في ميزان العلم.. التطور الدارويني حقيقة أم خيال؟

كتب داروين في إحدى رسائله لصديقه تشارلز لايل، يقول: " ..غالباً ما تجتاحني رعشة باردة تجعلني أتساءل!!..هل كرست نفسي لوهم؟!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.

لم يعد يجدي كثيراً دور الحارس في زمن يتعرض له الإسلام لهجمات غير مسبوقة في نواحي عدة، لا سيما في باب الشهوات والشبهات الذي انفتح انفتاحاً كبيراً، وضعف دور المنع وأصبح كل امرئ دون نفسه ، وليس الخوف على الإسلام،          فقد تولى الله -تعالى- حفظه وإظهاره على الدين كله، وفي السيرة النبوية عبرة لمعتبر لا سيما غزوة الخندق، فالخوف ليس على الإسلام ولكن على أبناء المسلمين مما يعصف بهم، مع تفنن أعداء الله في الإضلال ، وحيث اختلفت وسيلة الدفاع في عصر الانفتاح لذا تبرز أهمية دور الموجه  الناصح، ودور الرقابة الذاتية  كما يبرز دور المهاجمين المبادرين لنقد الباطل والذابين عن  أصول الإسلام وثوابته، كما يبرز دور العناية الكبيرة بأدلة أصول الإسلام([1]) فيعيد المسلم بناء نفسه على أساس متين يصمد أمام تلك العواصف، وهذا البناء يقابله  ضرورة الهدم لقواعد الباطل وكشف ما تحت زخرف القول من الفساد والبطلان والإفلاس، وهذا لا يكون لأي أحد بل على أيدي المختصين، ولله الحمد هناك مراكز([2]) تعنى بجانب المناعة الفكرية وتعزيز اليقين ونقد الباطل وإصدار الكتب المتنوعة في هذا الباب وغيره وبث الوعي وإقامة الدروس والبرامج ولم يبقَ لمن تأثر بالشبهات ووقع في الحيرة والضعف إلا أن يدل طريقها، والتوفيق والسداد بيد الله تعالى.

ونظرية التطور الداروينية من المعابد المتهالكة التي وجهت لها ضربات الهدم من الباحثين المسلمين بل من بعض علماء الغرب أنفسهم، وتكاثرت في نقدها الكتابات والمؤلفات، وهي آيلة للسقوط رغم التفاف القوم حولها، ومع هذا الحال للنظرية إلا أنَّا نجد بعض المسلمين يؤمنون بها دون وعي بحقيقتها.

وقد كتبت سطور قليلة هي حصاد قراءة ومطالعة في هذا الملف ثم أحببت أن تكون مشاركة من المشاركات وسهم من جملة السهام الموجهة لنقد النظرية أحتسبه عند الله تعالى ولعل الله أن ينفع به أحد.

 وبطبيعة الحال هذه السطور لغير المتخصص لتعطيه إحاطة عن فرضية التطور وحقيقتها، وإن كان المطالع الكريم يرى أن لديه اليقين المبني على الدليل الشرعي السليم إلا أن هذا اليقين يزداد ويصفو بعد هدم الباطل.

وهذا أوان الشروع في المقصود والله المعين وعليه التكلان.

في ميزان العلم.. التطور الدارويني حقيقة أم خيال؟

بسم الله الرحمن الرحيم لم يكن موضوع التطور من المواضيع التي أهتم بها إلى أن قدر لي يوماً أن أقرأ كتاب (صندوق داروين الأسود) للعالم الأمريكي د. مايكل بيهي وهو عالم كيمياء حيوية وأستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة ليهاي في بنسلفانيا وزميل بارز في مركز العلوم والثقافة، وتعجبت كثيراً من الحجة التي أوردها في كتابه والتي يبطل بها التطور إن لم نقل سحق بها التطور، فكيف                    لا تزال النظرية قائمة في تلك المجتمعات؟ ثم بعد ذلك قمت بقراءة العديد من الكتب لأكتشف أن ما نعرفه منذ زمن طويل عن التطور واعتقاد أكثرنا  أنه نظرية مسلم بها في الغرب ليس صحيحاً، أو اعتقاد بعضنا أن النظرية اكتسبت تأثيرها بسبب قوة أدلتها، وأن العلم يشق طريقه  بأبجدياته وأخلاقياته، وإن وجد شيء غير مقبول فهو راجع لخطأ ما وهفوة من عالم  فكل ذلك ليس صحيحاً، ولعل ذلك راجع إلى أن العالم العربي بالنسبة  للعلوم الحديثة مجرد مستهلك معرفي لما ينتجه الغرب، وأن ما يدور في فضاء العالم العربي هو مجرد صدى لما يبثه الغرب كونهم أصحاب الاختصاص والسبق في العلوم الحديثة، وليس لنا يد في نقده علمياً، لذا كان مفروض علينا القبول فقط. إضافة إلى أثر هيمنة النموذج الغالب والتي تؤدي إلى قبول المغلوب لرأي الغالب بشكل مجرد، والغرب يدرك هذه العلاقة المعرفية بينه وبين العالم العربي ويظهر ذلك في بعض أساليب الترويج للأفكار في بعض المواد المرئية والمقروءة.

ولكن الواقع أن العالم الغربي -لا سيما في الوسط العلمي-ليس كلهم يؤمن بالتطور وليس جميعهم متفقين، كحال مايكل بيهي مثلاً وليس تدين منه فمايكل رفض التطور بعد قراءته لكتاب (التطور نظرية في أزمة) لمايكل دنتون أستاذ علوم الوراثة والكيمياء الحيوية، وكتاب دنتون هذا قديم صدر عام 1985م ثم عاد دنتون حديثاً فألف كتابه الحالي (التطور نظرية "ما زالت" في أزمة) وكحال ستيفن ماير صاحب كتاب (شك داروين) وغيرهم.

لماذا ظلت الداروينية موجودة؟

طبيعة النظريات أنها تسقط وتحل محلها نظريات أخرى أو تتحول إلى حقائق وجودية مسلمة عند تكامل الأدلة وتضافرها والتحقق منها، مثل دوران الأرض حول الشمس مثلا، ولا حرج في وضع فرضية ممكنة علمياً ثم البحث عن أدلتها لكن العجب ألا يراد لها السقوط عند العجز عن إثباتها، ولا يراد لها أن تذهب إلى أرشيف النظريات القديمة لتحل محلها نظرية جديدة أو حقيقة علمية. ولكن يزول العجب إذا عرفت أن المخلوقات - في نظر الملاحدة - لن تخرج عن كونها متطورة أو مخلوقة، بمعنى أن الملاحدة الذين يتبنونها إما أن يثبتوها فيصبح لديهم دليل على إلحادهم([3]) أو يتشبثون بها كنظرية مجردة، ولا خيار آخر، وأما فكرة التطور الموجه فعلى إشكالاته في الجانب الشرعي والعلمي، وكثرة تناقضاته كونه مذهباً تلفيقياً يحاول إرضاء الطرفين، إلا أنه داخل في القسم الثاني وهذا لا يسعد الملاحدة، ولماذا الملاحدة؟ يجيب التطوري داعية الإلحاد الأشهر رتشارد ديكنز: "داروين جعل الأمر ممكناً في أن تكون ملحداً متكاملاً فكرياً[4]"! يضاف لما سبق أن التطور الموجه لا يصح الكلام فيه قبل ثبوت التطور نفسه كونه فرع عنه وهذا ما لم يتحقق كما ما سيتضح.

التطور الصغير والتطور الكبير

هناك من  يقسم التطور إلى تطور كبير وتطور صغير فالتطور الكبير هو التطور الدارويني المراد به تكون الأنواع المختلفة من المخلوقات ونشوء بعضها من بعض  وأما التطور الصغير فهو يكون داخل النوع الواحد وينتج عنه تحسين  المحاصيل وسلالات حيوانات المزرعة وإنتاج اللقاحات وهو وأن سمي تطوراً فهو لا ينتج عنه مخلوقات جديدة ولا تتخلق جينات جديدة ويكون محدوداً داخل النوع الواحد فالتفاح عند محاولة تحسينه لا ينتج عنب مثلا فضلاً أن ينتج حيوان فهو محدود بإطار النوع، وللأسف يغالط بعض المتعصبين للداروينية ويستدلون بما يتم رصده في المختبرات عن التطور الصغير للاستدلال به على التطور الكبير أو الدارويني وهذا التدليس والإيهام للمطالع راجع لأسباب فلسفية، لذا نجد منصفيهم لا يرون أن هناك علاقة بين التطور الصغير والتطور الكبير ويصرحون بذلك، ولعل التطور الصغير مما عزز الخيال لدى داروين عند ملاحظته أنواع من الطيور  ولئن كان له عذر في هذه الجزئية إلا أنه بعد تقدم العلوم واكتشاف الشفرات الوراثية والجينات وتبين عدم تغيرها عند إنتاج السلالات وأنها لا تخرج عن النوع الواحد ولا يمكن أن تنتج نوعاً جديداً لم يعد هناك عذر لأحد.

