عندما يكذبون على أنفسهم!

بلغ الإجرام الصهيوني أن ردد المستوطنون خلال المسيرة هتافات مسيئة لنبينا صلى الله عليه وسلم، كما رددوا هتافات عنصرية، وأخرى تنادي بالموت للعرب.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

"يجب أن نتوقف عن الكذب لأن مسيرة الأعلام أثبتت أن القدس ليست موحدة"

هذا ما اعترف به المراسل البرلماني لصحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية عاميحاي أتالي، ويبرر ذلك بأن مسيرة الاعلام أثبتت أن القدس ليست موحدة ولا يوجد سيادة صهيونية عليها وتمت بفضل حماية الشرطة ولا يوجد يهودي واحد يجرؤ أن يسير بها لوحده.

ولكن هذا لا يمنع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بينت يواصل الكذب على شعبه، فيصرح بأن القدس عاصمتنا الأبدية وأهنئ كل من شارك في مسيرة الأعلام التقليدية، بينما يخرج زعيم المسيرة النائب الصهيوني المتطرف إيتمار بن غفير ليقول: على الرغم من كل تهديدات أعدائنا فإننا نلوح بالأعلام في القدس - نقول لحماس شعب إسرائيل حي، مدينة القدس لنا، نحن أصحاب المكان.

فالمسيرة تم حشد اليها ما يقرب من أربعين ألف مستوطن حسب رواية رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، أو خمسين ألف وفق رواية موقع سروجيم العبري، وتضخم بعض الروايات الإسرائيلية أعداد المشاركين فتصل بهم الى ستين ألف بل الى سبعين ألف مستوطن، وبصرف النظر عن أن مسيرة الأعلام التي خرجت كانت كبيرة جدًا الا أنها اتسمت أيضا بالعدوانية، وبرز فيها عنف المحتل وهمجية المستوطن وإرهابه واستعداده للاعتداء على أقدس المقدسات، حتى أن بعثة الاتحاد الأوروبي خرجت عن صمتها المعهود لتصدر بيانا تصف فيه الهتافات العنصرية والانتهاكات الجسدية ضد الفلسطينيين خلال مسيرة الأعلام بأنها مثيرة للفزع.

وبلغ الاجرام الصهيوني أن ردد المستوطنون خلال المسيرة هتافات مسيئة لنبينا صلى الله عليه وسلم، كما رددوا هتافات عنصرية، وأخرى تنادي بالموت للعرب.

في نهاية ما حدث يوم تلك المسيرة يتبقى السؤال الأهم ما هي أثرها على كل الجانبين الفلسطيني والصهيوني؟

أو بمعنى أدق كيف يمكن تقييم تلك المسيرة ونتائجها على استراتيجيات كل من الفلسطينيين والصهاينة؟

الاستراتيجية الصهيونية تجاه ما يجري الآن تبدو غير واضحة ومتخبطة، وهذا ليس كلامي فقط ولكنها أيضا ما يتحدث عنه الاستراتيجيون لدى بني صهيون.

لقد بنت إسرائيل وأسست استراتيجية وجودها واستمراره على قاعدة تفوقها العسكري الكاسح والساحق على كافة البلدان العربية مجتمعة، وهي في سبيل ذلك عملت بشتى السبل للتسلح بكافة أنواع الأسلحة المتاحة في السوق ولدى الحلفاء أو غير المتاحة، ومنها السلاح النووي.

ثم بالسلاح الاعلامي حاولت تسويق تفوقها العسكري وهي ربما تكون نجحت في توصيل هذه الرسالة إلى البلدان العربية عبر سلسلة من الحروب العدوانية التي شنتها وخاضتها ضد الجيوش العربية والتي لم تكن تستغرق منها وقتاً طويلاً قبل اختراق جبهاتها وقضم أجزاء من أراضيها، حتى أصبحت الشعوب العربية على قناعة أنه لا جدوى لخيار المواجهة والمقاومة ضد إسرائيل، فبدا العرب مستسلمون للمخطط الإسرائيلي الذي كان على قدم وسلق لهدم الأقصى وإقامة ما يدعونه هيكل سليمان مكانه، لقد استخدمت إسرائيل سلاح الردع المعنوي بطريقة فاعلة وناجحة.

ثم فوجئت إسرائيل ما لم يكن في حسبانها وهو سيطرة حماس على قطاع غزة، ومن ثم شن الجيش الإسرائيلي تسع عمليات عسكرية ضد قطاع غزة، خمس منها بعد بداية عهد حماس ثم توالت بعد ذلك وأطلق عليها الكيان الصهيوني هذه التسميات لتعبر عن استراتيجياته: قوس قزح وأيام التوبة عام 2004، وأول المطر عام 2005، وأمطار الصيف عام 2006، وشتاء حار عام 2008، والرصاص المسكوب في عام 2009، وعمود السحاب في عام 2012، والجرف الصلب في عام 2014، وحارس الأسوار في عام 2021. كانت كل العمليات بمنزلة ردود سريعة ومحدودة الشدة، ونتيجة عمليات بادرت إليها حماس وسائر المنظمات العسكرية الفلسطينية ضدّ الكيان الصهيوني. كل هذه العمليات اكتفت بضرب جزئي للبنية التحتية وقدرات المنظمات العسكرية الفلسطينية، ولكن عجزت هذه العمليات عن ابعاد حماس عن السلطة من دون الإضرار بقوة الحركة.

