من أقوال السلف في الصدق والكذب -1
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال أبو زرعة: قلت لأحمد بن حنبل: كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق ؟ فقال: لو وُضِع الصدقُ على جرح لبرئ.
- التصنيفات: الآداب والأخلاق -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالصدق من مكارم الأخلاق, يكفيه فضيلة _كما قال الإمام الغزالي رحمه الله_ أن الله تعالى وصف به الأنبياء في معرض المدح والثناء, فقال الله: ﴿ { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا} ﴾ [مريم:41] وقال تعالى: ﴿ {واذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} ﴾ [مريم:54] وقال: ﴿ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا} ﴾ [مريم:56]
والصدق طريق إلى الجنة, والكذب طريق إلى النار, قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (( إن الصدق يهدي إلى البر, وإن البر يهدي إلى الجنة, وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً, وإن الكذب يهدي إلى الفجور, وإن الفجور يهدي إلى النار, وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.)) [متفق عليه]
للسلف أقوال قي الصدق والكذب, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
** قال ابن عباس رضي الله عنهما: أربع من كن فيه فقد ربح: الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر.
** قال يوسف بن أسباط: للصادق ثلاث خصال: الحلاوة، والملاحة، والمهابة.
** قال مالك بن أنس: قلّما كان رجل صادقاً لا يكذب, إلا مُتع بعقله, ولم يصبه ما يصيب غيره من الهرم, والخرف
** قال أبو زرعة: قلت لأحمد بن حنبل: كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق ؟ فقال: لو وُضِع الصدقُ على جرح لبرئ.
** قال الفضيل بن عياض: ما تزين الناس بشيء أفضل من الصدق, والله عز وجل يسأل الصادقين عن صدقهم, منهم عيسي بن مريم عليه السلام, كيف بالكذابين المساكين, ثم بكى.
وقال: من عامل الله عز وجل بالصدق أورثه الله عز وجل الحكمة
** قال سلمة بن دينار: أعدل العدل: كلمة صدق عند من ترجوه وتخافه.
** قال الخليفة المنصور لهشام بن عروة: يا أبا المنذر, تذكر يوم دخلتُ عليك أنا وأخوتي مع أبي, وأنت تشرب سويقاً بقصبة يراع, فلما خرجنا قال: أبونا: اعرفوا لهذا الشيخ حقه, فإنه لا يزال في قومكم بقية ما بقى, قال: لا أذكر ذلك يا أمير المؤمنين, فلاموه في ذلك, فقال: لم يعودني الله في الصدق إلا خيراً.
** قال ابن المبارك: إن الفضيل صدق الله, فأجرى الحكمة على لسانه, وهو ممن نفعه الله بعلمه.
* روح بن الفرج القطان, قال ابن قديد: رفعه الله بالعلم والصدق.
* قال القاسم بن القاسم المهدي المروزي: من حفظ قلبه مع الله بالصدق أجرى الله على لسانه الحكم.
** عن مالك أنه بلغه أن لقمان الحكيم, قيل له: ما بلغ بك ما نرى ؟ قال: صدق الحديث, وأداء الأمانة, وترك ما لا يعنيني.
** قال الإمام ابن حزم: أعدل الشهود على المطبوع على الصدق: وجهه, لظهور الاسترابة عليه إن وقع في كذبةٍ أو همَّ بها.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: من حفظ لسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه فهو صادق.
** قال الإمام الغزالي رحمه الله: الصدق في الأعمال, وهو أن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به...ورب واقف على هيئة الخشوع في صلاته, ليس يقصد به مشاهدة غيره, ولكنه قلبه غافل عن الصلاة, فمن ينظر إليه يراه قائماً بين يدي الله عز وجل, وهو بالباطن قائم في السوق بين يدى شهوة من شهواته.