خيال العقل وعقبات الواقع:

فكرة تطور الكائنات ليست عسيرة على الخيال المجرد ولننظر في بعض السياقات التاريخية فأرسطو وضع السلسلة العظمى للكائنات والتي قسم فيها الكائنات إلى عدة مراتب وهي التراب ثم النبات ثم الحيوان ثم الإنسان  ثم قسم التراب إلى مراتب من الأدنى إلى الأشرف وكذلك قسم النبات والحيوان، وجعل أشرف التراب مما يلي أدنى النبات وأشرف النبات مما يلي أدنى الحيوان وأشرف الحيوان مما يلي الإنسان، دون القول بأنها ناتجة عن بعضها بل كان يُعتقد ثباتها وعدم تطورها، انتهت هذه الفكرة بعدما جاءت فكرة تقسم الكائنات على هيئة شجرة ذات أصول وفروع  لا سميا مع اكتشاف الحيوانات المنقرضة وتدخل الخيال ليبتكر فكرة التطور لا عن دليل كما سيأتي فطبيعة الفرضيات العلمية أنها توضع أولاً ثم يبحث عن الأدلة كما هو معروف ، وحتى يتضح أن الخيال قادر على نسج التطور فإنا نجد في بعض كتابات أحد علماء المسلمين وهو يصف التطور ثم ينفيه وكأنه رداً على فكرة متداولة لدى طائفة ما، فيقول الرازي في تفسيره عند قول الله تعالى} وَمِنْ ءَایَـٰتِهِۦ أَن خَلَقَكُم مِّن تُرَاب ثُمَّ إِذَاۤ أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ{  (قوله ﴿إذا﴾  وهي للمفاجأة، يقال خرجت فإذا أسد بالباب، وهو إشارة إلى أن الله تعالى خلقه من تراب بكن فكان، لا أنه صار معدناً ثم نباتاً ثم حيواناً ثم إنساناً. وهذا إشارة إلى مسألة حُكمية، وهي أن الله تعالى يخلق أولاً إنساناً فينبهه أنه يحيى حيواناً ونامياً وغير ذلك، لا أنه خلق أولاً حيواناً ثم يجعله إنساناً،  فخلق الأنواع هو المراد الأول، ثم تكون الأنواع فيها الأجناس بتلك الإرادة الأولى، فالله تعالى جعل المرتبة الأخيرة في الشيء البعيد عنها غاية من غير انتقال من مرتبة إلى مرتبة من المراتب التي ذكرناها(([5])وعلى كل حال فعندما نقول تطور كائن حي ذي خصائص معينه إلى كائن حي مختلف، فهذه الصورة متصورة في الخيال الذهني فقط، ومما يسوغها في التصور أنها مفسرة لسؤال تنوع المخلوقات الموجودة والمنقرضة فهذا يسهّل على العقل قبول النظرية لا سيما في الحالة المعرفية البسيطة للمجتمع في زمن داروين قبل تقدم العلوم والاكتشافات، فالعقل قد يتصور إمكان وجود شيء معين بناء على عدم تصور وجود مانع فيحكم بالإمكان ويقبل الفكرة ، مع أن ذلك الشي قد يكون ممتنع في الواقع، وهذه الحالة تعرف بـ(الإمكان الذهني) ويقابله (الإمكان الخارجي)[6]،  لذلك  عند الوقوف على واقع التحول داخل الكائن الحي على افتراضه فالأمر مفزع وغير مقبول، وذلك لأنه يلزم قبل تحول الكائن الحي أن تتحول خلاياه وقبل تحول خلاياه أن تتحول أعضاء الخلية الداخلية بل يتكلم المختصون عن مكونات أدق وأعقد شديدة التباين في الشكل والوظيفة والحجم والتركيب ، فإذا كبرنا الخلية الواحدة لتصبح بحجم مدينة فرضاً واستطعنا أن نشاهد مكوناتها المعقدة كما نشاهد مباني المدينة سنجد تبايناً ضخماً واختلافاً كبيراً بين الجسيمات داخل الخلية من حيث الحجم الشكل والمكونات والبنية والوظيفة ، فالقول إن هذا الجسيم تحول إلى جسيم أخر فهذا غير مقبول عند أهل التخصص ويرونه قفزة هائلة وكأنك تقول تطور مبنى إلى معدة ثقيلة أو إلى طائرة ،  وذلك لشدة الاختلاف بين الجسيمات في البنية والوظيفة التي يؤديها وفي الحجم كذلك ، وإن وجد تقارب في الوظيفة فيكون كتحول دراجة إلى سيارة  أو تحول قارب إلى باخرة، ومن يريد شرح وإثبات التطور من خلال هذا الطريق فيلزمه أن يشرح كيف تطورت أجزاء  الجسيمات  داخل الخلية ولنطبق هذا على دراجة وسيارة بافتراض  أن كل منهما جسيم دقيق داخل خلية محكمة فمن أين تكون البداية والخطوة الأولى ، دون أن نستخدم الخيال؟ هذا طبعاً مع وجوب مراعاة استمرار عمل كل منهما وأداء وظيفته بشكل سليم حتى لا يموت الكائن الحي ومع مراعاة عدم القفز فلا نقول تطور أحد الأنظمة البسيطة إلى نظام معقد فلا نقول تطورت الدواسة إلى مكينة مثلا، مع أن عبارات الداروينيين هنا عند وصف التطور تكون بنحو (تطورت، تحول، من الممكن، قد نتج عنها، يعتقد) وهذه ألفاظ خيالية وقفزات كبيرة كما نبه عليها مايكل بيهي. هذا مع اعتبار أن كل جسيم مرتبط بالآخر ويؤديان وظيفة واحدة في كثير من الأحيان وتكون مجموع وظائف الجسيمات داخل الخلية مكملة لبعضها مما يعني استحالة إزالة عضو من هذه المجموعة ولو أزيل لم تعمل الخلية، بل وجود تغير مرضي طفيف في جسيم واحد داخل الخلية يؤدي إلى اختلال وظيفة الخلية بالكامل فيمرض الكائن الحي وقد يموت. والخلاصة أنه من ناحية الخيال يمكن تصور تحول جسيم إلى جسيم آخر بسهولة أو حتى عضو في الحيوان إلى عضو آخر لكن من حيث الواقع المادي وتحول ذلك خطوة بخطوة دون أي تجاوز فإن ذلك مستحيل يقول د. مايكل بيهي (حتى نشعر بالقوة الكاملة للاستنتاج بأن النظام معقد بشكل غير قابل للاختزال وأنه بالتالي ليس له أي أسلاف وظيفية فعلينا أن نميز بين سلف مادي وسلف تخيلي. فالمصيدة المذكورة أعلاه (يقصد مصيدة الفأر الكلاسيكية) ليست النظام الوحيد القادر على تجميد الفأر بمكانه -استعملت عائلتي مصيدة الغراء -فعلى الأقل يمكن لأي كان أن يستعمل حتى مصيدة الصندوق المثبت بالعصاء أو إطلاق رصاصة على الفأر بكل بساطة. فكل هذا لا يعتبر سلفاً مادياً لمصيدة الفئران النمطية لأن هذه الأدوات غير قادرة على التحول إلى مصيدة ذات (قاعدة ومطرقة ونابض ولاقط وقضيب ماسك) خطوة فخطوة بأسلوب الداروينية. لتوضيح الفكرة لنأخذ بعين الاعتبار هذا التسلسل: لوح تزلج، ولعبة عربة، دراجة هوائية، ودراجة نارية، وسيارة، وطائرة، وطائرة نفاثة، ومكوك فضائي يبدو وكأنه توالي طبيعي. أولاً لأنه عبارة عن لائحة من الوسائل التي تصلُح للتنقل، وثانياً لأن هذه الوسائل متسلسلة وفق ترتيب التعقيد فمن الممكن أن تكون من الناحية التخيلية متصلة ومتداخلة فيما بينها في متسلسلة واحدة؛ ولكن فل نقل: هل من الممكن أن تكون الدراجة الهوائية سلفاً فزيائيا _وربما داروينيا_ للدراجة النارية؟ لا، إنها سلف تخيلي وحسب.))[7] ولعلك تقول أين داروين والناس في زمنه عن موضوع الخلية؟ الجواب أنه بالإضافة إلى الحالة المعرفية البسيطة لا سيما في علم الأحياء فإن الخلية نفسها لم تكن معروفة زمن داروين وكانت تعتبر أشبه بكيس هلامي حتى عند داروين نفسه ومن هنا قال في كتابه (إذا كان من الممكن إثبات وجود أي عضو معقد لا يرجح أنه قد تشكل عن طريق العديد من التعديلات المتعاقبة والطفيفة، فسوف تنهار نظريتي تماما)[8] وقد كان هذا الاختبار الذي وضعه داروين أساس فكرة كتاب (صندوق داروين الأسود) كما سيأتي.

