الرحمة بالآخرين

قد جعل الله الرحمة صفة المؤمنين الصالحين، فمن اتصف بها كان ممن ينالهم الله برحمته يوم القيامة...

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - أخلاق إسلامية -

الرحمة صفة من صفات الله جل جلاله، فهو الرحمن الرحيم:

وقد جعل الله الرحمة صفة المؤمنين الصالحين، فمن اتصف بها كان ممن ينالهم الله برحمته يوم القيامة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء»؛ رواه أبو داود والترمذي بزيادة، وقال: حديث حسن صحيح.

 

ومن نُزعت منه صفة الرحمة استحقَّ ألا يرحمه الله جل جلاله:

ففي الحديث الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «من لا يرحَم الناس لا يرحمه الله»؛  (رواه البخاري ومسلم)، وفي الحديث الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعت الصادق المصدوق صاحب هذه الحجرة أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُنزع الرحمة إلا مِن شقي»؛  (رواه أبو داود).

 

ومن صور الرحمة المطلوبة في مجتمعاتنا المسلمة:

أن نرحم الفقراء فنتفقَّدهم ونُعطيهم مما رزقنا الله، وأن نرحم المرضى، وأن نرحم من ملَّكنا الله أمرَهم، فصاروا تحت رعايتنا أو سلطاننا من أولاد أو ذوي قرابة، أو حتى خدم أو موظفين - أن نرحم الأطفال في دُور الأيتام أو المعاقين، والمسنين في دور المسنين، وأن نرحم العمال الذين ينظفون الشوارع، وأن نرحم الطير والحيوان الجائع، ففي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «ليس منا من لم يرحم صغيرَنا، ويعرف حقَّ كبيرنا»؛  (رواه الحاكم)، وقال: صحيح على شرط مسلم.

 

ومن صور الرحمة التي يحتاجها الناس في هذا الزمان أن نرحم أولادنا:

فالولد يستمد عاطفته كلها وطُمأنينته من شعوره بمحبة أبويه له، وهذا ما يُعينه على السلوك الرشيد، وقد أكَّد الرسول صلى الله عليه وسلم على أهمية الرحمة بالأولاد، ففي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تقبِّلون الصبيان وما نقبِّلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك»؛  (رواه البخاري ومسلم)، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن أو الحسين بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا قط، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «مَن لا يرحم لا يُرحم»؛  (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي).

 

وأحب أن أؤكِّد أن تلك الرحمة التي يرحم الناس بها أولادهم هي أكثر ما يحمي الطفل في زمن الفتن، وتَسبق تعليمه للقيم، فتعليم القيم وحدَه لا يجعل من الولد صالحًا، حتى يحب أباه، فيحب سلوكه ويتابعه عليه، ويقتدي به، فتعلُّق الولد بأبويه تعلُّق محبة وطمأنينة، يُبعده عن أصحاب السوء، ويزيد من استقراره النفسي الذي يَحميه من الانخراط في السلوكيات المشينة كالتدخين والإدمان وغيرها.

 

ومن صور الرحمة المفقودة أن نرحم من ولانا الله أمرهم من الضعفاء:

فمما يؤسَف له ويندَى له الجبين أن يتعرَّض الأطفال الأيتام وذوي الإعاقة البدنية والعقلية في دور الرعاية للإيذاء النفسي والبدني؛ لأنهم ليس لديهم من يشكون له، ومن ينتصر لهم، ويُعيد لهم حقَّهم الضائع، ولغياب الرقابة من المؤسسات المعنيَّة بهم، ولكن إذا فقدوا الناصر من الناس، فإن الله بالمرصاد لمن يؤذي الضعيف ويجور على حقه، ولو بعد حين، فتذكر يا مَن وُلِّيت حقَّ الضعيف فانتهبتَه، أنك كما تدين تدان، وأنك كما قدرت عليه اليوم وكما ولاك الله أمره اليوم، يوشك أن يأتي يوم يتولَّى فيه أحدُ القساة الظالمين أمرك، فينتقم له منك، ويقدِر عليك كما قدرت عليه، ويؤذيك كما آذيت هذا الطفل المسكين الذي لاحول له ولا قوة، والأسوأ أن تُحشر إلى الله ظالِمًا وتقف أنت وهو على صراط المظالم ليقتص من حسناتك، قال تعالى في سورة طه:  {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111]، وفي الحديث الصحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «أتدرون من المفلس» ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: «المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيتْ حسناته قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه، ثم طُرح في النار»؛  (رواه مسلم والترمذي)، فاحذَر وعُد عن ظلمك؛ لكي لا تقف ذلك الموقف العصيب الذي ترتجي فيه أن تنال حسنة، فترى حسناتك تتناثر أمام عينيك وتذهب لمن آذيتَه، وارحم لكي تُرحم، فإن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيَّع؟

