زكـاة الفطـر
المقدار الواجب صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، ومقداره أربع حفنات يكفي ـ الرجل المتوسط خلقة اليدين ـ من البر الجيد، ويقدر بكيلوين ونصف أو يزيد قليلًا ليكمل ثلاثة كيلوات، وتخرج من طعام البلد
- التصنيفات: فقه الزكاة - ملفات شهر رمضان -
الحمد لله الرب العظيم, الرحمن الرحيم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد المخبر بأن الأعمال بالخواتيم.
أما بعد:
فقد فرض الله تعالى على لسان عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم المُبَلِّغ عن الله دينه إلى عباده زكاة الفطر على كل مسلم يدرك عيد الفطر، فرضها الله تعالى على الكبير والصغير، الذكر والأنثى، الحر والعبد، المسافر والمقيم، الصحيح والمريض، الغني والفقير، الذي يجد صاعًا من طعام فاضلًا عن حاجته وحاجة من ينفق عليه يوم العيد.
فقد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما قالا: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر.
وفيها عن أبي سـعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نعطيها ـ يعني: زكاة الفطر ـ صاعًا من طعام، قال: وكان طعامنا الشعير والزبيب والإقط والتمر»، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين.
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يخرجها عن الحمل قبل ولادته، وأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ـ يعني: العيد ـ، وقد رُوي عن غير واحد من السلف أن المراد بقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]، تقديم زكاة الفطر قبل صلاة العيد.
وقد شرع الله تعالى هذه الزكاة وفرضها؛ تكميلًا للصيام، وجبرًا لما قد ينقصه من اللغو والآثام، وتطهيرًا للصوام وتنمية للعمل، وشكرًا لله عز وجل، ومواساةً للفقراء والمساكين، وإغناءً لهم عن ذل السؤال والحاجة يوم العيد؛ ليشاركوا إخوانهم الأغنياء أفراحهم، ولأنها من أسباب إشاعة المحبة وإظهار الفرح بالعيد، وهو شعيرة من شعائر الإسلام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين».
والمقدار الواجب صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، ومقداره أربع حفنات يكفي ـ الرجل المتوسط خلقة اليدين ـ من البر الجيد، ويقدر بكيلوين ونصف أو يزيد قليلًا ليكمل ثلاثة كيلوات، وتخرج من طعام البلد، فإذا كان طعامهم البر تخرج منه، وإن كان طعامهم الذرة تخرج منه، وإن كان طعامهم الدخن تخرج منه، وهكذا تخرج من الطعام الذي يقتاته أهل البلد حتى تتحقق المواساة للفقراء بتوفير طعام لهم يوم العيد يشاركون فيه إخوانهم الأغنياء سرورهم بالعيد وغبطتهم فيه.
فليخرج المسلم صدقته طيبة بها نفسه من أطيب طعامه أو أوسطه، وقد قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92].
ووقت إخراجها الواجب ليلة العيد إذا ثبت برؤية الشهر أو إتمام رمضان ثلاثين يومًا، وأفضل وقت لإخراجها بعد صلاة الفجر يوم العيد وقبل صلاة العيد. ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، المهم أن يتسلمها الفقير والمسكين قبل صلاة العيد سواء سلمها المتصدق للفقير نفسه أو بواسطة وكيل له، فإن تأخر إيصالها إلى الفقير عن صلاة العيد أثم المتصدق إن كان مفرطًا وإن كان غير مفرط فلا شيء عليه، ويخرجها.
وزكاة الفطر ينبغي أن تخرج طعامًا لا نقودًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجها طعامًا ولم يدفع قيمتها، وكانت قيمة الطعام موجودة في زمانه صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم أخرجوا قيمة زكاة الفطر، فلو كان إخراج القيمة أهدى لسبقونا إليه، فإن الخير والهدى في اتباعهم، والشر والشؤم في مخالفتهم في جميع أمور الدين.
إضافة إلى أن إخراج القيمة يؤدي إلى خفاء تلك الشعيرة العظيمة من شعائر الدين وجهل المسلمين بأحكامها، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: لا يعطي القيمة، قالوا: إن عمر بن عبدالعزيز كان يأخذ القيمة. قال أحمد: يَدَعُون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون قال فلان، وقد قال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا...الخ.
ومما ينبغي أن يخرج المسلم زكاة الفطر في بلد إقامته؛ ليواسي بها الفقراء المجاورين له، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطي زكاة الفطر من يقبلها ـ وهو العامل الذي يكلف بتلقي صدقات الناس ـ.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا ينقلون زكاة الفطر من البلد إلى بلد كما تنقل زكاة المال من البلدان إلى بيت المال، وذلك يدل على أن الأحوط للمسلم أن يصرف زكاة فطره في بلده الذي هو مقيم فيه، فإن ذلك أظهر لهذه الشعيرة وأبعد عن التكلف، وأحوط لبراءة الذمة؛ لأن إرسالها إلى الأمصار يؤدي إلى تأخرها وإخراج القيمة بدلًا عنها وذلك لا يجوز، وقــد قال صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، وقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور».
اللهم يسر لنا اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبارك لنا فيما رزقتنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.