عقبات من نوع آخر

والحديث السابق هو على المستوى البيولوجي المادي البحت، ففي التصور الدارويني تكون المخلوقات عبارة عن مادة بيولوجية محكومة بقوانين مادية صارمة ولا تخرج عن إطار المادة ومن هنا تأتي الإشكالات الأخرى المتعلقة بالعلوم الفطرية الضرورية، والجانب الغريزي، والجانب الأخلاقي، وموضوعية الخير والشر، والشعور بالغائية، والإرادة الحرة، والوعي، والعقل والمعقولات ([9]). فهذه وغيرها مكونات رئيسية أساسية في قيام حياة المخلوقات، وهي خارج الإطار المادي الذي هو ميدان الداروينية وتعتبر تلك المكونات عقبات شديدة عند التطوريين فهناك أسئلة لم يجيبوا عنها وهي 1-الوعي كالفرق بين النائم والمستيقظ مثلا 2-وسؤال الأخلاق من حيث الوجود السابق قبل المخلوقات ومن حيث معيار الخير والشر وأنه مطلق وليس نسبي يعود لتقدير الناس وحدهم بعد وجودهم 3-وسؤال العقل والمعقولات من أين أتت؟ وليس المراد الدماغ طبعاً. وما سواها مما أجابوا عنه فهي أجوبة ضعيفة تفتقر للدليل وغير مقبولة ، أو تعليلات  يحاولون  ربطها بالمادة البيولوجية والجينات دون حقائق علمية واقعية يمكن قبولها في الوسط العلمي المخلص ، فمثلا في سؤال الإرادة الحرة (مثلا عندما ترفع كأس ماء لتشرب) ففي ظل الداروينية  لا نجد جواباً لسؤال الإرادة الحرة  -حيث إن الداروينية تنظر للمخلوقات كمادة عمياء تشكلت بالصدفة  وما زالت تتطور دون  تدخل- وعندما أجاب أحدهم وقال إن داخلنا شبكة مكونة من بلايين الأعصاب المتداخلة جعلت رفع الكأس يكون في هذا التوقيت كان جواباً خيالياً وغير مقبول ، وعلى هذا الجواب نكون مجبورين على أفعالنا ويكون المجرم القاتل بريء. وهناك أجوبة أخرى لكنها فلسفية لا يمكن إثباتها.

لمحة تاريخية يسيرة  

سبق ريتشارد داروين قليل من الكتاب الذي أشاروا للتطور في مؤلفاتهم أو تكلموا عنه  دون أن يقدموا حجج أو يطيلوا في البحث، كما سبقه بعضهم في جمع الأحافير والعناية بها، ثم جاء داروين وألف كتابه على مدى سنين طويلة وصدر عام 1859م في ظروف سياسية ودينية  قاسية وفي ظل ثورات سابقة رافقها الكثير من سفك  الدماء، وفي وسط حالة ثقافية بسيطة تفتقر لكثير من المعارف والعلوم المتعلقة بعلم الأحياء، مما جعل من الكتاب وفكرته سلاح ضد سيطرة الكنسية وقد استغله وتبناه مجموعة من الملاحدة وتولوا ترويجه والدعوة إليه  ولم يقدموا أدلة على النظرية ولكنها ناسبت ميولهم وهدفهم ([10])،  كما أن داروين نفسه لم يقدم أدلة كافية باعترافه هو، بل وضع اشتراطات لقبول نظريته، وأحد هذه الاشتراطات هو الذي بنى عليه مايكل بيهي كتابة صندوق داروين الأسود كما سبق، والاشتراط الآخر وجود أحافير انتقالية كافية تمثل حلقات بينية وسيطة في سلسلة التطور، وهي ما أثبتت الأيام عدم وجودها بل صارت الأحافير دليلاً على بطلان التطور لإثباتها العكس بعد أن نشطت عمليات التنقيب وكثرت  كما سيأتي. كما أن داروين نفسه شكك في أكثر من موضع في كتابه وتخوف من نتاج نظريته على الأفكار وهو ما وقع فعلاً فالرسوم البيانية لانتشار فكرة التطور عبر العقود الماضية والرسوم البيانية لانتشار للانحلال الجنسي، وحمل القاصرات، وانتشار المخدرات، وتدني النتائج لدى الطلاب، سارت في وتيرة مرتفعة معاً وهذا يرجع إلى اعتقاد أن الإنسان لا يعدو كونه مادة بيولوجية لا قيمة حقيقية لها وليست محاسبة على أفعالها، بل إن كوارث أخرى مثل جرائم هتلر وستالين عزاها بعض الكتاب إلى أسباب ومنها اعتناقهم عقيدة التطور بمنظوره البقاء للأقوى أو الأصلح.

 

ماذا خبأت الأيام للنظرية

التطور في صورته العامة: زعموا أن الكائنات الحية جميعها تطورت من خلية ظهرت فجأة وتكون منها السمك ومن السمك تكون البرمائيات ومنها تكونت الزواحف ومن الزواحف تكون الطيور ومن الطيور تكونت الثدييات ثم تكون الإنسان.

ودليلهم على ذلك هو الأحافير وساعد على ذلك الزمن والصدفة والعشوائية وقانون البقاء.

لكن دليل الأحافير لم يكتمل فلم يتمكن داروين من الاستقراء التام للأحافير إلا أن الأيام في نظره كفيلة بسد هذه الثغرة ثم مات داروين ومرت العقود تليها العقود وإلى اليوم وعمليات الحفر والتنقيب تزداد والمتاحف تمتلئ بالأحافير غير الانتقالية، وملخص النتائج:

1-عدم وجود أحافير تثبت التطور.

 2-اكتشاف أن الحيوانات ظهرت فجأة فيما يعرف بالانفجار الكامبري ([11]) وهو دليل ضد التطور، يقول داروين (إذا كانت الأنواع الكثيرة والتي تنتمي لنفس الأجناس أو الفصائل، قد دبت فيها الحياة فجأة، فستمثل هذه ضربة قاتلة لنظرية انحدار الأنواع بالتحول البطيء)[12]. وقد يجادل البعض بأن حيوانات العصر الكامبري معروفة زمن داروين نقول نعم وقد كان داروين يعلم بأن ذلك لا يتطابق مع الصورة التدريجية التي افترضها إلا أنه في نظره مجرد مشكلة  نقص في السجل الأحفوري فقط ، وكان يعتبر لغز  سيتم حله،  ولكن مع مرور الأيام وبتزايد التنقيب ومع تطور آلات البحث تأكدت تماما مسألة الانفجار الكامبري، وزالت الشكوك والتخمينات والاعتراضات، فمثلا من يقول إن أسلاف العصر الكامبري لم يتم حفظها لأنها رخويات أو دقيقة جداً، فقد أثبتت الكشوف حفظ الرخويات والكائنات الدقيقة حتى بلغت إلى اكتشاف أحافير بعض أنواع الخلايا والبكتريا والطحالب وحيدة الخلية باستخدام أنواع من الأشعة التي تساعد على ذلك، وهي كائنات أقدم من كائنات العصر الكامبري ومع ذلك لم تدمر!، ومما يناسب ذكره هنا أن العصور قبل الكامبري مثل العصر  الإدياكاري لم يتفق علماء الأحافير على تصنيف الأحافير المكتشفة فيه واختلفوا  في تصنيفها اختلاف  كبير ، وبكل بساطة فإن ذلك يعني أنها ليست سلف لحيوانات العصر الكامبري. وكما تقول مجلة Nature  عن الكائنات  الإدياكارية ( إن كانت حيوانية فلن تشبه أي مخلوق آخر أو ستكون قليلة الشبه به سواء كان أحفوراً أم موجوداً)[13] بل إن العصر الإدياكاري يمثل انفجاراً أصغر كما يقول علماء الأحافير ما يعني عدم وجود كائنات وسيطة أو انتقالية، وقد دفع عجز  السجل الأحفوري عن إثبات الداروينية ومعضلة العصر الكامبري جمهرة من علماء البيولوجيا التطورية لمحاولة إثبات شجرة داروين من خلال الدارسات المكثفة - على مدى عقود طويلة- في (الشكل الظاهري للكائن، والتشريح، والدراسات الجزئية، والتكاثر الجنسي ) وذلك تحت مصطلحات علمية متعددة فخرجت أوراق بحثية كثيرة جداً تحمل نتائج متعارضة متناقضة كما أفرزت معضلة العصر الكامبري نظرية تسمى  التوازن المتقطع ولكنها فشلت في نهاية المطاف هي الأخرى.