 

ومن صور الرحمة التي يندر أن نراها أن نرحم الباعة الفقراء:

فلا نجادلهم بالسعر للبضاعة زهيدة الثمن، ولا نُحملهم فوق طاقتهم من تخفيض ثمن سلعهم، فإن كنت ميسور الحال فكن رحيمًا بالبائع الفقير الذي أوقفتْه ظروفه السيئة في لفحات الشمس أو لسعات البرد؛ ليبيع بضاعته الرخيصة، يكسب منها قوت يومه؛ ليُطعم أولاده، ويشتري لهم ما يحتاجون، فلا تجادله لأجل جنيهات قليلة ترميها أنت على الأرض في شرائك للتوافه، أو تدفع أضعافها بالمئات وربما الآلاف في ابتياع الكماليات، ثم تأتي لتظهر براعتك على هذا البائع المسكين.

 

فلربما وجدت المشترين في جدال طويل مع الباعة الفقراء على سعر السلعة، ربما يصل لنزاع أو لكلمة جارحة، أو نحو ذلك، وقد حرَموا أنفسَهم محبة ربِّهم ودعوة سهلة بالرحمة من نبيهم صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «رحم الله عبدًا سمحاً إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى»؛  (رواه البخاري)، وعن معيقب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء»؛  (رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد).

 

ومن صور الرحمة التي يندر أن نراها أيضًا أن نرحم الخدم:

فلا نحمِّلهم فوق طاقتهم، ولا نؤذيهم أو نُجيعهم أو نُحوجهم، فبعضهم يستخدم طفلة مسكينة ظروف أهلها سيئة أحوجهم الفقر لدفع ابنتهم للعمل لدى الغرباء، فيضعوها عندهم وينصرفوا، فيجيعها أهل البيت ويذلونها ويضربونها، ويحمِّلوها من العمل فوق ما تطيق، أو حتى يسمحون لأولادهم بإيذائها وإهانتها وذلِّها، ولا يقتصون لها، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «للمملوك طعامه وشرابه وكسوته، ولا يكلَّف إلا ما يطيق، فإن كلفتموهم فأعينوهم، ولا تعذِّبوا عباد الله خلقًا أمثالكم»؛  (رواه ابن حبان في صحيحه وهو في مسلم باختصار).

 

وبعضهم يُجيعهم ولا يُطعمهم ما يكفيهم، وفي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وجاءه قهرمان له، فقال له: أعطيت الرقيق قوتهم؟ قال: لا، قال: فانطلق فأعطهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى إثمًا أن تحبس عمن تملِك قوتهم»؛ (رواه مسلم)، وفي الحديث الصحيح لغيره عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: عهدي بنبيكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس ليال، فسمعته يقول:  «الله الله فيما ملكت أيمانكم: أشبعوا بطونهم، واكسوا ظهورهم، وألينوا القول لهم»؛  (رواه الطبراني).

 

وبعضهم يعاقب على الخطأ عقوبات شديدة، فلا يرحم ضَعفَ مَن أمامه وذلَّه وحاجته، وفي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ قال: «كلَّ يوم سبعين مرة»؛  (رواه أبو داود).

 

فتذكَّر أن من لا يرحم عباد الله لا يَرحمه الله، وفي الحديث الصحيح عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: كنتُ أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتًا من خلفي: اعلم أبا مسعود، فلم أفهَم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول: «اعلم أبا مسعود أن الله عز وجل أقدرُ عليك منك على هذا الغلام»، فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا، وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله تعالى، فقال: «أما لو لم تفعل للَفَحَتْك النار أو لمستْك النار»؛  (رواه مسلم وأبو داود والترمذي)، وفي الحديث الصحيح لغيره عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «من ضرب مملوكه ظلمًا أُقيد منه يوم القيامة»؛  (رواه الطبراني ورواته ثقات).

