العفة والحياء
من المؤسف أن نشاهدَ اليوم في مجتمعاتنا المسلمة ندرةَ صفة الحياء، فنجد بناتنا وكان يجدر بهنَّ أن يكن عفيفات صينات نجد منهنَّ التهتك في اللباس والسلوك، والاستهتار في معاملة الرجال والجرأة على الأخلاق الرذيلة، ونجد شبابنا قد أصابته الميوعة والخنوثة...
- التصنيفات: قضايا الشباب - مجتمع وإصلاح -
من المؤسف أن نشاهدَ اليوم في مجتمعاتنا المسلمة ندرةَ صفة الحياء، فنجد بناتنا وكان يجدر بهنَّ أن يكن عفيفات صينات نجد منهنَّ التهتك في اللباس والسلوك، والاستهتار في معاملة الرجال والجرأة على الأخلاق الرذيلة، ونجد شبابنا قد أصابته الميوعة والخنوثة، وقال وفعل ما يَندى له الجبين مما يُبعد عن الحياء بُعد المشرقين، وقد ارتدى كما يرتدي السفهاء من السراويل الضيقة على عوراتهم والممزقة على أفخاذهم، وكأنهم قد فقدوا معنى الرجولة والحياء، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرِها.
وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحياء وحضَّنا عليه:
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استحيوا من الله حقَّ الحياء»، قال: قلنا يا نبي الله، إنا لنستحيي والحمد لله، قال: «ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حقَّ الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفَظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبِلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء»؛ (رواه الترمذي)، وفي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:مرَّ على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه، فإن الحياء من الإيمان»؛ (رواه البخاري ومسلم).
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحياء قرين الإيمان، فإذا ذهب الحياء يذهب الإيمان بذهابه:
ففي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء والإيمان قُرناء جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر»؛ (رواه الحاكم)، وقد أكَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحياء سببٌ في دخول الجنة، والبذاء من أسباب دخول النار، ففي الحديث الحسن صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار»؛ (رواه أحمد)، وفي الحديث الصحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق»؛ (رواه الترمذي).
وقد أكَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهميةَ الحياء، حتى جعله خلق الإسلام:
فعن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دين خلقًا، وخلق الإسلام الحياء»؛ (رواه مالك)، ورُوي عن قرة بن إياس رضي الله عنه قال:كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر عنده الحياء، فقالوا: يا رسول الله، الحياء من الدين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل هو الدين كله»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحياء والعفاف والعي عي اللسان لا عي القلب، والعفة من الإيمان، وإنهن يزدنَ في الآخرة وينقصن من الدنيا، وما يزدن في الآخرة أكثر مما ينقصن من الدنيا، وإن الشح والعجز والبذاء من النفاق، وإنهن يزدن في الدنيا وينقصن من الآخرة، وما ينقصن من الآخرة أكثر مما يزدن من الدنيا»؛ (رواه الطبراني باختصار وأبو الشيخ في الثواب واللفظ له).
وقد أكَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقبة الطيبة للحياء:
ففي الحديث الصحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير»؛ (رواه البخاري ومسلم)، وفي رواية لمسلم: «الحياء خير كله»، وفي الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان الفحش في شيءٍ إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه»؛ (رواه ابن ماجه والترمذي)، وعن عائشة رضي الله عنها قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، لو كان الحياء رجلًا كان رجلًا صالحًا، ولو كان الفحش رجلًا لكان رجلَ سوءٍ»؛ (رواه الطبراني).
ومن الحياء والعفة غض البصر عن المحرمات:
وقد أمرنا الله بغضِّ البصر في القرآن الكريم، قال تعالى في سورة النور: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 30، 31].
وقد زكَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم غضَّ البصر، وأمر به، روى الترمذي وأبو داود من حديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة».
حتى لقد علَّق صلى الله عليه وسلم عليه ضمان الجنة مع الصدق والوفاء والأمانة وحفظ الفرج وكف اليد، ففي الحديث الصحيح لغيره عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم، أضمن لكم الجنة، اصدقوا إذا حدَّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا الأمانة إذا ائتمنتُم، واحفَظوا فروجَكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكم».
وفي الحديث الصحيح عن جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فقال: «اصرف بصرك»؛ (رواه مسلم)، وعن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإثم حواز القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع»؛ (رواه البيهقي).
وقد عظَّم ثواب كف البصر عن محارم الله، فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترى أعينهم النار، عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله»؛ (رواه الطبراني).
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الجلوس في الطرقات إبعادًا لهم عن الفتنة التي ترد على جوارحهم، وجعل غض البصر أول حقٍّ من حقوق الطريق، فذكره حتى قبل أن يذكر كف الأذى، ففي الحديث الصحيح عن أبي سعيد أيضًا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:إياكم والجلوس بالطرقات، قالوا: يا رسول الله، ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أبيتم فأعطوا الطريق حقَّه»، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر»؛ (رواه البخاري ومسلم وأبو داود).
ومن الحياء والعفة البعد عن لمس المحرمات:
فقد عظُمت حرمة اللمسة بين الرجل والمرأة التي ليست من محارمه، والتي صار الناس يستخفون بها استخفافًا مريعًا في المواصلات العامة والمدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة والمستشفيات، فنجدهم يستبيحون المصافحة والممازحة وحتى المضاربة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللمسة نهيًا مشددًا، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديدٍ، خير له من أن يمسَّ امرأة لا تحل له»؛ (رواه الطبراني).
ومن الحياء والعفة أن تعف لسانك عن نطق المحرمات:
فلا تُخرج من لسانك ألفاظًا بذيئة، ولا تنطق به كلمات فاحشة، ولا تسبَّ به عباد الله، والأسوأ أن تسب أحدًا بوالديه، فتلك مصيبة عظيمة، وفي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: «إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا»؛ (رواه البخاري ومسلم).
فهذه رسالة لمن يقذف بالكلمات من فمه، فيخرج منه ما لا يقبل سماعه ذو خلق كريم، وما يُستحيا منه، احفَظ لسانك وهذِّبه، فإن ما تقوله يكتب، وما يكتب ستراه في صحيفتك يوم القيامة، وما تقوله يؤثر في قلبك ودينك.
فاستحيُوا عباد الله من الله، الذي يعلم السرَّ وأخفى، واتِّخذوا من الحياء عبادة لربكم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «استحيوا من الله حقَّ الحياء»، قال: قلنا يا نبي الله، إنا لنستحيي والحمد لله، قال: «ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفَظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء»؛ (رواه الترمذي).
أن تحفَظ رأسك بكل ما وعاه من عين ولسانٍ وسمع وعقل، وتحفظ بطنك عن اللقمة الحرام، وتحفظ ما حوته منطقة البطن من قلب وفرج عن الحرام، فاحفظوا جوارحكم فإنكم مسؤولون عما تفعلونها بها، وهي مستنطقة مستشهدة عليكم يوم القيامة، فلسوف يشهد سمعك بما سمعته به، ولسوف تشهد عينك بما شاهدته بها، ولسوف يشهد جلدك - كل جلدك - بما مسَسَتْه به، ولسوف يشهد لسانك بما أنطقته به، ولسوف تشهد يدك بما أمسكته بها وبما أخذته بها، ولسوف تشهد رجلك بما مشيت إليه بها، قال تعالى في سورة فصلت: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت: 29 - 24].
وقال تعالى في سورة النور: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 24، 25].
______________________________________________________
الكاتب:هيام محمود