3- ومن نتائج التنقيب المستمر اكتشاف أن الحيوانات ما زالت كما هي القط هو القط والسمكة هي السمكة والأسد هو الأسد وهو دليل ضد التطور كما جاء في الدراسة المكثفة التي أجرتها جمعية الجيولوجيين في لندن وشارك فيها عشرون عالماً واستعرضت الدراسة سجل الأحافير موزع على 2500 مجموعة وجاء في التقرير (إن كل شكل أساسي من أي نوع من النباتات والحيوانات أظهر أنه لديه تاريخ خاص به منفصل عن كل أنواع الحياة الأخرى ، فهناك مجموعات من النباتات والحيوانات تظهر فجأة في السجل الأحفوري ، مثل الحيتان والخفافيش ، والخيول والرئيسيات والأرانب البرية والسناجب وغيرها كثير ، كلها مميزة بشكلها منذ لحظة وجودوها المشابه لشكلها الحالي ، ولا دليل أبدأ على وجود سلف مشترك لأي نوعين منها ، ناهيك عن صلة لأي منها بالزواحف التي من المفترض أن تكون أصلها جميعاً )[14] وما سبق  يعني أن سجل  الكائنات إذا وضعت في رسم بياني فإنها تأخذ شكل خطوط عامودية بدلاً من شجرة داروين المفترضة كما وضح ذلك ستيفن ماير في كتابه شك داروين.[15] ونلاحظ أن شجرة داروين في حقيقتها عبارة عن رسم بياني بني على الافتراض ولم تكن نتيجة طبيعية لواقع تم التوصل له من خلال الاكتشافات.

 4-اليأس من البحث وإليك بعض الأقوال:

يقول رتشارد دوكنز في كتابة الإلحادي (صانع الساعات الأعمى) ودوكنز هذا من أشهر مناصري التطور في هذا العصر ومن أشهر دعاة الإلحاد (تظهر الكائنات في سجل الأحافير بلا تاريخ تطوري وكأنها زرعت بالأمس، وهذا يسعد الخلقيين)[16].

ويقول غاريث نيلسون خبير الأحافير بالمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي (فكرة الذهاب للسجل الأحفوري من أجل الحصول على استنتاج تجريبي لعلاقة السلف بالخلف بين الأنواع والأجناس والعائلات أو كل ما كان أو ما يمكن أن يكون ما هو إلا وهم خبيث)[17].

وجاء في مجلة ساينس دايجست مايلي: (الحقيقة الجديرة بالملاحظة أننا لو جمعنا كل الأدلة المادية على تطور الإنسان لوسعها جميعها تابوت واحد. القرود الحديثة على سبيل المثال تبدو وكأنها ظهرت من لا شيء وكأنهم لا ماضي لهم إذ لا يوجد أي دليل أحفوري لماضيهم، والأصل الحقيقي للإنسان الحديث -المنتصب العاري، صانع الأدوات، ذو الأدمغة الكبيرة-إذا كنا صادقين مع أنفسنا، لغز يضاف لسابقه ([18])).    

 

محاولة إنقاذ فاشلة

ومن أجل الخروج من هذا المأزق وسد هذه الثغرة تم اختراع الدليل من قبل بعض العلماء مثل كذبة إنسان جاوة وكذبة إنسان بلتداون وكذلك كذبة إنسان نبراسكا وكذبة إنسان أورس.

 وهي كذبات أفتضح أمرها ([19]) وتبين أنها مزورة ومركبة من عظام إنسان وقرد وبعضها مركب من جمجمة حمار صغير كما في إنسان أورس وبعضها لم يعثر إلا على سن فقط واخترعوا منه قصة إنسان كامل تخيلوه ونحتوه ونحتوا عائلته وأولاده وصوروهم ثم تبين أنه مجرد سن خنزير بري! وقد بنيت عليها أبحاث وألفت فيها الكتب قبل أن تكتشف الكذبات، بل إن إنسان بلتداون ركبه أحد العلماء من جمجمة إنسان وقرد واستخدم مواد كميائية تجعله يبدو كالأحافير وعرض في المتاحف على مدى 40 سنة وأعدت حوله أكثر من 500 رسالة دكتوراه !![20] إلى أن تم اكتشاف التزوير، تقول مجلة ريدر دايجست (لقد ثبت بالدليل القاطع أن كل جزء من أحفورة إنسان بيلتدوان قد تم تزويره([21])) ، ولا يقتصر الخداع على الأحافير فهناك أنواع من توظيف العلم من قبل علماء الطبيعة في إقصاء الحقائق المخالفة للداروينية وقد ناقش هذا النوع من الخداع د. جوناثان ويلز في كتابه (أيقونات التطور) فسرد مجموعة من أدلة التطور المتداولة حتى بين المختصين والتي يراد من خلالها إثبات التطور  كرسومات الأجنة لهيجل([22]) أو الطائر الأحفوري وغيرها، ثم قال في المقدمة: (نعرض في الفصول القادمة أيقونات التطور على الأدلة العلمية المنظورة، وسنكشف الكم الكبير من الخطأ الذي نعلمه لطلابنا حول التطور. هذه الحقيقة تطرح سؤالا خطيراً حول وضع نظرية التطور: إن كانت هذه هي أفضل الأدلة التي نملكها لإثبات التطور الدارويني وثبت لنا أن كلها خطأ أو مزورة؟ فما هو الوصف الصحيح للنظرية؟ أهي علم أم خرافة؟[23]).

ولك أن تسأل ما الذي يدفعهم للكذب والتزوير إلا انعدام الدليل العلمي الصالح والتشبث بالتطور كعقيدة وعدم اعتبارها مجرد نظرية، وربما لا نتعجب بعد هذا أن يلجأ التطوريون إلى رفع قضية في المحاكم ضد نظرية التصميم الذكي التي تعني الخلق وذلك لشعورهم بالخطر، وهي تلك القضية الشهيرة التي تعرف بمحاكمة دوفر  Dover Panda Trial وقد كسبها التطوريون حيث أصدرت المحكمة الفيدرالية حكماً باعتبار نظرية التصميم مبدأ ديني وليس علمي!! حيث جاء في حيثيات الحكم "تعليم التصميم الذكي غير دستوري وليس "علماً" وأنه لا يجوز لإدارة المدارس طرح وجهات نظر دينية تنتقص من نظرية التطور العلمية"، ([24])  أيضاً  قد تم توثيق شهادات علماء من المجتمع العلمي بقمع الأكاديميين المقتنعين بأدلة التصميم الذكي والتضييق عليهم بل وفصلهم من الجامعات وتم عرض ذلك في الفلم الوثائقي (مطرودون غير مسموح بالذكاء).

الصدفة:

وهي أحد دعائم نظرية التطور بعد دليل الأحافير، والحديث حولها ذو شجون وإذا أردنا التقديم لها فإن المقال يطول فنأمل من القارئ الكريم القراءة حول الثوابت الكونية والضبط الدقيق للكون، حيث إن أي اختلال دقيق يؤدي إلى اختلاف الكون، فالكون ضبط منذ اللحظة الأولى للانفجار الكبير([25]) بدقة متناهية ليكون صالحاً لاستقبال الكائن الحي، كما نأمل من القارئ الكريم المطالعة حول ما يتعلق بالخلية فالحديث عنها لا تستوعبه المقالات فقد بلغت من التعقيد والإعجاز والضبط ما يفوق التصور بحيث إن أبسط وصف يقرب شيء من حقيقتها أن تشبه بمدينة كما فعل مايكل بيهي في كتابه المذكور حيث شبهها بمدينة كبيرة تحتوي على شوارع ومبانٍ ومراكز ووسائل نقل ومركز معلومات وترجمة ونظام مراسلة ومزارع إنتاج وعمال ورافعات وبوابات وأسوار وجنود، فكل ما يشبه هذا موجود حقيقة في الخلية وهو ما دفع الملاحدة بالاعتراف أنها صممت من قبل واعٍ ذا علم، ولكن يهربون من الاعتراف بالخالق لينسبوا صنعها إلى كائنات فضائية كما فعل رتشارد دوكنز!