 

وفي الحديث الحسن الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «من ضرب سوطًا ظلمًا اقْتُصَّ منه يوم القيامة»؛ رواه البزار والطبراني بإسناد حسن، وفي الحديث الصحيح عن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه: أنه مر بالشام على أناس من الأنباط وقد أُقيموا في الشمس، وصُبَّ على رؤوسهم الزيت، فقال: ما هذا؟ قيل: يُعذبون في الخراج، وفي رواية: حُبسوا في الجزية، فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يعذِّب الذين يعذبون الناس في الدنيا، فدخل على الأمير، فحدَّثه فأمَر بهم فخُلَّوا»؛  (رواه مسلم وأبو داود والنسائي).

 

ولإن كان كل ذلك قد ورد في المملوك الذي امتلَكه صاحبه؛ لأنه اشتراه بماله فصار ملكًا له، فكيف بالخدم الذين لا تَملِكون أمرهم، ولم تشتروهم من حرِّ مالكم، بل هم عباد أحرار أمثالكم، قد أحوَجهم الفقر والحاجة للعمل المهين، فاشكروا الله على نعمة الكفاية، وأَفيضوا على المحتاج ولا تؤذوه.

 

ومن صور الرحمة التي قل أن نراها أن نرحم العامل الذي نستأجره لخدمة:

فهو بشر مثلُنا، ومن حقِّه علينا أن نوفِّيَه أجرَه كما استوفينا منه عمله، فلا نماطله، ولا نبخَسه ماله، ولا نظلِمه، وفي الحديث الصحيح لغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «أعطوا الأجيرَ أجرَه قبل أن يجفَّ عرقه»؛  (رواه ابن ماجه).

 

ومن صور الرحمة أن نرحم الجيران الذين نعلم أنهم في حاجة وفاقة:

فلو كان لك جار جوعان أو مريضٌ أو محتاج وأنت تعلم حاجتَه، بينما أنت ميسور الحال فاكْفِه حاجتَه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «ما آمَن بي من بات شبعانًا، وجاره جائع إلى جَنبه وهو يعلم»؛  (رواه الطبراني).

 

وفي الحديث الصحيح لغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «ليس المؤمن الذي يشبَع وجاره جائع»؛  (رواه الطبراني).

 

واحذَر أن تؤذي جارك، فينالَك عقاب من ربك وعذابٌ أليم، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: «هي في النار»، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يُذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدَّق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها، قال: «هي في الجنة»؛  (رواه أحمد).

 

ومن صور الرحمة التي قل أن نراها الرحمة بالحيوان:

فالحيوان كائن حي له رُوح تُحس وتتألم، وهو مثلنا يجوع ويظمأ، فارحموه يرحمكم الرحمن، وقد جعل الله لرحمة هذا المخلوق شأنًا عظيمًا في ديننا، حتى إن إيذاءه قد يُهلك صاحبه، أوليس الله يطرُد من رحمته مَن اتَّخذ ما فيه الروح غرضًا لتسديد رميهم ونبالهم؟ ففي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه مرَّ بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا أو دجاجة يترامونها، وقد جعلوا لصاحب الطير كلَّ خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرَّقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتَّخذ شيئًا فيه الروح غرضًا؛  (رواه البخاري ومسلم).

 

ألم تدخل المرأة النار في هرة حبستها؟! كما في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تُطعمها، ولم تدَعها تأكُل من خَشاش الأرض»،وفي رواية: عُذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبَستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض؛  (رواه البخاري وغيره).

 

فإن كان لك حيوان تستخدمه في حقل أو عَربة يجرها حمار أو جمل تنقل عليه شيئًا، فلا تكلِّفه فوق ما يطيق، ففي الحديث الصحيح مما رواه أحمد قال يعلى بن مرة: بينا نحن نسير معه يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ مررنا ببعير يُسنى عليه، فلما رآه البعير جرجر ووضع جرانه، فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أين صاحب هذا البعير» ؟ فجاء، فقال: «بِعْنِيه»، قال: لا بل أَهبه لك، وإنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره، فقال: «أما إذ ذكرت هذا من أمره، فإنه شكا كثرة العمل وقلةَ العلف، فأحسنوا إليه... » الحديث.