ويرجع ليئور تسوكرمان وهو مسؤول سابق في جهاز الأمن الداخلي الصهيوني المعروف باسم الشاباك في مقال له بصحيفة معاريف الإسرائيلية هذا العجز إلى السلوك الانهزامي لإسرائيل في مواجهة قطاع غزة، فإلى جانب فشل الردع البحري، فضلاً عن فشل الردع البري بسبب فشل مختلف العمليات لتغيير المعادلة، أظهرت إسرائيل ضعفاً مستمراً في مواجهة حماس، في كل ما يتعلق بروتين الحياة في قطاع غزة، فملايين الدولارات تستمر في التدفق إلى القطاع، من قطر ودول الاتحاد الأوروبي، بدعوى تأمين الاحتياجات الإنسانية، لكن يتمّ عملياً تحويل هذه الأموال إلى التسلّح وبناء البنية التحتية العسكرية في القطاع كما يقول المسئول الأمني السابق الاسرائيلي.

ولكن ما لم يذكره الخبير الأمني الإسرائيلي أو لا يريد الاعتراف به علنيا، أنه لا بديل لإسرائيل من حماس، التي تحكم قبضتها القوية على القطاع وتحظى بشعبية معقولة بالرغم من المآزق المعيشية الناتجة عن الحصار، ولو تم إزالة حماس – وهذا مستحيل من الناحية العملية – فإن قطاع غزة سيتحول الى فوضى وهو لا تتحمله إسرائيل على حدودها.

ثم نأتي للطامة الثانية التي تواجهها إسرائيل وتبدو عاجزة عن مواجهتها، وهي مقاومة أهل القدس والضفة الغربية لمخططاتهم، فقد ذكر الصحفي الصهيوني أمير بوخبوط أن المواجهات اندلعت طيلة مسيرة الأعلام في أكثر من 12 منطقة بالضفة الغربية، كما انتاب الذعر جموع المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي الذين احتشدوا لحمايتهم في القدس المحتلة يوم الأحد الماضي، وهم يشاهدون طائرة مسيّرة تحمل العَلم الفلسطيني، في سماء باب العامود بالقدس المحتلة. وتزامن إطلاق الطائرة المسيّرة التي حلقت لدقائق، مع وصول دفعات المستوطنين المتطرفين إلى المنطقة، للمشاركة في مسيرة الأعلام والتي جاء الرد الفلسطيني عليها بمسيرة للأعلام الفلسطينية في شارع صلاح الدين بالقدس المحتلة، وسارعت قوات الاحتلال إلى قمع عشرات الفلسطينيين المشاركين فيها، كما انطلقت مسيرات مشابهة في قطاع غزة ومناطق متفرقة من الضفة الغربية، وردد المتظاهرون في الضفة والقدس أبو عبيدة يا حبيب فجر فجر تل أبيب - أبو عبيدة يا مغوار سمعنا صوت الإنذار.

أما حماس فهي تقرأ الخريطة جيداً، وتتصرف بعزم ومثابرة، من أجل تحقيق رؤيتها. تقود الخطاب بشأن المسجد الأقصى والقدس، وتُمْلي توقيت العمليات والاعتداءات على الكيان الصهيوني، وتشجّع الخلايا في الضفة الغربية وتموّلها كما تقر بذلك المصادر الإسرائيلية العديدة.

وفي نفس الوقت فإن حماس لا تستنكف عن العمل الدبلوماسي الخارجي حيث تدير، على نحو غير مباشر، حواراً دبلوماسياً مع الكيان الصهيوني، حيث بدا أن حماس تدير غزة كحكومة ودولة، وتواصل الإمساك وحصار مئات آلاف الإسرائيليين في غلاف غزة، رهائنَ منذ أعوام.

والأهم من ذلك، أن حماس تفهم المعادلة المستحيلة التي نشأت بينها وبين الكيان، بموافقة ضمنية من حكومة الكيان المغتصب مهما كانت انتماءات حكوماتها المتعاقبة وسيطرة اليمين أو اليسار الصهيوني.

وفي نفس الوقت فإن الحركة على وعي تام بما يحاول الكيان الصهيوني جرهها إليه، وكما صرح المراسل العسكري لقناة 13العبرية: إن إسرائيل كانت تريد جر غزة إلى معركة حيث كانت مناورات عسكرية واسعة النطاق على حدود غزة، وغير ذلك أنها نشرت باصات ذات ذكـاء اصطناعي كانت تقف على حدود غزة لتستهدف المقاومة، ولكن غزة كانت أذكى من ذلك.

ويبدو أن هناك إصرار إسرائيلي على التحدي، فمسيرة الاعلام الصهيونية يوم الأحد الماضي لم تأتي بثمارها المرجوة، لذلك تتواصل دعوات الصهاينة لاقتحام المسجد الاقصى يوم الأحد من الأسبوع المقبل فيما يسمى بـ عيد الشفوعوت (الأسابيع) اليهودي.

ولكن ذلك التحدي الصهيوني كما قلنا يفتقر لرؤية استراتيجية يستطيع بها إيقاف التقدم الفلسطيني الذي تقوده حماس التي تدرك جيدا ما تفعل لتحقيق أهدافها، بينما ظهر الكيان كالذي تاهت استراتيجياته لتحقيق أهدافه.

 ________________________________________________
الكاتب: 
 . حسن الرشيدي