كما أنه من المهم قبل الحديث عن الصدفة التي عامل الزمن مكون مهم فيها أن نستحضر أن عمر الكون كما يقول الفلكيون والفزيائيون 13.77 مليار سنة.

والكائنات الحية وجدت في الزمن الأخير أي بعد تكون الأرض وبعد صلاح سطح الأرض للحياة، مع ملاحظة أن الانفجار الكامبري –الذي خرج خلاله أصناف الحيوانات -  يمثل نحو (0،11%) من عمر الأرض، كما يمثل ما نسبته  دقيقة واحدة في يوم من أربع وعشرين ساعة عند مقارنته مع عمر الحياة على سطح الأرض المقدر بـ 3.8مليار سنة، وهي نسبة ضئيلة جداً من تاريخ الحياة.

بعد هذا لننظر في الصدفة كيف تعمل وذلك بضرب الأمثلة المبنية على نظرية الاحتمال الرياضية ([26]):

مثال الدراهم العشرة: الذي ضربه العالم الأمريكي كريسي موريسون، حيث ذكر أنا لو أخذنا دراهم عشرة، وكتبنا على كل واحد منها رقماً خاصاً متسلسلاً، ووضعناها في صندوق، ثم خُلطت خلطاً جيداً، وطلبنا من أحد إخراجها مرتبة، فإن احتمال ظهور الرقم (1) يكون بنسبة 10:1 ، وأما احتمال ظهور الرقمين(2،1) مرتبة، فهو بنسبة100:1 ، أي (10×10= 100)، واحتمال ظهور الأرقام (3،2،1) بالتتابع ، فهو بنسبة1000:1 ، أي (10×10×10= 1000)، واحتمال ظهور الأرقام كلها مرتبة من واحد إلى عشرة يكون بنسبة 1010:10 أي : واحد أمامه عشرة أصفار : 10000000000، ولو أجرينا السحب ليلاً ونهاراً بحيث نسحب ورقة كل خمس ثواني لاحتجنا إلى  ألف وخمسمائة سنة لكي يكون هناك احتمال واحد لسحب هذه الأرقام العشرة بتسلسلها الصحيح!!.

 مثال البروتين: قام عالم الفيزياء السويسري تشارلز أوجين بحساب العوامل البيئية والحيوية التي يمكن من خلالها تكون بروتين واحد بالصدفة (البروتين أساس بناء الخلية ويتركب من سلسلة أحماض من نوع خاص وبطريقة رياضية)، فوجد أن ذلك يتطلب نسبة 16010:1 ، أي بنسبة واحد إلى رقم عشرة مضروب في نفسه مائة وستين مرة، وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبير عنه، وهو  عند علماء الرياضيات يساوي صفر؛ لأن أعلى نسبة للاحتمال عندهم 15010:1، وأكتشف أن كمية المادة التي تلزم لحدوث هذا التفاعل بالصدفة أكثر مما يتسع له كل هذا الكون بملايين المرات، وأكتشف أيضا أن تكوين هذا الجزئي على سطح الأرض بالمصادفة يتطلب بلايين لا تحصى من السنوات، قدّرها بأنها عشرة مضروبة في نفسها 243 مرة من السنين، وهذا شيء لا يمكن تصوره. وذلك لأن بناء البروتين يحتاج إلى تألف سلسلة أحماض يسارية وليست يمينية وأن تتركب بشكل تسلسلي رياضي لا يقبل الخطأ، مع اختلاف عدد الأحماض في كل بروتين بحسب وظيفته، وليس كل بروتين يصلح لبناء الخلية كما أن البروتينات تختلف في هيئاتها ووظائفها بشكل هائل فلكل بروتين في الخلية وظيفته الخاصة، وكي يتكون البروتين فلا بد له من خلية تمده بعمليات حيوية معقدة بنسب وأرقام ومحدده، لذلك محاولة حساب عدد الاحتمالات لنشوء بروتين واحد بالصدفة ينتج عنه رقم يفوق عمر الكون.

 

مثال القردة: قام به الدكتور شرويدر وذلك بحساب الاحتمالات التي يمكن من خلالها كتابة قصيدة سوناتا لشكسبير عن طريق ضرب القردة على مفاتيح الكتابة بطريقة عشوائية (بعد أن وضع مجموعة قردة مع لوحة مفاتيح)، وأحصى عدد حروف القصيدة، فإذا هي 488 حرف، وعدد أزرار لوحة المفاتيح فإذا هي 26 زر، فالاحتمال إذن يساوي واحد مقسوم على 26 مضروبا في نفسها 488مرة، والنتيجة: 48826، وهو ما يعادل: 69010، أي واحد بعده ستمائة وتسعين صفر!! وهذا عدد كبير جداً، فقد أحصى العلماء عدد الجسيمات في الكون -الإلكترونات والبروتونات -فوجدوها: 8010، أي واحد بعده ثمانون صفراً، ومعنى هذا أنه ليس هناك جسيمات تكفي لإجراء المحاولات لكتابة قصيدة سوناتا بالصدفة فقط، فكيف بحدوث العالم وتكون الكون والمخلوقات فإن حدوثها بالصدفة ممتنع؛ لأن المدة التي تحتاجها تفوق عمر العالم وحجمه بملايين المرات.

الانتقاء الطبيعي عن طريق الطفرات العشوائية والبقاء للأصلح

هذا القانون الذي أفترضه داروين يحتاج كي يعمل -على افتراض صحته – إلى المجموعات الكثيرة من الكائنات الحية فهذا ميدانه، وينعدم بانعدامها طبعاً، لذا من البديهي أن هذا القانون لا وجود له قبل وجود الكائنات، لذلك هو لا يجيب عن كيفية بدأ الحياة على كوب الأرض، فكيف جاءت أول خلية[27] بما تحتويه من معلومات مشفرة وغير مشفرة وتعقيدات رياضية هائلة؟ لا جواب للداروينية أبداً، وكذلك كيف حصل الانفجار المعلوماتي في العصر الكامبري؟ لا جواب لدى الداروينية.

ففي العصور التي سبقت العصر الكامبري عاشت الكائنات البسيطة ووحيدة الخلية بكثرة وفجأة ظهرت كائنات معقدة جداً ذات خلايا متعددة تحمل معلومات هائلة تتضمن كل ما يخص الكائن الحي من حيث شكله وبنيته وتخطيطه ونظام عمله.

وبدون هذه المعلومات المشفرة داخل الشريط الوراثي والمعبر عنها بالمعلومات الجينية وكذلك المعلومات فوق الجينية ([28]) لن يوجد الكائن الحي فمن أين أتت هذه المعلومات؟ لا جواب لدى الداروينية رغم أنه من البداهة أن المعلومة مصدرها الوعي والإدراك وليس الطفرات العشوائية والانتقاء.

وفكرة الطفرات العشوائية والبقاء للأصلح بحسب الفكر الدارويني يحتاج إلى زمن طويل جداً ليعمل، والإشكال أن عمر الكائنات على سطح الأرض 3.8 مليار سنة بحسب تقدير العلماء.

 وقد عمل د.مايكل بيهي وغيره على حساب الزمن الذي يستغرقه هذا القانون لينتج طفرتين متناسقتين لتولد جينات وبروتينات فوجد أنها تحتاج إلى زمن أطول من عمر الكائنات على الأرض كما في كتابه (حافة التطور) ولدحض قوله قام أنصار الداروينية بإعادة الحساب فتقلصت المدة إلى 216 مليون سنة لإنتاج طفرتين متناسقتين فقط وفي كلا الحالين ثبتت عدم معقولية هذه الفكرة.

  لما سبق تضاءلت فكرة آلية الطفرات العشوائية والانتقاء الطبيعي وتم استبدالها من قبل بعض أنصار التطور بنظريات أخرى إلا أنها فشلت -في تقديم جواب لا سميا عن حالة الظهور المفاجئ للكائنات في الانفجار الكامبري -وقد قام د. ستيفن ماير في كتابه شك داروين بتوثيق تفاصيل تلك النظريات وفشلها علمياً.

