من أقوال السلف في اتباع السنة -1
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
** قال النيسابوري رحمه الله: من أمرّ السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن رام السعادة في الدنيا والآخرة فعليه باتباع الكتاب والسنة, قال الإمام الشاطبي رحمه الله: ألقي في نفسي القاصرة أن كتاب الله وسنة نبيه لم يتركا في سبيل الهداية لقائل ما يقول ولا أبقيا لغيرهما مجالاً يعتد فيه, وإن الدين قد كمل, والسعادة الكبرى فيما وضع, والطلبة فيما شرع, وما سوى ذلك فضلال وبهتان, وإفك وخسران, وأن العاقد عليهما بكلتا يديه مستمسك بالعروة الوثقى, محصل لكلمتي الخير دنيا وأخرى, وما سواهما فأحلام وخيالات وأوهام.
ويا سعادة من كان منهجه التسليم لنصوص الكتاب والسنة, قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " الذي يتعين على المسلم الاعتناء به: أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, ثم يجتهد في فهم ذلك, ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية, وإن كان من الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر واجتناب ما يُنهى عنه, وتكون همته مصروفة إلى ذلك, لا إلى غيره.
فأما إن كانت همّته مصروفه عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد تقع وقد لا تقع, فإن هذا مما يدخل في النهي, ويثبطُ عن الجد في متابعة الأمر
سال رجل ابن عمر عن استلام الحجر, فقال له: رأيت النبي يستلمه ويقبله, فقال له الرجل: أرأيت إن غُلبت عليه ؟ أرأيت إن زوحمتُ ؟ فقال له ابن عمر: اجعل "أرأيت", باليمن. رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستلمُهُ ويقبلُهُ.
ومراد ابن عمر رضي الله عنهما: أن لا يكون له همّ إلا في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم, ولا حاجة إلى فرض العجز عن ذلك, أو تعسره قبل وقوعه, فإنه قد يفتر العزم عن التصميم على المتابعة."
وبقدر حرص المسلم على السير على الكتاب والسنة يقل التناقض والتضاد عنده, وتحصل له الطمأنينة واليقين, وتبتعد عنه الوساوس والشبهات, قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: في وقت شيخ الإسلام كانت العقائد المنحرفة كثيرة وأتباعها كثر, وكانت لهم مناهجهم وطرائقهم المتنوعة...وقد صرح بعضهم بأن الكتاب والسنة لا يستفاد منها يقين ولا يؤخذ منها عقيدة وأن المعتقد يؤخذ من العقول ولم يلحظوا أن العقول متفاوتة وأن العقل تخفى عليه بعض أوجه الحق فإنه وإن نظر إلى جانب في طرق الاستدلال لكنه يخفى عليه جوانب أُخر, كما أنهم لم ينتبهوا إلى أن العقول يقع في طرق الاستدلال بها أنواع من أنواع الخداع في التفكير فإذا كان هناك خداع في البصر كما يرى الإنسان السراب ويظنه ماء ويرى القضيب والخشب عندما يجعل في الماء كأنه منكسر لخداع النظر هذا أيضاً يكون في العقول ثم إن الناس تختلف مداركهم في العقل ولذلك تجد الإنسان يجزم صباحاً بشيء ويظن أنه مما يقطع به العقل ثم يجزم بضده في آخر يومه ومصداق هذا في كتاب الله لأن الله عز وجل يقول
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء:82] يعني تناقصاً وتضاداً فما كان من عند الله فلا تناقض فيه وما كان من عند غيره فلا بد أن يقع فيه التناقض والتضاد عنده فبقدر سير الإنسان على الكتاب والسنة يقل التناقض والتضاد عنده وبقدر ابتعاده عن هذين الأصلين يكثر التناقض والتضاد.
والواجب التسليم لنصوص الكتاب والسنة فهمتها العقول, أو لم تفهمها, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الواجب على الخلق اتباع الكتاب والسنة, وإن لم يدركوا ما في ذلك من المصلحة والمفسدة...وما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به وإن لم يفهم معناه.
وقال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: الواجب علينا أن نحكم النصوص, فما جاءنا من النصوص سمعنا له, وآمنا به, وأيقنا بصحته, فما فهمته عقولنا ولم يكن مشكلاً عندها فذاك, والحمد لله, وما عجزت عقولنا عن دركه وفهمه فلا يجوز لنا أن نكذبه, لأن الشريعة قد تأتي بأمور تعجز العقول عن فهمها. ثم إننا مع ذلك نؤمن أنه لا يمكن أن يكون في أمور الشريعة ما هو معارض للعقل الصحيح الصريح, لكن قد تخفى بعض الوجوه عن بعض الناس, فلا يعرف وجه ما ورد في النص, فلا يعني أن ما ورد في النص يكون مخالفاً لمدلول العقل, بل عجز العقل عنه.
وعندما توجد أقوال أو آراء تخالف الكتاب والسنة فتترك ويُعمل بالكتاب والسنة, قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب, فانظروا في رأيي, فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به, وما خالف فاتركوه.
ومن أراد هداية بدون الكتاب والسنة فقد ضلً الطريق, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد إلا بعداً.
أحكام القرآن الكريم تحتاج إلى بيان من السنة, فلا إسلام بدون العمل بالسنة, ومن عطل العمل السنة بأي حيلة شيطانية فهو ممن يهدم الدين.
للسلف أقوال في اتباع السنة يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
الوصية بالعمل بالسنة, ودعوة الناس للعمل بها, والوصية بأهلها خيراً:
** قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله: استوصوا بأهل السنة خيرًا، فإنهم غرباء.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله: عليك بأدبين:
أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطناً وظاهراً, في خاصتك, وخاصة من يُطيعك.
الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان.
** قال العلامة عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: الوصية بالسنة والعمل بما جاء فيها من العلم, والهدى, وحفظ ما تيسر منها.
- التسليم لسنة الرسول علية الصلاة والسلام وعدم معارضتها برأي أو هوى:
** قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما يقول عرية يريد ؟ قال: يقول: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة. قال ابن عباس: أراهم سيهلكون !! أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم, ويقولون نهى أبو بكر وعمر.
** قال مالك بن أنس رحمه الله:
& سمعت ابن شهاب يقول: سلموا للسنة ولا تعارضوها.
& ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويترك, إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقاله قبله مجاهد والشعبي.
** قال الإمام الشافعي رحمه الله:
& إذا وجدتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم سُنة فاتبعوها, ولا تلتفتوا إلى قول أحد.
& إذا صحّ الحديث فهو مذهبي.
& إذا صحَّ الحديثُ فاضربوا بقولي هذا الحائط.
& إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بها, ودعوا ما قلته.
& أي سماء تظلني, وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فلم أقل به.
** قال الربيع بن سليمان: سأل رجل الشافعي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: فما تقول ؟
فارتعد وانتفض الشافعي, وقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقُلتُ بغيره.
** عن ميمون بن مهران في قوله تعالى: ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ قال: الرد إلى الله إلى كتابه, والردّ إلى الرسول إذا قبض إلى سنته.
** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: الحجة عند الاختلاف السنة وأنها حجة على من خالفها
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من نور قلبه فرأى ما في النص والشرع من الصلاح والخير, وإلا فعليه الانقياد لنصِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه وليس له معارضته برأيه وهواه.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
& لا يلتفت إلى الآراء ولو قويت مع وجود سنة تخالفها.
& قال ابن عبدالبر: الحجة عند التنازع السنة, فمن أدلى بها فقد أفلح.
& السنة إذا ثبتت لا يبالي من تمسك بها بمخالفة من خالفها.
- من ثمار وفوائد الأخذ بالسنة:
** قال الإمام الزهري رحمه الله: الاعتصام بالسنة نجاة.
** قال النيسابوري رحمه الله: من أمرّ السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة.
** قال الجنيد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول, واتبع سنته, ولزم طريقته, فإن طريق الخيرات كلها مفتوحة عليه.
** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: البركة والخير كله في أتباع أدب رسول الله وامتثال أمره.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قال أبي بن كعب رضي الله عنه: عليكم بالسبيل والسنة, فإنه ما من عبد على السبيل والسنة, وذكر الله, فاقشعر جلده من مخافة الله إلا تحاتت عنه خطاياه, كما يتحات الورق اليابس عن الشجرة, وما من عبد على السبيل والسنة ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشية الله إلا لم تمسه النار أبداً. وإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد خلاف سبيل وسنة, فاحرصوا أن تكون أعمالكم اقتصاداً واجتهاداً على منهج الأنبياء وسنتهم.
** قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: كلما قرب الناس من السنة زالت الخلافات بينهم, وكلما ابتعد الناس عن السنة وجد الاختلاف بينهم.
- عقوبة الاستهزاء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الخطيب البغدادي رحمه الله: قال زكريا الساجي: كنَّا نمشى في أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين, فأسرعنا المشي, وكان معنا رجل متهم في دينه, فقال: أرفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسرها, كالمستهزئ, فما زال في موضعه حتى جفّت رجلاه وسقط
ـــــــــــــ
- إثارة الشبهات حول السنة النبوية هدفه القضاء على الإسلام:
قال العلامة صالح بن فوزان الفوزان: يثير أهل الزيغ والضلال شبهاً داحضة حول السنة, وقد ردّ عليهم علماء المسلمين قديماً حديثاً, بردود فضحت باطلهم, وكشفت زيفهم, وردتهم على أعقابهم خاسئين, ذليلين, ومعروف هدف هؤلاء: إنهم يريدون القضاء على الإسلام بالتشكيك في أصوله, لأنهم إذا أبطلوا العمل بالسنة فقد أبطلوا العمل بالقرآن. لأن القرآن يحتاج إلى بيان السنة له, وإذا عطل العمل بالكتاب والسنة قضي على الإسلام, وهذا ما يريدون, ومن ورائهم منظمات سرية من أمم الكفر تصنع لهم الخطط, وتلقنهم الشبه.
- أخبار الآحاد التي ليس لها معارض, تفيد القطع واليقين:
قال الشيخ سعد الشثري: الصواب أن أخبار الآحاد الواردة في الحديث النبوي التي ليس لها معارض ولم يتكلم فيها أحد من الأئمة بشيء أنها تفيد القطع واليقين, لأمور
أولها: أن الله تعالى أكرم من أن يدخل في شريعته شيء ثم لا يُنبِّه الأمة عليه, ولا يمكّن علماء الحديث من اكتشافه.
ثانيها: أن الله تعالى قد تعهد وتكفل بحفظ هذه الشريعة, ومن حفظها حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: ﴿ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ﴾ [الحجر:9] ومما يدخل فيه تفسير كتاب الله الذي يكون بالسنة.
ثالثها: أن لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من البهاء والوضوح والنور ما ليس لغيره, مما يجعل كلامه لا يمكن أن يلتبس بكلام غيره, ثم إن الأمة قد اجتهدت في تمحيص الأخبار النبوية والتمييز بين صحيحها وضعيفها, فلا يمكن أن يخفى كذب في الحديث على هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة.