علاج القلق والخوف فى القرآن
إيمان الخولي
وفى النهاية نصل إلى حقيقة ودواء فعال للخوف والقلق هو تعلقك بالله وحده فلا سعادة بعيدا عن الله وكل تعلق بغيره يشقى الإنسان
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
قال تعالى : {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)}
إن القرآن الكريم لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتحدث فيها ففيه دواء لكل شىء الأمراض القلبية من حسد وغل وغضب والأمراض النفسية من خوف وقلق وحزن فنحن هنا أمام آيات تتغلغل فى العمق البشرى وتصور الإنسا ن عندما يخلو قلبه من الإيمان وتغلب عليه الفطرة والجبلة يتملكه القلق والخوف من كل شئ يجزع لأقل ضرر يمكن أن يمسه ويقبض يده إذا أصابه خير لا يخرج من حالة الهلع والخوف هذه إلا بالقرب من الله والاتصال به فكانت أول خطوة على طريق العلاج تصورها لنا الآيات أنها المداومة على الصلاة قد يقول البعض أنا أصلى ولكن يأكلنى القلق والخوف من المستقبل والعجيب أن الآيات تختم هذا العلاج الربانى بالمحافظة على الصلاة أيضا افتتح بالصلاة وختم بها هذا يحمل معنى الاستمرارية والمداوامة فهى ليست مجرد حركات وكلمات تقال إنما هى الركن الشديد الذى يأوى إليه المسلم ليحميه من ضعفه ويحرره من أسر الدنيا والتعلق بما لديه من مال وولد يجعله هلوعاً طوال الوقت و يتصل فيها بخالقه ومدبر الأحوال يطمئنه على نفسه يشعره برحمته وإلا لما كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وليس إلى ماله وولده ليطمئن عليه إنما ليطمئن على إيمانه وأنه متصل برب كريم يعلم ضعفه البشرى ويرحمه يمده بالطاقة التى تعينه على مواصلة الحياة يشعر بعدها بالسلام والأمن الداخلى من كل شر ويسكن الفزع ويذهب القلق والتوتر إذا هو داوم على الصلاة فى أوقاتها واستشعر معانيها فوجد أثرها فى نفسه الطمأنينة والسلام الداخلى وليس هذا فقط فعندما يعلم المسلم أن المال مال الله وأنه إذا أنفق فهو لله وأنه على يقين بالعوض فى الدنيا قبل الأخرة كما أن الآيات تبين حق السائل والمحروم ليؤكد على قيمة التكافل الاجتماعى وأهمية العطاء فى علاج ضعف النفس البشرية فكلما شعرت بالقلق والخوف تذكر غيرك من المحتاجين واقض حوائجهم ينفرج كربك ويسكن اضطراب نفسك وها هى الآيات تؤكد هذا المعنى إذ يقول تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون} [البقرة: 274].لا يحزن من أنفق فى سبيل الله فهو يعمل بمقاييس الله وليس مقايييس العباد يراقب الله تعالى ويشعر بالتقصير فى حقه يؤمن أنه يعمل لسلامته النفسية وأن الله غنى عن أمواله فالقلب الموصول بالله يعيش بين الخوف منه والرجاء فى رحمته
وبين هذه الصفات نجد دعوة للعفة والطهارة من خلال الزواج كعلاقة شرعية نظيفة طويلة الأمد ليست مؤقتة بوقت تحفظ بها الأنساب ليست مجرد نزوة او شهوة حيوانية إذ يقول تعالى
{والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} .. وقد يتساءل البعض ما علاقة حفظ الفرج بالخوف والقلق لتأثير هذه العلاقات غير السوية والشاذة على نفسية الإنسان فتجعل منه شخص يعانى اضطرابات نفسية وخوفاً وتوتراً دائما
كما جعل أداء الأمانات وشهادة الحق دليل إيمان بالله فتخيل مجتمع خائن الأمانة ومضيع للحقوق لأنه لم يشهد بكلمة الحق فكيف يأمن الإنسان على نفسه وأهله وماله فيه وكم من إنسان قتله الظلم وخانه القريب قبل البعيد فعاش فى قلق وخوف من المجتمع إذ يقول تعالى :" {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)} "
