كَذَلِكَ الْبِرُّ وَكَانَ حارثة أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ» ..
أن يخرج أبوك من الدنيا وهو يدعو لك ، أن تخرج أمك من الدنيا وهي عنك راضية ، أنت بهذا تخرج من الدنيا مغفورا لك..
ثم إن الله تعالي يبارك في حياتك بسبب إكرامك لوالديك ..
الله تعالي يبارك في مالك وعيالك بسبب إحسانك إلي أبويك..
الله تعالي يعصمك، الله يحفظك، الله يسترك، الله ينجيك من المهالك، الله تعالي يسلمك من الفتن ، بسبب إحسانك وإكرامك لهذين الشيخين الكبيرين فهما أحق بخيرك من غيرهما وهما أولي بالمعروف من أي أحد ..
وفي الذكر الحكيم {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}
تودد إليهما وتحبب إليهما ، فهما أولى الناس وهم أحق الناس بمحبتك ومودتك ، والزم قدميهما ، وصاحبهما بحسن السمع والطاعة ، وأنفق عليهما إن كانا فقيرين فالنفقة عليهما تحسب في خانة النفقة في سبيل الله..
قال عبد الله بن عمر مَرَّ بِأصحاب النبي رَجُلٌ فَتَعَجَّبُوا مِنْ خُلُقِهِ فَقَالُوا لَوْ كَانَ هَذَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَأَتَوُا النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْهِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدٍ صِغَارٍ فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيُغْنِيَهَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، وإن كان خرج رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان »
أن يخرج أبوك من الدنيا وهو يدعو لك، أن تخرج أمك من الدنيا وهي عنك راضية أنت بهذا في نعيم مقيم ، أنت من أهل الجنة بفضل الله سبحانه وتعالي ..
وفي حديث الإسراء والمعراج ورد أن النبي صلي الله عليه وسلم مر برجل مغيب في بحار من النور في ظل العرش فقال يا جبريل من هذا ؟ أي نبي هذا ؟ أي ملك هذا ؟ أي شهيد هذا ؟ أي صديق هذا ؟ فقال جبريل هذا مَثَلٌ لرجل في الدنيا قلبه معلق بالمساجد ولسانه رطب بذكر الله تعالي وكان بارا بوالديه . .
{وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا۟ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَٰنًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ، وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا}
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيننا علي برهما أحياء وأمواتا إنه ولي ذلك ومولاه ..
الخطبة الثانية
قبل أسبوعين أو ثلاثة كان مستهل حديثنا أن كل شيء في هذه الحياة الدنيا درجات ..
العلم درجات والصحة درجات والقبول درجات .. واليوم أيضاً نقول إن بر الوالدين أيضاً درجات ..
من الناس من ينال أرفع درجات بر الوالدين وأعلاها ومن الناس من يتحصل من بر الوالدين على أدنى الدرجات ..
وإذا كنا جميعاً نرجو الجنة وما قرب إليها من قول وعمل فلنعلم : أن أبر البر : أن يصل الرجل أهل ود أمه وأبيه ..
أعلى درجات بر الوالدين : أن يصل الرجل أهل ود أمه وأبيه في حياتهما وبعد مماتهما ..
هنا الكلام عن صلة الأعمام والعمات ، هنا الكلام عن صلة الأخوال والخالات ، هنا الكلام عن صلة الأجداد والجدات ، وكل من كان له في قلب الوالد محبة من الأصدقاء والجيران والأحباب ..
أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصبت ذنباً ..
فقال صلى الله عليه وسلم ألك أم ؟
قال لا ..
قال ألك خالة ؟
قال نعم ..
قال صلى الله عليه وسلم فبرها ..
دلالة الحديث: هى أن بر الخالة يمشي في نفس طريق بر الوالدة بعد موتها ..
وورد في الصحيح أن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ لَقِيَ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ ثم حَمَلَهُ عَلَى دابة كَانَ يَرْكَبُها ثم أَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ...
فَقَالَ أصحاب ابن عمر أَصْلَحَكَ اللَّهُ يا عبد الله إِنَّهُمُ الأَعْرَابُ وَهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ من العطايا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَبَا هَذَا الأعرابي كَانَ وَادًّا لِأبي عُمَرَ وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» »
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرحم آبائنا وأمهاتنا وأن يرزقهم الدرجات العلى من الجنة إنه ولي ذلك والقادر عليه ..