 

ولا تتخذوا من الحيوان لُعبة لكم، ففي الحديث الصحيح عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فَرخيها، فجاءت الحُمرَة فجعلت تَعرِش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من فجع هذه بولديها؟ ردُّوا ولدَيها إليها»، ورأى قرية نمل قد حرَّقناها، فقال: من حرَّق هذه؟ قلنا: نحن، قال: «إنه لا ينبغي أن يعذِّب بالنار إلا ربُّ النار»؛  (رواه أبو داود).

 

حتى إن للحيوان حقوقًا بدأ بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم قبل أن تعرف منظمات الحقوق النور بأربعة عشر قرنًا من الزمان، ففي الحديث الحسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «ما من إنسان يقتل عصفورًا فما فوقها بغير حقِّها إلا يسأل الله عنها يوم القيامة»، قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: «حقُّها أن تذبحَها فتأكُلها، ولا تقطع رأسها فترمي به»؛  (رواه النسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد).

 

وحتى إن الحيوان الذي يذبح لا بدَّ أن يرحم، ففي الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا أضجع شاة وهو يُحد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريد أن تُميتها موتتين؟ هلا أحددتَ شفرتك قبل أن تُضجعها»؛  (رواه الطبراني) في الكبير والأوسط والحاكم، واللفظ له، وقال: صحيح على شرط البخاري.

 

وأما رحمتك بالحيوان التي تدفعك للإحسان إليه، فأجرُها عظيم:

قد يصل لأن يشكر الله فيغفرَ لك، خاصة لو كان الحيوان في حاجة شديدة فساعدته، ففي الحديث الحسن الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «دنا رجل إلى بئر فنزل فشرِب منها، وعلى البئر كلب يلهَث، فرحمه فنزع أحد خُفيه فسقاه، فشكر الله له فأدخله الجنة»؛  (رواه ابن حبان في صحيحه).

 

فتراحموا عباد الله ليرحمكم الله:

فلترحَم أيها الشاب القوي شيخًا عجوزًا أو امرأة مسنة تقف في المواصلات، تتأرجح وتترنح وأنت جالس مستريح، فتقوم لها لتجلسها بمقعدك.

 

ولترحم أيها الشاب القوي رجلًا ضعيفًا رأيته يُظلم أمام عينيك فمررتَ به ولم تبالِ بنُصرته ولا نجدته.

 

ولترحم أيها البائع طفلًا فقيرًا رأيتَه يتطلع لرغيف خبز أو قطعة جبن، فلا يقدر على ثمنها، أو ثمرة فاكهة تعلَّقت بها عين فقير لا يملِك قوت يومه.

 

ولترحم يا سائق التاكسي أو البائع زبونًا تفرض عليه أن يدفَع ما يفوق ثمن الخدمة أو السلعة التي تلقاها منك لجهله أو ضَعفه.

 

ولترحم أيها الطبيب مرضاك فلا تكلِّفهم دواءً باهظًا من صيدليتك الخاصة، وارحَم مريضًا يقف على بابك لا يجد ثمنَ الكشف أو الدواء، فتفضل عليه من وقتك وعلمك.

 

ولترحم أيها المعلم طفلًا لا يجد ثمنَ الدرس الخصوصي لكنه بحاجة له، ولتتفضل ولتَجُدْ على طفل لا يجد ثمن كتاب أو ملبس حسنٍ فساعده، ومعروفك لن يضيع.

 

ولترحم أيها الغني عاملًا فقيرًا يعمل في شركتك، فلتَمنحه أجره ولا تماطل، ولا تبخسَه حقَّه، وتوقِع عليه الخصومات والأذى من دون حقٍّ، أو تَمنحه أجرًا أقل مما يستحقه.

 

ولترحَم أيها الزوج زوجك، فلا تُكثر عليها من الطلبات في الصيام، فتضيع وقتها في المطبخ وتحرمها العبادة.

 

ولترحمي أيتها الزوجة زوجك، فلا تكلفيه فوق طاقته وفوق ما يملِك، فيعمل ليزيد أجرُه ويضيع شهرُه.

___________________________________________________________________

الكاتب: هيام محمود