ثم تنتقل بنا الآيات لداوء آخر تأنس به النفس وتطمئن ألا وهو الصلاة والذكر {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)} .. فهو الأمان الحقيقى من كل خوف والحماية من كل ضرر واعتداء أمر الله عزوجل به موسى وأخيه عند دخولهم على فرعون إذ يقول :" {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)} " وكيف يشعر الانسان بالقلق والخوف وهو فى معيه القوى الذى لا غالب له مالك السموات والأرض فبدون معية الله تجد الإنسان يخاف من كل شئ يعيش وحيدا بلا ناصر ولا معين على قسوة الحياة فالشقى الحقيقى ليس من فقد مالاَ وولداَ إنما من حرم الأنس بالله فمهما كان الإنسان متكئاَ على منصب أو مال أو عشيرة يأتى وقت تعصف به الحياة فلا يصمد إلا المطمئن بالله فلنتحصن بذكر الله من الخوف والقلق والوساوس التى زادت مع سرعة الحياة وتوحشها ومن الذكر الذى وصانا به رسول الله وله الأثر النافع فى علاج القلق والخوف أن نلجأ إلى الله بالدعاء أن يعيذنا من الهم والحزن حديث أنس بن مالكٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: «كان النبيُّ ﷺ يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدَّين، وغلبة الرِّجال » " [أخرجه البخاري]
ثم تبين الآيات أن المؤمن عندما يدخل فى ولاية الله يؤمنه الله فى الدنيا على مستقبله فيها ويبشره بالجنة فى الآخرة وتتحقق الولاية هذه وهذا القرب من كثرة النوافل والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة كما بين الحديث
فعن ابى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى قال: «من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه» [رواه البخاري]
فكلما أكثرت من النوافل من صيام وقيام وإطعام طعام وغيرها من الطاعات فقد عرفت دواءك وسر نجاحك وقد أسلمت لله يدبر لك شأنك فأنت وليه وحبيبه فليس بالإيمان فقط يطمئن العبد ولكن بالاستقامة على طريق الخير والاعمال الصالحة فليس شعور وقتى يشعر به الانسا ن ثم يذهب عنه إنما هو سلوك عملى يستمر معه وبمقدار استقامته عليه يذهب عنه الخوف والقلق فالقلق يأتى من التقطع فى العمل لله وحرمان الطاعة بعد التعود عليها فترة يورث فى القلب الحزن والهم لذلك ذكى القرآن من استقاموا على الطاعة بأن لهم الأمن والطمأنينة حين يخاف الناس إذ يقول الله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 13-14].
وفى النهاية نصل إلى حقيقة ودواء فعال للخوف والقلق هو تعلقك بالله وحده فلا سعادة بعيدا عن الله وكل تعلق بغيره يشقى الإنسان ويمرضه ويقينك أن ما أصاب من مصيبة إلا بإذنه وأن تحس يد الله فى كل حدث فيطمئن قلبك لما يصيبك من سراء أو ضراء فيرى المنع عين العطاء فتشكر فى النعماء والضراء كما أن الإخلاص لله وليس لبشر يختفلون عليك هذا يعطيك وهذا يمنع عنك عطاه لمصالح شخصية فأخلص لله وتوجه إليه بقلبك يخلصك من الصراعات النفسية والوساوس وتأمل قول الله تعالى : {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون} [البقرة: 112]. فإفراد الله بالعبادة والنظر إلى رضاه هو فقط ما يحصنك من الأمراض النفسية واسأل أصحاب المال والسلطة يملكون كل شئ وليسوا بسعداء وغيرهم من يعيشون على الكفاف لكن علاقتهم بالله هى سر سعادتهم وطمأنينه نفوسهم