من أقوال السلف في الصدقة-1

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

وسعيد بن عامر, رحمه الله, من الزهاد العباد, بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه, أنه أصابته جراحة شديدة, فأرسل إليه بألف دينار, فتصدق بها جميعاً, وقال لزوجته: أعطيناها لمن يتجر لنا فيها.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فطوبى لمن جاهد نفسه, فتصدق عليها قبل أن يتصدق على غيره, فالإنسان عندما يتصدق غلى غيره فإنه في الحقيقة يتصدق على نفسه, بدفع الشر والبلاء عنها. ذكر الحافظ الذهبي في كتابه " تاريخ الإسلام" أن رجلاً قال لعبدالله بن المبارك: قُرحة خرجت في ركبتي مذ سبع سنين, وقد عالجتها بأنواع العلاج, وسألت الأطباء, فلم أنتفع به, قال: اذهب واحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء, فإني أرجو أن ينبع هناك عيناً ويمسك عنك الدم, ففعل الرجل, وبرأ.

لقد كان سلف هذه الأمة نماذجَ حية في الصدقة والانفاق في سبيل الله, ولهم في ذلك مواقف كثيرة, سطرتها كتب السير والتراجم والتاريخ,  فقد جاء سائل إلى الربيع بن خيثم رحمه الله يسأل, فخرج إليه في ليلة باردة, فنزع برنساً له فكساه إياه, ثم تلا هذه الآية: { لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92]

وسعيد بن عامر, رحمه الله, من الزهاد العباد, بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه, أنه أصابته جراحة شديدة, فأرسل إليه بألف دينار, فتصدق بها جميعاً, وقال لزوجته: أعطيناها لمن يتجر لنا فيها.

وعلي بن محمد بن علي بن هذيل, رحمه الله, المقرئ, الزاهد, أحد الأعلام, كان كثير الصدقة, يتصدق على الأرامل واليتامى, فقالت له زوجته: إنك لتسعى بهذا في فقر أولادك, فقال لها: لا والله, بل أنا شيخ طماع أسعى في غناهم ومن عجيب صنعهم أنهم كانوا يفرحون بالسائل, فقد كان علي بن الحسين, رحمه الله, إذا أتاه السائل رحب به, وقال: مرحباً بمن يحمل زادي إلى الآخرة.

للسلف أقوال في الصدقة, جمعت بفضل الله وكرمه بعضاً منها, أسأل الله الكريم أن ينفعني والجميع بها.

  • الصدقة لا تقتصر على الصدقة بالمال:

** قال معاذ رضي الله عنه في العلم: تعلمه لمن لا يعلمه صدقة.

** قال أبو الدرداء رضي الله عنه :ما تصدق رجل بصدقة أفضل من موعظة يعظ بها جماعة فيتفرقون و قد نفعهم الله بها.

** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الصدقة بغير المال...ما فيه تعدية الإحسان إلى الخلق, فيكون صدقة عليهم, وربما كان أفضل من الصدقة من المال, وهذا كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فإنه دعاء إلى طاعة الله, وكف عن معاصيه, وذلك خير من النفع بالمال, وكذلك تعليم العلم النافع, وإقراءُ القرآن, وإزالة الأذى عن الطريق, والسعي في جلب النفع للناس, ودفع الأذى عنهم, وكذلك الدعاء للمسلمين, والاستغفار لهم

من أنواع الصدقة القاصرة على نفس العامل بها: أنواع الذكر, والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم, وتلاوة القرآن. ومنها أيضاً: محاسبة النفس على ما سلف من أعمالها, والندم, والتوبة من الذنوب السالفة, والحزن عليها, واحتقار النفس والازدراء عليها, والبكاء من خشية الله, والتفكر في ملكوت السموات والأرض, وفي أمور الآخرة, ونحو ذلك مما يزيد الإيمان في القلب, وينشأ عنه كثير من أعمال القلوب: كالخشية, والمحبة, والرجاء, والتوكل, وغير ذلك.

** قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ: الصدقة في الشريعة ليست الصدقة بالمال والصدقة بالمال نوع من أنواع الصدقة فالصدقة هي: إيصال الخير والنفع للغير.

فائدة: ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله, في كتابه " طريق الهجرتين وباب السعادتين" مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم, فذكر أن الطبقة السابعة هم: أهل الإيثار والصدقة والإحسان إلى الناس بأموالهم على اختلاف حاجاتهم ومصالحهم, من تفريج كرباتهم, ودفع ضروراتهم, وكفايتهم في مهماتهم.

وقال: فهذه الطبقات الأربعة من طبقات الأمة هم أهل الإحسان والنفع المتعدي, وهم: العلماء, وأئمة العدل, وأهل الجهاد, وأهل الصدقة وبذل الأموال في مرضاة الله, فهؤلاء ملوك الآخرة, وصحائف حسناتهم متزايدة, تمتلئ فيها الحسنات وهو في بطون الأرض, ما دامت آثارهم في الدنيا, فيا لها من نعمة ما أجلها, وكرامة ما أعظمها! يختص الله بها من يشاء من عباده.

  • المبادرة بالصدقة والحذر من التسويف بالصدقة والإنفاق:

** قال الإمام النووي: الحث على المبادرة بالصدقة, واغتنام إمكانها قبل تعذرها.

** قال ابن حجر: قال ابن المنير: التحذير من التسويف بالإنفاق استبعاداً لحلول الأجل واشتغالاً بطول الأمل.

  • ما نقصت صدقة من مال:

قال الإمام النووي رحمه الله: قوله علية الصلاة والسلام (( ما نقصت صدقة من مال)) ذكروا فيه وجهين, أحدهما: معناه أنه يبارك فيه, ويدفع عنه المضرات, فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية, وهذا مدرك بالحس والعادة. والثاني: أنه وإن نقصت صورته كان في الثواب المرتب عليه جبر لنقصه, وزيادة إلى أضعاف كثيرة.

  • لا تنتظر فضل المال حتى تتصدق:

قال أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما, يا بناتي, تصدقن ولا تنتظرن الفضل, فإنكن إن انتظرتن الفضل لن تجدنه, وإن تصدقن لم تجدن فقده.

 

  • الصدقة بالقليل:

** قال الإمام النووي رحمه الله: فيه الحث على الصدقة, وأنه لا يمتنع منها لقلتها, وأن قليلها سبب للنجاة من النار.

** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: القليل لا يمنع التصدق به لحقارته, بل ينبغي للمتصدق أن يتصدق بما تيسَّر له, قلَّ, أو كثر.

  • التنوع في جهات الخير عند الصدقة بحسب المصلحة:

قال الإمام النووي رحمه الله: الحث على الصدقة في وجوه الخير, وأنه لا يقتصر على نوع من وجوه البر, بل ينفق في كل وجه من وجوه الخير يحضر....وأن ينوعها في وجوه الخير بحسب المصلحة.

  • الصدقة برهان على الإيمان:

** قال الإمام النووي رحمه الله: الصدقة حجة على إيمان فاعلها, فإن المنافق يمتنع منها, لكونه لا يعتقدها, فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه, والله أعلم.

** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الصدقة برهان على صحة الإيمان, وسبب هذا: أن المال تحبه النفوس, وتبخل به, فإذا سمحت بإخراجه لله, دلَّ على صحة إيمانها بالله, ووعده ووعيده.

  • في الصدقة تخلق بأخلاق الكرماء:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في الصدقة دفع حاجة الفقراء والتخلق

 بأخلاق الفضلاء الكرماء.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: التصدق في الحياة, وفي الصحة, أفضل منه بعد الموت, وفي المرض

الصدقة على الأقارب:

قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: الصدقة على الأقارب من أفضل أعمال البر.

  • الصدقة مع انشراح الصدر وثبات القلب:

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ينبغي للعبد أن لا...ينفق إلا وهو منشرح الصدر, ثابت القلب, يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده, ولا يتشبه بالمنافقين.

  • الصدقة تشرح الصدر:

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: المتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه, وانفسح بها صدره,...فكلما تصدق اتسع وانفسح وانشرح, وقوي فرحه, وعظم سروره, ولو لم يكن في الصدقة إلا هذه الفائدة وحدها لكان العبد حقيقاً بالاستكثار منها والمبادرة إليها.

** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: الجواد إذا همَّ بالصدقة انفسح لها صدره, وطابت نفسه, فتوسعت في الإنفاق, والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه, فضاق صدره, وانقبضت يداه.

** قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإنسان إذا بذل الشيء, ولا سيما المال يجد في نفسه انشراحاً وهذا شيء مجرب ولكن بشرط أن يكون بذله بسخاء وطيب نفس.

وقال رحمه الله: الصدقة...من أسباب انشراح الصدر, وجرب تجد.

  • ستر الله عز وجل للمنفق والمتصدق:

قال الحافظ ابن حجر: قال المهلب: الله يستر المنفق في الدنيا والآخرة, بخلاف البخيل فإنه يفضحه.

الصدقة فيها خير وأجر وثواب من الله:

قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الإنفاق في طرق الإحسان. خير وأجر وثواب عند الله ولهذا قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} الآية, فإن الله يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله وإن الله ينيلهم الخيرات ويدفع عنهم الأحزان والمخاوف والكريهات

  • الصدقة تدفع الشر والبلاء والعذاب:

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء, ولو كانت من فاجر أو ظالم, بل من كافر, فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء, وهذا أمر معلوم عند الناس.

وقال رحمه الله: في الصدقة فوائد ومنافع لا يحصيها إلا الله, فمنها: تقي مصارع السوء, وتدفع البلاء حتى أنها لتدفع عن الظالم.

** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: الصدقة من دوافع العذاب لأنه أمرهن بالصدقة [أي الرسول] ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك.

** قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: الصدقات يجتمع فيها الأمران: حصول الخير, وهو: كثرة الحسنات والثواب والأجر, ودفع الشر والبلاء الدنيوي والأخروي, بتكفير السيئات.

  • الصدقة غذاء للقلب:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الإنفاق في سبيل الله غذاء للقلب والروح.

  • الصدقة قد تكفر الذنوب بين المخلوقين:

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الصدقة...قد تكفر الذنوب التي بين المخلوقين.

 

  • الصدقة تكفر المعاصي والسيئات:

** قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: الصدقة تمحو كثيراً من الذنوب التي تدخل النار...واليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار.

** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: المعاصي يكفرها الله بما يفعله الإنسان من الطاعات ومن أعظمها الصدقات