** قال الإمام النووي رحمه الله: الصدق......وإن كان فيه مشقة, فإن عاقبته خير, والصدق يهدي إلى البر, والبر يهدي إلى الجنة.
** قال الإمام ابن حبان رحمه الله: الصدق يُنجي.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
& الصدق مفتاح كل خير
& الصدق أساس الحسنات وجماعها
& الصفة المميزة بين النبي والمتنبئ هو الصدق والكذب
& الصفة الفارقة بين المؤمن والمنافق هو الصدق, فإن أساس النفاق الذي بني عليه الكذب.
& الصدق هو أصل البر
& الصادق تنزل عليه الملائكة.
& الفارق بين الصديقين والشهداء والصالحين وبين المتشبه بهم من المرائين والمسمعين والملبسين هو الصدق والكذب
&الرجل الصادق البار يظهر على وجهه من نور صدقه وبهجة وجهه سيما يعرف بها
& الصادق من لا يقلق قلبه.
** قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
& أصل أعمال القلوب كلها الصدق, وأضدادها من الرياء والعُجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجُبن والمهانة وغيرها أصل الكذبُ, فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق, وكل عمل فاسدٍ ظاهرٍ أو باطن فمنشؤه الكذبُ.
& ما أنجى الله من أنجاه إلا بالصدق ولا أهلك من أهلكه إلا بالكذب.
& قسم سبحانه الخلق إلى قسمين: سعداء وأشقياء فجعل السعداء هم الصدق والتصديق والأشقياء هم أهل الكذب والتكذيب وهو تقسيم حاصر مطرد منعكس, فالسعادة دائرة مع الصدق والتصديق, والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب.
& الصدق بريد الإيمان, ودليله, ومركبه, وسائقه, وقائده, وحليته, ولباسه, ولبه, فمضاده الكذب للإيمان كمضاد الشرك للتوحيد, فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدهما صاحبه, ويستقر موضعه.
& ما أنعم الله على عبد بعد الإسلام بنعمة أفضل من الصدق الذي هو غذاء الإسلام وحياته, ولا ابتلاه ببلية أعظم من الكذب الذي هو مرض الإسلام وفساده, والله المستعان.
& أظهر...السمات على الوجوه سمة الصدق والكذب, فإن الكذاب يُكسى وجهه من السواد بحسب كذبه, والصادق يُكسى وجهه من البياض بحسب صدقه.
& الصدق...سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيءٍ إلا قطعه ولا واجه باطلاً إلا أرداه وصرعه من صال به لم ترد صولته ومن نطق به علت على الخصوم كلمته
& أخبر سبحانه أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذابه إلا صدقه, قال الله تعالى: {هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:119]
& حمل الصدق كحمل الجبال الرواسي, لا يطيقه إلا أصحاب العزائم.
& من علامات الصدق: طمأنينة القلب إليه, ومن علامات الكذب: حصول الريبة, كما في الترمذي مرفوعاً من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما ( الصدق طمأنينة, والكذب ريبة)
& الصادق مطلوبه: رضا ربه وتنفيذ أوامره وتتبع محابه, فهو متقلب فيها يسير معها أين توجهت ركائبها, ويستقل معها أنى استقلت مضاربها, فبينا هو في صلاة إذ رأيته في ذكرٍ, ثم في غزوةٍ, ثم في حجٍ, ثم في إحسان للخلق بالتعليم وغيره من أنواع النفع.
& الصدق قيل: موافقة السرِّ النطق. وقيل: استواء السرِّ والعلانية. وقيل: الصدق: القول بالحق في موطن الهلكة. وقيل: كلمة الحق عند من تخافه وترجوه.
& قيل: عليك بالصدق حيث تخاف أنه يضرك فإنه ينفعك, ودع الكذب حيث ترى أنه ينفعك فإنه يضرك.
& قال تعالى: ﴿ {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} ﴾ [الزمر:33] فلا يكفي صدقك, بل لا بد من صدقك وتصديقك للصادقين, فكثير من الناس يصدُق, ولكن يمنعه من التصديق كبر, أو حسد, أو غير ذلك.
& من صَدَقَ الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: فيه: عظم مقدار الصدق في القول والفعل, وتعليق سعادة الدنيا والآخرة والنجاة من شرهما.