 وبعد هذا فلسنا بحاجة للتفصيل أكثر في موضوع العشوائية ولكن يكفي أن نعلم أن معنى الطفرات والعشوائية هو وجود بلايين الكائنات الحية المشوهة وغير المشوهة بينما الواقع أن الحيوانات موجود بأجناس وأعداد محصورة سواء في الأحافير أو في الطبيعة، هذا إذا تغافلنا عن أن الكائن المشوه لا يعيش ولا ينجب عادة، ويعترف العالم التطوري "دوبجانكي" (معظم الطفرات سواء في المختبرات أو في الطبيعة نتج عنها تراجع في القدرة على البقاء أو أمراض وراثية أو تشوهات، وتغيرات كهذه لا تصلح كي تكون أساساً للتطور)[29]. أيضا فإن التكامل والإتقان والحكمة والجمال والتناسب والنظام الذي يسود الكون مناقض لفكرة العشوائية وكفيل بصرف النظر عن هذا المكون من مكونات الداروينية ويضاف لذلك أن البشر يتميزون عن المملكة الحيوانية باختلاف هائل فيما بينهم في الصورة والشكل واللون والبصمة ونبرة الصوت وحتى في الذوق والاختيار وهذه وغيرها أمور معدة مسبقاً للعيش الجماعي وبناء العلاقات وضبطها وهذا لا يتوافق مع رؤية الداروينية التي تقول إن الصدفة والعشوائية تقود مصير الكائنات الحية! ماذا لو كنا متشابهين جداً في كل شيء وليس لدينا بصمات؟

البقاء للأصلح

وهذا المكون أيضا لا يحتاج للوقوف معه كثيراً حيث يرده مبدأ التكافل والتعاون الموجود بين الكائنات وفي الطبيعة ، كما يرده أن القول بالبقاء للأصلح هو أيضا عند الداروينية على مستوى الأعضاء وهو ما لم يتمكنوا من إثباته بل             ما زال العلم ينقض أمثلتهم التي يوردونها، فهم يعتقدون أن في جسم الكائن الحي يوجد مخلفات من الأعضاء غير الصالحة  والتي في طريقها للاضمحلال وهي من بقايا التطور بزعمهم،  يسمونها الأعضاء الأثرية ويرون أنها عديمة الفائدة، والحمد لله أن العلماء لم يستجيبوا لهم وواصلوا دراستها حتى تبين فائدة كثير منها وما زال العلم يكتشف المزيد من وظائفها، ومن المعروف أن عدم العلم بوظيفة العضو لا يعني أنه لا وظيفة له، والمقصود أن التطوريين يرون أن الأعضاء الأثرية عديمة الفائدة ولا يمكن أن تفسر إلا في ظل التطور وبحسب رؤيتهم يزول العضو الغير مفيد تدريجياً ويبقى العضو المفيد على مبدأهم البقاء للأصلح، وكذلك فإن العملية معكوسة أيضاً فهم يعتقدون أن الأعضاء كانت بسيطة التركيب ثم أصبحت معقدة وهذا القول يلزم منه أن الأعضاء كي تؤدي وظيفتها لا بد أن تنتظر تكامل بعضها تطورياً لتعمل، أي أن هناك عضو مكتمل لا يعمل لكنه بقي – ولم يعتبروه أثيري يزول تدريجياً كما سبق! - إلى أن جاء التطور بعضو آخر بالصدفة ليبدأان العمل معاً ويؤديان وضيفة واحدة كالإبصار مثلا الذي يحتاج لعدسة، قرنية، حدقة، شبكية. إلخ!!

 

كيف يهدم مبدأ الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح نظرية التطور نفسها؟

الحياة بمواردها مترابطة ترابط شديد بعضها يمكن إدراكه بسهولة وبعضه يدركه أهل التخصص وبعضها يدرك بالتأمل وبعضها لا يدرك إلا عند وقوع نماذج تدل الإنسان الضعيف على قدرة الخلاق العليم الحكيم.

فالنحل والنمل مثلا يمكن لنا أن ندرك التعاون فيما بينه بسهولة.

 وهناك ما يدركه أهل الاختصاص مثل البكتريا حيث تعيش في جماعات وتبني مدينة ذات حصون منيعة تقيها العدوان الخارجي ولها نظامها في الغذاء وتوزيع الأوكسجين ولها تعاون عجيب فيما بينها[30].

وهناك ما هو ظاهر عند التأمل كالتوازن بين الماء والنبات والحيوانات آكلات العشب وآكلات اللحوم ودور النبات والأشجار في الطبيعة وتوزع الموارد الغذائية المحدودة في هذا التوازن.

والمقصد أن التعاون وتوزع الموارد سمة في حياة الكائنات فإذا وجد دخيل عليهم غير متعاون ومستأثر بالموارد ومنافس عليها بسبب قوته فالذي يحصل هو انهيار النظام وبالتالي لا يجد هذا الدخيل المستأثر بيئة تناسبه فينهار كذلك لأن حياته مرتبطة بهم.

فهذا الدخيل القوي المستأثر لو وجد فإنه لا بد من منعه حتى لا يدمر الموارد سواء في مجموعة صغيرة أو كبيرة.

ولكن حقيقة الداروينية أنها تدعمه وتقول إنه سبب الحياة!!! لأن مبدأ الانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح أو الأقوى يدعمه ولا يمنعه من الإفساد بل يعتبره سبب وجود الحياة في الأرض.

أمثلة يتضح بها ما سبق:

رعاة ماشية يأتون إلى مرعى محدود وكل منهم معه ماشية تتفاوت في العدد، وهذا المرعى بعد الرعي فيه يحتاج إلى مدة زمنية كي ينمو العشب من جديد. فاستمرار الحياة هنا هو بالرعي فيجب على كل منهم أن يرعى بقدر محدود بما يكفي ماشيته حسب عددها دون زيادة ودون إهلاك رأس المال وهو كامل العشب، أما لو أستأثر القوي منهم بالمرعى وبهذا المورد دون حساب فلن يجد العشب فرصة كي ينمو وبالتالي خسارة الجميع بما فيهم القوي نفسه.

 مثل آخر:

خلايا السرطان لها قوة على الانتشار في جسد المريض والاستئثار بالغذاء ومنافسة الخلايا الطبيعية فبدون التدخل العلاجي ومنعها، تهلك الخلايا الطبيعية ويموت المريض ويموت معه السرطان وهو الدخيل القوي المنافس.

مثال ثالث:

توجد وفرة سمكية هائلة في أحد شواطئ كندا حيث تتوفر أسماك القد بشكل هائل فقامت شركات عملاقة لصيد السمك دون حساب وكان المفترض أن تصيد بقدر معين وتترك الفرصة للسمك ليتكاثر فتستمر الشركات بالربح ولكن ما حصل هو أن السمك هلك وانتهى بسبب الصيد الجائر وبالتالي تدمرت هذه الشركات وانتهت هي أيضا وهي الدخيل القوي المنافس.

 الخلاصة: أن مبدأ الانتخاب الطبيعي وأن البقاء يكون للأقوى والأصلح مبدأ يدعم الدخيل القوي المستأثر بالموارد والغير متعاون ولا يمنعه من الاستئثار، وهذه حال مناقضة للداروينية فبطلت بنفس دليلها.[31]

وهم لا ينكرون هذه الحقيقة التي واجهتهم وهذه بعض اعترافاتهم في بعض الأوراق البحثية:

(السلوكيات التعاونية التي من خصائصها تقديم النفع للآخرين شكلت مشكلة خاصة لعلماء الأحياء التطوريين)

(إذا كان تفسير التعاون هو واحـدة مـن أكـبر المشكلات التي تواجـه نظريـة التطـور، فتفسير التعاون في الميكروبـات هـو واحـد مـن أبـرز الجوانب التي تجسد هذه المشكلة).

