فضل السحور وبركته

فلقد حث نبينا محمد ﷺ وسلم أمته على السحور، يستحب تأخير السحور إلى آخر الليل وقريب الفجر، ويتحقق السحور بقليل الطعام والشراب، والفرق بين الصلاة والسحور قدر خمسين آيةً...

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان -

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فلقد حث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمته على السحور، وتناول شيء من المأكولات والمطعومات قبل الشروع في عبادة الصوم؛ وما ذاك إلا تقوية لأبدانهم، وإعانة على عباداتهم، مما يؤكد ويدل على أهمية وبركة السحور للصائم في شهر رمضان، وفي غير من الأيام والشهور؛ فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تسحَّروا؛ فإن في السَّحور بركةً»؛ (أخرجه البخاري (١٩٢٣)، ومسلم (١٠٩٥)).

 

ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((تسحروا))؛ أي: تناولوا الطعام قبل وقت السحر، وهو قبيل طلوع الفجر الصادق.

وقوله عليه الصلاة والسلام: «فإن في السحور بركةً»؛ أي: زيادة في النماء والخير والاستقواء على صيام نهار رمضان، وفيه مزيد من الأجر والثواب؛ نظرًا لاتباع هديِ النبي صلى الله عليه وسلم، فالسحور يجمع بين البركة المادية والبركة المعنوية.

 

مفهوم السحور:

والسُّحور (بضم السين): هو الفعل نفسه من تناول أكل وطعام السحر.

والسَّحور (بفتح السين): هو اسم لما يتسحر به من طعام السحر وشرابه.

 

حكم السحور:

يستحب السحور للصائم، سواء كان الصوم صوم فرض أو صوم تطوع؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تسحروا؛ فإن في السحور بركةً»؛ (أخرجه البخاري (١٩٢٣)، ومسلم (١٠٩٥)).

 

وعن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه: ((أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قاموا إلى الصلاة، قلت: كم بينهما؟ قال: قدر خمسين أو ستين؛ يعني: آيةً))؛ (صحيح البخاري/ ٥٧٥)؛ أي: بمعنى بقدر ما يقرأ الرجل خمسين آيةً؛ ما يدل على القرب الزمني بين تناول السحور، وصلاة الفجر؛ ومما يؤكد هذا المعنى كذلك حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: ((أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحرا، فلما فرغا من سحورهما، قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فصلى، قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آيةً))؛ (أخرجه البخاري/ ٥٧٥).

 

وفي الحديث إشارة إلى حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله تعالى عنهم جميعًا، وتواضعه لهم؛ حيث كان يأكل ويتسحر معهم صلى الله تعالى عليه وسلم.

 

• ومشروعية السحور محل إجماع بين العلماء، ولا خلاف بينهم فيه، ونقل الإجماع غير واحد من أهل العلم؛ ومنهم ابن المنذر، وابن قدامة، والنووي، وغيرهم.

 

وقت السحور:

يستحب تأخير السحور إلى آخر الليل وقريب الفجر؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: ((أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحرا، فلما فرغا من سحورهما، قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فصلى، قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آيةً))؛ (أخرجه البخاري/ ٥٧٥).

 

وكان الفرق بين الصلاة والسحور قدر خمسين آيةً؛ أي: بقدر قراءة خمسين آيةً على قراءتهم المعتادة.

 

ويستحب التسحر على تمر؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نعم سحور المؤمن التمر»؛ (رواه ابن حبان بإسناد صحيح).

 

الحكمة والغاية من السحور:

إن للسحور حكمًا كثيرة، ومقاصدَ جليلة، وغايات عظيمة؛ ومنها:

1- الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وسنته القولية والفعلية.

 

2- في السحور مخالفة لأهل الكتاب، بكونهم لا يتسحرون؛ والدليل على ذلك حديث عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب، أكلة السحر»؛ (رواه مسلم/ ١٠٩٦).

 

3- في السحور النماء والخير والبركة بأنواعها المادية والمعنوية، وتحصيل الأجر والثواب عند القيام به.

 

4- في السحور تقوية للبدن على صيام النهار، لا سيما في الأوقات الحارة من الأيام.

 

5- السحور سبب في إعانة العبد المؤمن على أداء الطاعات والعبادات لله عز وجل في نهار رمضان.

 

6- في السحور فوائد صحية عظيمة يعود نفعها على الصائم وهي كثيرة؛ ومنها: تنشيط الجهاز الهضمي، والمحافظة على مستوى السكر في الدم فترة الصيام، والحماية للجسد من الجفاف في نهار رمضان، وغيرها من الفوائد الصحية الكثيرة التي يذكرها أهل الاختصاص.

 

• ويحصل ويتحقق السحور بقليل الطعام والشراب وكثيره، ولو بجرعة من ماء؛ لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «تسحروا، ولو بجرعة ماء»؛ [الأرنؤوط/ تخريج المسند (١٧/ ١٥١)، إسناده حسن]، ولحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السحور كله بركة؛ فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعةً من ماء، فإن الله عز وجل وملائكته يصلون على المتسحرين»؛ (الألباني/ صحيح الترغيب (١٠٧٠)، حسن لغيره)، ومعنى "صلاة الله عز وجل على عباده": أي: الثناء عليهم، و"صلاة الملائكة على العباد": أي: الدعاء والاستغفار لهم.

 

هذا ما تيسر إيراده، نسأل الله تعالى أن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعله لوجهه الكريم خالصًا، ونسأل الله العلي الأعلى من فضله العظيم.

 

والحمد لله رب العالمين.

__________________________________________________

الكاتب: د. كامل صبحي صلاح