(أصل الإيثار هو مشكلة أساسية في نظرية التطور)[32]

صندوق داروين الأسود

بداية الفكرة التي استند إليها هذا الكتاب هي أن الحياة - في مفهوم التطور الدارويني - نشأت بسيطة وما زالت تتطور إلى أجهزة حيوية معقدة   فهذا يعني - على فرض صحة النظرية - أن أي جهاز حيوي لا بد له من سلف أبسط منه ثم هذا السلف له سلف أبسط منه إلى نصل إلى نقطة البداية، فبالتالي إذا وقفنا على جهاز لا سلف له بحيث يكون مركب بطريقة لا يمكن اختزالها ولا يعمل إلا بنفس مكوناته الحالية صار هذا محبط لفكرة التسلسل السابق  ولذا قال داروين (إذا كان من الممكن إثبات وجود أي عضو معقد لا يرجح أنه قد تشكل عن طريق العديد من التعديلات المتعاقبة والطفيفة، فسوف تنهار نظريتي تماما)[33] فحجة مايكل بيهي تتلخص  في (التعقيد الغير قابل للاختزال) وتعني أن أي آلة مركبة من عدة مكونات  لتعمل دفعة واحدة بنفس التوقيت لتؤدي وظيفة ما، فهذا يعني  أنه لا يمكن إزالة قطعة منها ولن تعمل إلا بحالتها الكاملة، مثلا العين مركبة من مجموعة أجزاء (قرنية، حدقة،عدسة، شبكية، موصلات عصبية. إلخ) تعمل دفعة واحدة لتؤدي وظيفة الإبصار ولو أزلنا أي مكون فستتعطل عن العمل، ثم جعل بيهي مصيدة الفئران الكلاسيكية مثاله المركزي فهي عبارة عن (قاعدة ومطرقة ونابض ولاقط وقضيب ماسك) لتؤدي وظيفتها ومعنى ذلك استحالة أن تكون هذه الآلة متطورة من سلف سابق فإما أن توجد دفعة واحدة أو لا، حيث لا يمكن اختزال مكوناتها بأي حال.

وضرب أمثلة حيوية لذلك – بعد أن مهد لها وقدم بمقدمات طويلة-منها:

 الخلية: حيث قام بشرح مكوناتها الدقيقة مطولاً ثم بين عدم إمكانية استغناء مكون عن الآخر بحال، وماذا يحدث في جسم الكائن الحي لو اختلت وظيفة واحدة من وظائفها، ووصل لنتيجة مفادها أن الخلية صممت كما هي لتؤدي وظيفتها.

الخنفساء المدفعية: وهي خنساء تقذف ماء مغلي لتحرق مهاجميها، ثم شرح آلية عملها العجيبة، واحتواءها على مواد كيمائية في حجرات منفصلة يتم خلطها في لحظة ما بطريقة ما ثم وضح بطريقة علمية كيف أنه لا يمكن إلغاء أي مكون من مكونات آلية عملها وبالتالي عدم وجود سلف لها وأنها صنعت هكذا.

 تجلط الدم (شلال التخثر): وقد أطال في شرحه وهو شبيه بمعادلة رياضية هندسية يعتمد كثيراً على الحركة والسرعة والبطء والمسار والتوقيت المناسب بطريقة هندسية مذهلة وبالغة التعقيد جداً بحيث لو أختل أي مكون سواء من الجزئيات أو من المعادلة (الحركة والسرعة والبطء والمسار والتوقيت المناسب) لأنهار نظام التخثر ولنزف الكائن الحي حتى الموت أو لتجلط الدم في عروقه وبالتالي استحالة وجود سلف لهذا النظام ولتقريب الصورة شبهها في بداية البحث بآلة (روب جولدبيرج).

الهدب السباح ذو السوط: وهو كائن بكتيري وسباح ماهر لديه نظام سباحة معقد بمكونات محددة (محرك وذراع تجديف وروابط توجيه) وهي قطع محددة تعمل دفعة واحدة لذا لا يمكن اختزال مكون من مكوناته ولو أزلنا أي مكون لأنهار النظام كاملاً، وتساءل كيف ظهر الهدب؟ ما هو سلفه؟ ثم ذكر محاولات الداروينية لتفسير ذلك وعدم جدوى تلك الأجوبة علمياً وأنها تعتمد على الخيال فقط.

وبعد ذكره لهذه النماذج وغيرها بدأ في ذكر الاعتراضات الوارد على حجته (التصميم الغير قابل للاختزال) من بعض العلماء والجهات العلمية وبدأ في الرد عليها وخلاصتها أن كل تلك الاعتراضات اعتمدت على الفلسفة والخيال والأسلوب اللغوي والبحث في التعريفات دون ذكر دليل علمي يمكن محاكمته إلى العلم الذي تقدم بشكل كبير جداً لا سيما في مجال الأحياء والكيمياء الحيوية يقول بيهي بعد تلك الأجوبة والردود (إن كل العلوم تبدأ من التخمين أما الداروينية بالذات فتنتهي بشكل متكرر عنده)[34] ويقول: (..في مراجعة الكتاب عند صدوره في 1997م صرح  جيمس شابيرو عالم الميكروبيولوجيا من جامعة شيكاغو  : (لا يوجد أية تفسيرات داروينية مفصلة لتطور أي نظام خلوي أو كيميائي حيوي أساسي ما.  يوجد فقط أنواع من التخمينات تقودها الرغبة) ولم يتغير أي شيء بعد عشر سنوات، سمها إن شئت تخمينات مرغوبة، أو سمها سيناريوهات مقبولة، كلا التعبيرين يجمع بينهما قاسم الافتقار إلى أجوبة حقيقية)[35]

وفي نهاية هذا المقال آمل أن لا يفهم منه أني معادي لنظرية التطور كنظرية علمية بل أختلف معها في مبدأ ديني يتمثل في خلق آدم -عليه السلام- وأيضا عدم قبول العشوائية والصدفة كون ذلك ينافي الإتقان والإحكام والإرادة الإلهية والقيومية والتدبير  لشأن الخلق، وأختلف معها في مبدأ علمي يتمثل في الافتقار للدليل السليم ومواجهتها عقبات شديدة كالانفجار الكامبري والمعاني الفطرية..إلخ  وغيرها مما  سبق ذكره، كما أختلف مع توظيفها لدعم الإلحاد كنظرية من وجهة نظر الإلحاد مضادة ومناقضة للخلقية مما أخرجها من كونها فرضية علمية إلى عقيدة يذب عنها وطقوس تقام لها دور عبادة [36] كما يفعل الملاحدة حيث يجتمعون في كنائس خاصة تسمى (كنائس الملاحدة) ويقرؤون في كتاب داروين!! فهذه تجاوزات وجناية على العلم وتمسك بالوهم، فلما لا تترك للعلم الطبيعي التجريبي وغيره ليسير بها إما إلى إثبات أو إلى نفي كبقية النظريات؟

الخاتمة:

كتب داروين في إحدى رسائله لصديقه تشارلز لايل، يقول: " ..غالباً ما تجتاحني رعشة باردة تجعلني أتساءل!!..هل كرست نفسي لوهم؟!.." [37]

 

 

_____________

كتبه: أبو وريف بدر عبد الله الصاعدي

الهوامش والمراجع

 

[1] - من الكتب الهامة كتاب دلائل أصول الإسلام، من إعداد مركز صناعة المحاور.

[2]- من هذه المراكز مركز تكوين ومركز دلائل وقد أنتجت مواد هامة مثل كتاب دلائل أصول الإسلام وبرنامج صناعة المحاور الذي يعنى بتعزيز اليقين وتأصيل الثوابت وتقوية المناعة الكفرية في مواجهة الشبهات ومثل كتاب شموع النهار للعجيري في هدم ونقد الباطل. وغيرها من المواد الكثيرة والمتنوعة والنافعة. وقد يعترض معترض بأن العلم الشرعي كافي في الإحصان من الشبهات والجواب أن العلم الشرعي هو الأساس والقاعدة التي ينطلق منها المسلم ويعود إليها ويبني عليها ومن ليس لديه تأصيل شرعي فهو مفلس، فالعلم الشرعي لا شك أنه حصانة ومنعة من الباطل، بل الابتعاد عن تدارس كتاب الله والعناية بالعلم الشرعي سبب من أسباب وقوع بعض الشباب في الشبهات، والتخصص في نقد الشبهات هو فرع لاحق يبنى على تأصيل شرعي سابق فهو مزيد عناية في باب دعت الحاجة إليه. كما يقال للمعترض إنه ليس كل من تعرض للشبهات وأحتاج إزالتها طالب علم شرعي وفي هذه الحالة يحتاج إلى من يزيل عنه الإشكال وقد يكونون جميعاً في بيت واحد لكثرة انتشار الأفكار الباطلة، أيضاً ليس كل طالب علم شرعي لديه القدرة على تمام الاستنباط فقد لا يجيد الرد والاستفادة من النص فيحتاج إلى الاطلاع على ما اعتنى به وما سطره المتخصصون في نقد الشبهات والله أعلم.

[3] - استدلال عامة الملحدين بـ (نظرية التطور التي تفسر نشوء الكائنات الحية وتطورها) على نفي وجود الخالق للكون والكائنات وهذا الاستدلال ينقصه شرط التلازم بين الدليل وبين المدلول من جهتين يظهر في كل منهما انتفاء التلازم:

الجهة الأولى: انتفاء التلازم بين نشأة الكائنات الحية على الأرض وبين نفي وجود الخالق للكون عموماً، بمعنى أن هناك مخلوقات أخرى غير الكائنات الحية على الأرض كالمجرات والنجوم والبحار وغيرها، فالاستدلال على نفي الخالق لكل هذه الأشياء عن طريق تفسير نشأة جزء ضئيل على الأرض يسمى الكائنات الحية فيه انفكاك للتلازم كبير.

الجهة الثانية: انتفاء التلازم بين وجود القانون المفسر لنشوء الكائنات وبين نفي وجود من أنشأ هذا القانون ودبره. إذ لا علاقة بين الأمرين (وجود القانون ونفي مقننه)، بل إن وجود القانون المحكم لأي شيء ما، يستدعي في الذهن البحث عمن صنعه وقننه وهذا كله مع التنزل الجدلي بصحة النظرية (أصول الخطأ في الشبهات لأحمد السيد ص 27)

 

[4] - Richard Dawkins , The Blind Watchmaker : Why the evidence of evolution reveals a universe without design , New York : W.W. Norton & Company , 1987 نقلا من كتاب التطور الموجه بين العلم والدين لهشام عزمي ص 84.

[5] - المراد من نقل كلام الرازي بيان أن تصور التطور ليس ممتنع في الذهن وإن كان ممتنع في الخارج كما سيأتي، وأما الدليل الشرعي على بطلان التطور الدارويني في حق آدم - عليه السلام- هو قوله تعالى {ِ إِنَّ مَثَلَ عِیسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابࣲ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَیَكُونُ}[آل عمران ٥٩] وذلك من وجهين:

الوجه الأول: أن الآية احتجاج على النصارى الذين ألهوا عيسىى -عليه السلام-لأنه ولد من غير أب فأحتج عليهم بأن آدم خلق من غير أب ولا أم ومع ذلك فهو عبد لله، ولو كان الإنسان متطور لكان آدم منحدر من سلالة قبله،أي: له أب وأم، وعندها لا يكون في الآية حجة على النصارى، والآية إنما هي في مقام الاحتجاج على النصارى.  

الوجه الثاني: التصريح أنه خُلق خَلق متميز عن سائر بنيه.

 -[6] الإمكان الذهني: هو أن يعرض الشيء على الذهن فلا يعلم امتناعه، ويقرر إمكانه لا لعلمه بإمكانه؛ بل لمجرد عدم علمه بامتناعه، مع أن ذاك الشيء قد يكون في الواقع ممتنعاً. والإمكان الخارجي: وهو أن يعلم إمكان الشيء في الواقع خارج الذهن، بأن يعلم وجوده في الخارج، أو وجود نظيره، أو وجود ما هو أبعد عن الوجود منه، فيكون ذاك الشيء أولى بالوجود (أصول الاعتقاد أعداد صناعة المحاور ص 48 وأنظر الرد على المنطقيين لابن تيمية ص 318)

[7] - صندوق دارون الأسود ص 64

[8]  - Charles Darwin, "The Origin Of Species", Harvard University Press, 1964, p189 نقلا من كتاب صدوق دارون الأسود ص 7

[9]للاستزادة يمكن مراجعة كتاب دلائل أصول الإسلام السابق ذكره وكتاب شموع النهار للعجيري ومحاضرة الداروينية عرض ونقد للعجيري أيضاً. وأنظر الفصل السادس عشر من كتاب خرافة التطور لروبت جميس حيث استفاض في الحديث عن الغرائز وهو من أمتع فصول الكتاب.

[10] - للاستزادة حول الظروف التي نشأت فيها الدارونية ينظر كتاب معبد داروين لخالد الشايع.

[11]- الانفجار الكامبري: يعني الظهور السريع للأحياء في الحقبة الجيولوجية الكامبرية.

[12] - Charles Darwin , The Origin of Species : A Facsimile of the First Edition , Harvard University Press , 1964 , p.302 . نقلا من كتاب التطور نظرة تاريخية وعلمية وأنظر مناقشتها علميا في كتاب شك داروين في الفصل الأول.

[13] - شك داروين لستيفن ماير ص 155

[14]خرافة التطور لروبرت جيمس ص 76.

[15]  - شك داروين لستيفن ماير ص 76-79.

[16] - التطور نظرة تاريخية وعلمية ص 103.

[17]  -  709.(2004) From a presentation by Gareth Nelson in 1969 to the American Museum of Natural History..Journal of Biogeography31 نقلا من كتاب 40 خطأ في نظرية التطور لهيثم طلعت.

[18] - خرافة التطور ص 42.

[19] - قد يكون هناك جدل حول بعض هذه النماذج مثل رجل أورس هل هو كذبة متعمدة أو خطأ في الاستنتاج، وفي كلا الحالين لا يدعم الدليل الأحفوري بشيء.

[20] - موسوعة ويكيبيديا.

[21] - خرافة التطور 47ص ، التطور نظرة تاريخية وعلمية ص73.

[22]- ارسنت هيجل عالم أحياء ألماني متعصب للداروينية قام برسم المراحل الجنينية للحيوانات بشكل متشابه في الهيئة وقدمت هذه الرسوم على أنها دليل على السلف المشترك للحيوانات جميعاً وقد تم اكتشاف التزوير عام 1880م

[23] - أيقونات التطور علم أم خرافة ص 8.

-[24] قضية كيتسميلر ضد مدارس منطقة دوفر (موسوعة ويكيبيديا).

[25] - الانفجار الكبير: ويسمى الانفجار العظيم يعني أن الكون نشأ من انفجار تكونت منه المجرات والأرض وهو نظرية تم وضعها ثم تضافرت الأدلة على تقريرها وما زالت تزيد ولم تصل لحد القطع التام إلا أنها ألغت الجدل السابق حول قدم العالم وأصبح المؤمن وغير المؤمن مقر بحدوث الكون غير أن المؤمن يعتقد بأن الانفجار الكبير لا يمثل كل الوجود فهناك الجنة والنار والعرش مثلاً، والجدير بالذكر أنه عندما ثبت الانفجار الكبير كره ذلك كثير من العلماء الملاحدة حتى من الذين ساهموا في إثباته فحاولوا تدارك الأمر والالتفاف على الأدلة فلم يفلحوا وقد فصل تلك المحاولات مايكل بيهي في كتابه والعجيري في شموع النهار.

[26] - الاحتمال الرياضي: علم يدرس الظواهر العشوائية وفق قواعد حسابية معينة. وينظر للأمثلة التالية ومراجعها كتاب دلائل أصول الإسلام تحت مبحث دليل الإحكام والإتقان.

[27] - على التنزل بأن الحياة بدأت بخلية وإلا لا دليل على ذلك.

[28] - المعلومات فوق الجينية: هي معلومات تؤثر في توجيه بعض الوظائف الحيوية وتخطيط الكائن الحي ولا توجد ضمن الشريط الوراثي ويدل عليها استمرار نمو العضو مدة يسيرة بعد نزع الحمض النووي من الخلية كما يدل عليها أنه عند استنساخ الشريط الوراثي في عملية انقسام الخلية تحصل أخطاء مطبعية في الشريط الوراثي الذي هو سجل المعلومات فتتحرك آليات لتستبدل الجينات بجينات أخرى أو تصحح مكانها وعمل هذه الآليات ليس عشوائي بل مبني على معلومات مسبقة ولا تعتمد آليات التصحيح في خطط التصحيح على المعلومات الجينية التي تقوم هي أصلا بتصحيحها وغير ذلك من الأدلة.

[29] - خرافة التطور لروبرت جيمس ص 65

[30] - للاستزادة أنظر حول البيوفيلم في موسوعة ويكيبديا

[31] - للاستزادة أنظر مقال مأساة الموارد المشتركة ونظرية التطور. مركز دلائل. لأحمد إبراهيم. وأنظر السرطان الغازي كدليل تجريبي على الانتحار التطوري للكاتب نفسه موقع الألوكة. وكتاب اختراق عقل  لنفس الكاتب ص 212-218

[32] - أنظر كتاب اختراق عقل لأحمد إبراهيم ص 207

[33] - Charles Darwin, "The Origin Of Species", Harvard University Press, 1964, p189 نقلا من كتاب صدوق دارون الأسود ص 7

[34] - صندوق داروين الأسود ص 303

[35] - المصدر السابق ص 307

[36] - كنائس الإلحاد: دور عبادة للملاحدة تقام بهدف محاولة الإشباع الروحي وليس التقرب فهم يقرون أن للتدين إيجابيات.

[37] - Life and Letters of Charles Darwin« 1887 vol 2 p229. نقلا عن كتاب التطور نظرة تاريخية وعلمية.